تطرح مسطرة محاكمة معتقلي أحداث أكديم إيزيك، التي راح ضحيتها 11 شخصا من عناصر القوة العمومية وعشرات الجرحى، مجموعة من الإشكالات الحقوقية والقانونية والإجرائية، كما أنها تسمح برصد مجموعة من التوظيفات السياسية لقضية جنائية سواء من طرف بعض الجهات الخارجية المناوئة للقضية الوطنية، أو من طرف انفصاليي الداخل المدعومين من بعض التنظيمات التي تحاول اختزال مسألة حقوق الإنسان في معارضة الدولة فقط. الملفت للانتباه في هذا السجال الحقوقي القانوني، هو أن البعض يتغاضى عن الحق في الحياة، الذي يعتبر من أقدس الحقوق وأسبقها، ويرجح عوضا عنه حقوقا فئوية أو فرعية مفترضة، مع العلم أن شرائع حقوق الإنسان هي جزء متكامل ومنظومة شاملة لا تقبل التجزيء أو التمييز في الحقوق. فالاجتماع الذي نظمته الجمعية المغربية لحقوق الإنسان صباح أمس الخميس، تحدث عن الحق في المحاكمة العادلة والحق في التعبير والحق في التظاهر، لكنه نسي أن يتحدث عن الحق في الحياة، بالنسبة لعناصر القوة العمومية الذين لقوا حتفهم في خضم تلك الأحداث، بعدما تم إزهاق أرواحهم وسحل جثامينهم والتمثيل بجثثهم.
المعطى الثاني، الذي يستفز المتمعن في توصيات الاجتماع، هو أن الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، ومن جمعتهم لحضور هذا الاجتماع يتحدثون عن المحكمة العسكرية، وكأنها وجدت حصريا لمحاكمة معتقلي أحداث أكديم إيزيك، وللحكم عليكم بعقوبات صارمة بسبب انتمائهم الاثني، ناسين ومتناسين أن قانون العدل العسكري الذي ينظم اختصاصات المحكمة الدائمة للقوات المسلحة الملكية يوجد منذ سنة 1956، وأن مادته الثالثة تحدد ولاية المحكمة في جميع القضايا التي يرتكبها عسكريون أو يكون ضحاياها من الجنود، وهو ما ينطبق على معتقلي أحداث إكديم إيزيك.
من هذا المنظور، يتضح أن إسناد الاختصاص للمحكمة العسكرية في قضايا معتقلي اكديم إيزيك، لم تمليه اعتبارات سياسية كما يحاول البعض الترويج لذلك، وإنما مرده نصوص قانونية ، يرجع تاريخ إصدارها إلى سنة 1956، ممثلة في قانون العدل العسكري، وهو ما يسمح بما لا يدع مجالا للشك أن محاولة توظيف هذا المعطى سياسيا وحقوقيا إنما نابع من الجهل بآليات التنظيم القضائي بالمملكة، أو أنها رغبة فقط في التشويش على سير الدعوى الجنائية في هذا الملف.
المعطى الثالث، الذي يدعي البعض أن فيه انتقاص من ضمانات المحاكمة العادلة، هو أن المحكمة العسكرية هي قضاء استثنائي، وجد للبت في قضايا استثنائية، وأنه يخشى معه المساس بالحقوق الأساسية للمشتبه بهم أو المتهمين ! هذا الطرح بدوره مردود عليه بدليل الأسئلة البديهية التالية: ألا يوجد في النظام القضائي الأمريكي محاكم عسكرية للبت في الجرائم التي يرتكبها جنود أو يكون ضحاياها من الجنود؟.
أليس في جميع الدول، بما فيها الأكثر ديمقراطية، قوانين للعدل العسكري تحدد اختصاصات المحاكم العسكرية وولايتها النوعية؟. أكثر من ذلك، ذهبت الكثير من الأنظمة إلى اعتبار المحاكم العسكرية قضاءً تخصصيا مثلما هو الحال بالنسبة للقضاء التجاري والقضاء الإداري، منطلقة في ذلك من كون الشأن العسكري ذي طبيعة متميزة ومعقدة لا يفهمها إلا ذوي الاختصاص.
علاوة على ذلك، ولبت الطمأنينة في نفوس المدافعين عن حقوق الإنسان، فإن القانون وإن تحدث عن محكمة عسكرية فإن رئيس هيئة الحكم بها يكون دائما ولزوما قاضيا مدنيا، وذلك تحت طائلة بطلان المسطرة والمحاكمة.
إن اجتماع خديجة الرياضي ومن معها، في مقر الجمعية المغربية لحقوق الإنسان يوم أمس الخميس، لم يكن بهدف الدفاع عن ضمانات المحاكمة العادلة، أو دفاعا عن الحقوق الأساسية للمتهمين في هذا الملف، وإنما هو توظيف سياسي لقضية جنائية يتقاطع فيها القانون بدعوات انفصالية، كما أنه محاولة جديدة لحزب النهج الديمقراطي، الذراع السياسي للجمعية، في التأكيد على أنه ما زال في الساحة السياسية المغربية بعد أن غاب عنها بفعل عدم مشروعية الخطاب وتراجع خرجات حركة 20 فبراير التي كانت تعطيه جرعات إضافية لشغل الشارع العمومي.
لقد كان حريا بالجمعية المغربية لحقوق الإنسان أن تدافع أولا عن حق المواطنين في الحياة، بمن فيهم عناصر القوة العمومية الذي أزهقت أرواحهم بوحشية في تلك الأحداث، وأن لا تتاجر بمعاناة أسر الضحايا وتزايد سياسيا على الدولة في قضية جنائية، إذا كانت حقيقة تدعي الدفاع عن حقوق الإنسان وليس الحق في الطرح الانفصالي.