قال رشيد لزرق، محلل سياسي وخبير دستوري، إن تعين شكيب بنموسى، وتكليفه برئاسة اللجنة الخاصة بإعداد النموذج التنموي، يوظف فلسفة الملك ويوضح عجز أحزاب الائتلاف الحكومي عن مواكبتها، ويظهر ذلك من خلال تخصص الرجل و تكوينه العلمي و خبرته في العديد من المناصب التي شغلها. وأوضح لزرق، في تصريح لتليكسبريس، أن هذه اللجنة المحدودة في الزمن ستكون مثابة هيئة استشارية مهمتها محددة تنتهي بصياغة مشروع نموذج تنموي جديد، يتلاءم مع الحاجيات المتزايدة لفئة من المواطنين التي لا يعد يجيب عليها النموذج المعتمد بفعل التحولات الاجتماعية للمجتمع المغربي و ما كرسه من الفوارق المجالية. وأكد لزرق، أن الغاية من هذا النموذج و هو دخول مرحلة التنمية التي هي اكبر تحصين للخيار الديمقراطي و نقطة الانطلاق لبلوغ المغرب مصاف الدول الصاعدة، و شكيب بنموسى أظهر شجاعة كبيرة إبان صياغة النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية، إبان شغله لرئاسة المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي سنة 2013. كما أن خبرته تجعل مؤهلا لقيادة اللجنة التي ستكون مكونة من مختلف المشارب العلمية و التخصصات المعرفية، والروافد الفكرية، من كفاءات وطنية في القطاعين العام والخاص. وتابع لزرق، أن النموذج التنموي الحالي أثبت محدوديته في سد الثغرات، إذ هناك عديد من التحديات التي لم يستجب لها، خاصة المتعلقة منها بالتشغيل وعدم التوازن المجالي وغياب العدالة الاجتماعية بين الفئات وكذلك غياب الحكامة الرشيدة التي تقودنا إلى الحديث عن خلل في المنظومة القيمية. كما أفرز تفاوتا في نسق التطور الاقتصادي والاجتماعي نتج عنه ضغطا على سوق الشغل وبطالة وتآكلا للطبقة الوسطى وتعميقا للتفاوت الطبقي والاجتماعي الجهوي، علاوة على انعكاس هذا الخيار الاقتصادي والتنموي سلبا على الديمقراطية في التسيير والشفافية في المعاملات، مما يؤكد ضرورة إصلاح المنظومة الإدارية والمالية والرقابية ودعم الديمقراطيات المحلية مع إضفاء البعد الاجتماعي على كل مجهود تنموي. واسترسل لزرق في القول، إن اللجنة مدعوة لتقديم تصوراتها حول النموذج التنموي البديل الذي سيساعد على تحقيق تغيير جذري في البلاد، ودعا عدد منهم إلى المراهنة على القطاعات ذات القيمة المضافة العالية على غرار قطاع الميكانيك و الكهرباء وتكنولوجيات الاتصال والبرامج المعلوماتية، وضرورة أن يضع القطاع العام ثقله ولو لمدة قصيرة في الجهات الأكثر تهميشا، حتى ينهض بها خاصة بعد أن تبين سابقا أن القطاع الخاص عجز عن القيام بذلك، و أنه على الدبلوماسية المغربية الخارجية كذلك أن تصبح نشطة أكثر وفي خدمة التجارة والصناعة والاقتصاد، لأنها كانت سابقا دبلوماسية تكتفي بمراقبة الجالية وتقصي أثرها. وأضاف المحلل السياسي، أن هناك إرادة لإعادة الاعتبار لدور الدولة المبادر والحاث والمعدل والموجه، وذلك عبر سن التشريعات الضرورية للتحفيز على الاستثمار وتركيز البنى التحتية الضرورية إلى جانب المبادرة بتمويل مشاريع نموذجية في قطاعات مختلفة حسب خصوصية كل الجهة، بالإضافة إلى تحفيز الرأسمال الوطني على الاستثمار بالمناطق المهمشة واستقطاب الرأسمال المحلي لإقامة المشاريع على عين المكان ودعم القطاع الثقافي للتشجيع على الاستثمار والتكامل بين الإنتاج الفلاحي والصناعي والخصوصية المحلية، إلى جانب حث الرأسمال الأجنبي على الاستثمار الناجع بالمناطق الأقل حظا من التنمية وبالقطاعات ذات التجديد التكنولوجي والقيمة المضافة المرتفعة مع الملائمة بين التحفيز على الاستثمار وضمان حقوق الشغالين ومقدرتهم الشرائية. وقال لزرق إنه على مستوى القطاع الفلاحي، الذي يرتكز عليه الاقتصاد المغرب تتأكد الحاجة إلى وضع الأمن الغذائي كهدف استراتيجي للاستثمار في الفلاحة، إضافة إلى التشغيل وتثبيت السكان وتحسين الخارطة الفلاحية وتطوير البحث العلمي في هذا القطاع والتركيز على الخصوصيات المحلية والجهوية لدعم الأنشطة الفلاحية وجعل الفلاحة قطاعا مشغلا، كما يجب مراجعة سياسة القروض الفلاحية ودعم صغار الفلاحين وتشجيع الإنتاج المساهم في التشغيل واستعادة الأراضي الدولة ودعم مشاريع الفلاحية النموذجية التي من شأنها تشجيع الفلاحين من حولها وتقديم الإرشاد والمساعدة التقنية واللوجستيكية لفلاحي المنطقة علاوة على تشجيع الفلاحة العائلية والفلاحة البيولوجية، وربط الإنتاج الفلاحي بالصناعة التحويلية لتحفيز الفلاح وبعث مواطن شغل صناعي وفلاحي. أما في الصناعة، فدعا لزرق الى دعم الصناعة ذات القيمة المضافة العالية والتشغيلية الهامة و الصناعات المرتكزة على التجديد التكنولوجي كالصناعات الإلكترونية وقطع الغيار والصناعات الميكانيكية و الأدوية، إلى جانب مبادرة الدولة ببعث مشاريع صناعية بالمناطق المهمشة مع توفير البنى التحتية والقطاعات الخدمية والبنكية وتطوير وسائل الاتصال وشبكات النقل نحو الموانئ والمطارات و الأسواق الاستهلاكية الوطنية. كما أن هناك حاجة الى ضرورة تنويع المنتوج السياحي للحد من هشاشته ودعم السياحة الطبيعية والثقافية وسياحة المؤتمرات وربط القطاع السياحي بتثمين التراث الثقافي والانفتاح على الأسواق الإفريقية و الأسيوية الواعدة علاوة على دعم السياحة الداخلية بفتح شراكة بين المؤسسات السياحية والمؤسسات الاقتصادية الأخرى والقطاع العام ودعم القطاعات المتصلة بالسياحة كقطاع الحرف والصناعات التقليدية والمؤسسات الثقافية. وفي القطاع التجاري دعم الشراكة مع الأطراف الاقتصادية التقليدية خاصة الاتحاد الأوروبي ودعم التبادل التجاري مع الدول المغاربية والمنطقة العربية وتحرير التجارة مع الأجوار فضلا عن حماية الإنتاج الوطني من التجارة الموازية وتفعيل المراقبة وفتح شراكة مع أسواق تجارية واعدة على غرار افريقيا و الصين وجنوب شرق آسيا. تمر التنمية الشاملة والعادلة التي تهدف للتوازن بين الجهات والحد من التفاوت الطبقي والاختلال المجالي عبر توازي المجهود الاقتصادي والاجتماعي و بالتالي فإن التركيز على مجهود التشغيل وخلق الثروة يضل منقوصا دون توزيع عادل للتجهيزات الاجتماعية التعليمية والصحية والثقافية.