يوم الجمعة 11 يناير 2013 تحولت المواجهات الداخلية في جمهورية مالي بشكل رسمي إلى حرب ذات طابع إقليمي ودولي وذلك بعد أن أعلنت باريس تدخل قواتها المسلحة جوا وبرا لمساندة قوات حكومة باماكو ضد معارضيها الذين يسيطرون على شمال البلاد منذ مارس 2012. التدخل العسكري الفرنسي الذي أعلنت عدد من الدول الأفريقية الانضمام اليه بعدد من قواتها والمرشح للحصول على دعم مبكر من دول كبريطانيا والولاياتالمتحدة وتركيا وربما بعض أعضاء حلف "الناتو"، ووجه بردود فعل مختلفة سواء داخل فرنسا أو خارجها.
البعض اعتبر أنه سينتهي خلال أسابيع، حيث أن باريس متفائلة خاصة بعد نجاح تدخلها العسكري في ساحل العاج حيث دقت ناقوس نهاية عهد الرئيس لوران غباغبو يوم 11 أبريل 2011، بعد أسبوعين من المواجهات الدامية بين قواته والقوات الموالية للرئيس الحسن وتارا.
آخرون تخوفوا من غرق باريس ومن سيتحالف معها في حرب طويلة ليس في مالي وحدها بل في مجموعة من دول منطقة الساحل، وحذر هؤلاء من جر دول في المنطقة إلى دوامة عنف قابلة بسهولة للإتساع وذلك ضمن مخطط يجهل أبعاده الكثيرون لإعادة رسم التحالفات والحدود في هذه المنطقة الاستراتيجية ولكن المضطربة من القارة الأفريقية.
وهناك من رأى أن التدخل في مالي هو محاولة لعودة الاستعمار بصورة جديدة وأليات حديثة.
انتصرنا على الخصم
يوم الجمعة 11 يناير قال الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند ان القوات المسلحة الفرنسية بدأت عملية عسكرية في مالي بعد ظهر نفس اليوم لمساعدة الحكومة هناك على وقف زحف المتمردين جنوبا بعد أن سيطروا على معظم شمال البلاد.
وقد تحولت هذه المنطقة منذ ابريل 2012 معقلا لجماعات اسلامية وصف بعضها بالمتطرف، وخصوصا تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي الذي يحتجز ثماني رهائن فرنسيين وحركة أنصار الدين المالية.
وأبلغ هولاند صحافيين في باريس "القوات الفرنسية قدمت دعمها لوحدات جيش مالي لقتال عناصر إرهابية... هذه العملية ستستمر ما تطلب الأمر ذلك"، مضيفا ان "فرنسا ستكون دائما حاضرة حين يتعلق الأمر بحقوق شعب يريد أن يعيش حرا وفي ظل الديموقراطية".
وذكر هولاند ان قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تعني أن فرنسا تعمل بموجب القوانين الدولية.
من جانبه اعلن الاميرال ادوار غيار رئيس اركان الجيوش الفرنسية ان العملية التي تشنها قواته في مالي أطلق عليها اسم "سيرفال" أو "القط النمر" الذي يعرف أيضا بإسم "البج" وهو قط متوحش موطنه الصحراء الأفريقية.
واوضح الاميرال أن العملية الجارية في مالي تديرها "على المستوى التكتيكي" قيادة عمليات مقرها مالي، و"على المستوى الاستراتيجي قيادة عمليات مقرها باريس إلى جانب وزير الدفاع ورئيس الجمهورية".
وكانت باريس قد طلبت يوم الجمعة من مجلس الأمن الدولي الإسراع في تطبيق القرار 2085 الصادر في 20 ديسمبر 2012 والذي يسمح خصوصا بنشر قوة دعم دولية في مالي. ولتبرير تدخلها، استندت باريس إلى المادة الحادية والخمسين من ميثاق الأممالمتحدة الذي يشير إلى "حق الدفاع المشروع عن النفس في شكل فردي أو مشترك في حال تعرض عضو في الأممالمتحدة لاعتداء مسلح".
واوضحت الرئاسة الفرنسية ان قرار التدخل اتخذ "صباح الجمعة بالاتفاق مع الرئيس المالي ديونكوندا تراوري".
في نفس الوقت أعلن هولاند أنه أمر بتشديد اجراءات مكافحة الارهاب في فرنسا "في اسرع وقت" وذلك بعد تهديدات من تنظيم القاعدة ومنظمات أخرى على معاقبة فرنسا لتدخلها في مالي. من جانبه، قال وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس ان فرنسا هي الدولة الوحيدة التي تساعد حكومة مالي عسكريا في الوقت الحالي.
وزير الدفاع الاشتراكي السابق بول كويليه ذكر انه "من أجل تجنب أي غموض، لا بد ان يعطي مجلس الأمن فرنسا توكيلا صريحا". وأضاف على مدونته "فلنأمل في أن تكون هذه العملية فعالة"، مطالبا بإيضاحات حول أهداف الحرب: الإرهاب ووحدة الدولة وحماية الفرنسيين او مصير الرهائن.
بعد لقاء الجمعة مع الصحفيين أعلن الرئيس الفرنسي مساء السبت انه تم "وقف تقدم خصومنا" في مالي، مكررا أن فرنسا بتدخلها في مالي "لا هدف لها سوى مكافحة الإرهاب".
واوضح وزير الدفاع الفرنسي جان ايف لودريان السبت كذلك انه لليوم الثاني على التوالي، وبعد الاعلان الرسمي لهذا التدخل، تم شن غارات جوية لوقف تقدم الإرهابيين.
ولفت لو دريان الى ان ضابطا فرنسيا قتل خلال غارة شنتها طائرات مروحية "على مجموعة ارهابية" كانت تتجه الجمعة نحو مدينتين في جنوب مالي.
واكد الوزير ان غارة الجمعة "اتاحت تدمير العديد من الوحدات الارهابية" و"اعاقت تقدمها"، متحدثا ايضا عن مشاركة مقاتلات من طراز ميراج 2000 وميراج "اف وان" انطلقت من العاصمة التشادية نجامينا.
إضافة إلى ذلك، تم حسب بيانات من باريس نشر وحدات عسكرية فرنسية برية هامة في باماكو. حيث اعلن وزير الدفاع الفرنسي جان ايف لودريان أن "الاوامر صدرت لنشر اولى الوحدات الفرنسية في باماكو منذ الجمعة للمساهمة في حماية باماكو وحماية رعايانا، مشيرا أن تعزيز هذه الوحدات جار الان وسيزاد عديدهم الى فرق عديدة. وهذا يعني ان بضع مئات من الجنود الفرنسيين" سيشاركون في هذا الانتشار.
وكالة "اسوشيتد برس" ذكرت أن الهدف الأبعد للعملية الفرنسية هو طرد أنصار تنظيم "القاعدة" من شمال مالي على رغم تأكيد قائد الجيش الفرنسي الجنرال إدوار جيو ان بلاده لا تنوي توسيع عملياتها إلى الشمال.
ضابط مالي في منطقة موبتي، وهي النقطة الافتراضية الفاصلة بين شمال البلاد وجنوبها، صرح لعدد من وكالات الأنباء "لقد اوقعنا في صفوف المتطرفين في كونا عشرات القتلى، بل نحو مئة. نحن نسيطر على المدينة، كل المدينة".
وكانت المعارك قد تجددت في مالي خلال الأيام العشر الأولى من شهر يناير 2013 بعد هدوء نسبي استمر زهاء تسعة أشهر، وتمكن نحو 1200 مقاتل معارض من السيطرة يوم الخميس 10 يناير على مدينة كونا مهددين بمواصلة زحفهم نحو الجنوب.وتبعد كونا 700 كلم من باماكو.
مساهمة أفريقية
فيما اعتبره البعض ردا على تصريحات وزير الخارجية الفرنسي حول تفرد باريس بالتدخل، اعلنت كل من بوركينا فاسو والنيجر والسنغال السبت ان كلا منها ستنشر كتائب مكونة من "500 جندي".
نيجيريا أكدت مساهمتها أيضا ولكنها لم تحدد حجم مشاركتها في قوة الدعم الدولية، وذكرت أنها اوفدت فريقا تقنيا من القوات الجوية وكذلك القائد المقبل للقوة الافريقية، وهو نيجيري.
والمعروف أنه منذ اشهر عدة، عرضت دول غرب افريقيا ارسال قوة افريقية مسلحة تضم اكثر من 3300 عنصر الى مالي بموافقة الاممالمتحدة. وقد وعدت دول اوروبية بينها فرنسا بتقديم مساعدة لوجستية الى هذه القوة لاستعادة السيطرة على شمال مالي.
والجمعة، اجازت مجموعة دول غرب افريقيا "الارسال الفوري لقوات على الارض" لدعم الجيش المالي "في اطار قوة الدعم الدولية".
وصرح وزير الاندماج الافريقي في ساحل العاج علي كوليبالي لوكالة فرانس برس ان "قوات غرب افريقيا تقوم بالتمركز وبدأت للتو عملية استعادة شمال مالي". واضاف "ليس الهدف فقط منع توجه الجهاديين نحو الجنوب، بل خصوصا استعادة تمبكتو وغاو وكيدال"، المدن الرئيسية الثلاث في شمال مالي.
الجزائر أكدت يوم السبت 12 يناير دعمها "الصريح" للسلطات الانتقالية في مالي، منددة "بقوة بالهجمات التي تقوم بها الجماعات الإرهابية" ولكنها لم تؤيد رسميا التدخل الفرنسي أو الحل العسكري. ويشار إلى صدور تصريحات وتعليقات رسمية أو شبه من الجزائر تعارض الحل العسكري والتكتيك الفرنسي في مواجهة الأزمة.
ويشير ملاحظون إلى أن التدخل الفرنسي كان مثار مشاورات مكثفة مع الجزائر مؤخرا ولم ينجح قصر الاليزي في إزالة التحفظ بشأن ما تعتبره الجزائر تدخلا غربيا في ملعبها الخلفي، كما لم يتمكن من الحصول على تسهيلات لعبور طيرانه من منطقة البحر المتوسط إلى مالي.
مقابل التحفظ الجزائري، أعلن الرئيس التونسي المنصف المرزوقي ان متشددي شمال مالي يشكلون خطراً على بلاده التي "تتحول الى ممر لإرسال أسلحة اليهم"، لكنه تجنب تقديم دعم واضح للعملية العسكرية الفرنسية في مالي. ويتردد أن جزءاً من ترسانة الأسلحة التي امتلكها الزعيم الليبي السابق معمر القذافي نقِل بعد سقوطه عبر تونسوالجزائر الى المسلحين في مالي.
وتتنازع حركتا تحرير أزواد وأنصار الدين النفوذ في شمال مالي مع تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وحركة التوحيد والجهاد المنشقة عنه منذ أبريل 2012 غداة انقلاب عسكري أطاح بالرئيس المالي توماني توري وانسحاب الجيش النظامي من الشمال.
على الصعيد الدولي اعتبر الممثل الخاص للكرملين في افريقيا أن أي عملية عسكرية في افريقيا ينبغي ان تتم باشراف الاممالمتحدة والاتحاد الأفريقي.
الوحل الأفريقي
اذا كان الشركاء الغربيون والافارقة لباريس قد رحبوا بالتحرك الفرنسي، فإن اهدافه ما زالت غامضة: فهل هي وقف تقدم الاسلاميين المتطرفين ؟. ام المضي الى مساعدة حكومة باماكو ميدانيا على استعادة شطر بلادها الشمالي؟.
لوران فابيوس أكد أن الجنود الفرنسيين لن "يكونوا في الخط الاول" في مرحلة استعادة الشمال التي تقوم بها القوات المالية والقوات الافريقية في المجموعة الاقتصادية لدول غرب افريقيا.
لكن نظرا الى حالة الجيش المالي التعسة، يعرب عدد من الخبراء عن شكوكهم ويتحدث البعض منهم عن "خطر الغوص في الاوحال" الافريقية.
وفي مقابلة اجرتها معه في نهاية الاسبوع الأول من يناير 2013 صحيفة "جورنال دو ديمانش" حذر الخبير في شؤون منطقة الساحل سيرج ميخالوف من "خطر الانزلاق" وصعوبة القيام بعملية تستند إلى الجيش المالي "المستقل عن السلطة" و"النظام الفاسد" في باماكو.
وأشار ميخايلوف الأستاذ المحاضر في العلوم السياسية إلى احتمال أن تخلف تطورات الوضع حالة شبيهة بأفغانستان. ورجح حصول باريس على ضمانات من الجزائر بشأن دعم محتمل للتدخل العسكري الأجنبي.
وقال إن فرنسا لو نجحت في حصر العملية العسكرية ضد الإرهاب فقط، وتحديد مدتها الزمنية "سيكون شيئا جيدا، ولكن إذا خاضت حرب عصابات ضد الجماعات الإسلامية المتطرفة التي تتحرك في أرض تمثل أضعاف مساحة فرنسا، سوف تضع فرنسا نفسها في وضع صعب جدا". وحول تسرع الرئيس فرانسوا هولاند في بدء العملية العسكرية، قال الخبير إن مبادرة المتطرفين في شمال مالي بإطلاق حملة عسكرية قد تصل إلى حد السيطرة على باماكو، لم يترك لباريس خيارا آخر إلا التحرك في الميدان. وبشأن احتمال عدم الاتفاق مع الجزائر على العملية العسكرية، قال ميخالوف: "هناك مشكل كبير. فما هو موقف العسكريين الجزائريين من تدخل عسكري فرنسي في هذه المنطقة؟. لقد كانوا شديدي التحفظ حياله حتى لا نقول كانوا معارضين له. وهل سيقدمون لنا الدعم أم سيبقون على الحياد؟". وأضاف: "أكيد أن فرنسا حصلت على ضمانات، ولكن توجد بالجزائر مراكز قرار متعددة ومصالح الأمن لا تتعامل دائما في الوضوح، وهي في النهاية من تتخذ القرارات المحورية. زيادة على ذلك، لو تعرض الإسلاميون المتطرفون في مالي لضغط شديد، سوف يلجأون إلى الجزائر أو موريتانيا أو النيجر".
من جهته قال المختص في شؤون الأمن، أندري بورغو، إن هولاند تسرع في إعطاء أوامر بتحرك القوات الفرنسية بمالي. مشيرا إلى أنه "اختبأ وراء الآخرين بقوله إن فرنسا استجابت لطلب من شركائها الأفارقة". وأوضح أن قرار هولاند لا يعكس تصريحات وزير الدفاع لودريان منذ شهور بخصوص عدم إيفاد عسكريين فرنسيين إلى مالي، وإنما مكونين لمساعدة الجيش المحلي وإسناد القوة العسكرية لوجيستيا".
موقف الداخل
بينما بدأت الحرب في مالي تدخل فصلا جديدا قدر عدد من الملاحظين أنه من ضمن عدة عوامل ستؤثر على مسارها، سيكون رد الفعل الداخلي الفرنسي أحد عناصر الحاسم. وهذا الأمر بات واضحا حين أكد الرئيس هولاند أنه "سيخبر الشعب والبرلمان بشكل منتظم بمجريات الأمور".
يوم السبت 12 يناير نشرت صحيفة "لوفيغارو" تغطيات موسعة لأحدث المواجهات، واعتبرت أن فرنسا قد دخلت عمليا الآن في حرب مالي، التي أخذت منعرجا حاسماً منذ هجوم جماعة "أنصار الدين" المتطرفة يوم الخميس 10 يناير 2013 باتجاه الجنوب حيث احتلت بلدة "كونا" الاستراتيجية، لكونها تفتح أمام الجماعات المسلحة المتمردة الطريق نحو مدينة "موبتي" المهمة، وبعد ذلك نحو بقية الجنوب المالي الذي ما زالت تسيطر عليه حكومة باماكو.
وذكرت الصحيفة أيضا أن هجوم "أنصار الدين" وهي حركة تمرد طوارقية متطرفة ومتحالفة مع الجماعات الإرهابية الأخرى يسعى لخلق حالة من عدم الاستقرار بزعزعة أمن المناطق الجنوبية من مالي التي تسكنها أغلبية "البانبارا" الأفريقية. وقد فشل هجومها الأخير الذي قد يكون الغرض منه الضغط أو تقوية موقفها التفاوضي، وأدى في النهاية إلى تسريع موعد العملية العسكرية الدولية الرامية لتحرير شمال مالي من الجماعات المتطرفة المسلحة.
وأشارت "لوفيغارو" أيضا إلى أن مما يعقد هذا التدخل أن الجماعات المسلحة تمارس نوعا من الابتزاز باحتفاظها رهائن فرنسيين كانت قد اختطفتهم في السنوات الماضية، محاولة الضغط بورقة وجودهم لديها، زيادة على التصعيد الأخير، لابتزاز باريس والمجتمع الدولي في هذا الصراع الذي يبدو أنه قد دخل الآن مرحلة الحسم، بعد أن لم يعد يحتمل الانتظار أو التأجيل.
وفي سياق متصل اعتبر الكاتب "فينسان جيريه" في افتتاحية لصحيفة ليبراسيون أن الانخراط الراهن في حرب مالي يمثل منعطفا حاسما في تاريخ رئاسة هولاند، وذلك لأنه باتخاذه قرار المضي قدماً في عملية التدخل في مالي يكون بذلك قد حسم أمر التزام بلاده تجاه شركائها الماليين والأفارقة، لأنه لا يمكن السماح بتدمير الدولة المالية، أو إقامة كيان أصولي متطرف يتهدد الجميع في وسط القارة السمراء. وقد ضمن هولاند في قراره الحاسم هذا تأييداً مطلقاً من المجتمع الدولي: الدول الأفريقية، والأوروبية، وأمريكا أوباما، وحتى روسيا بوتين حيت هي أيضاً مدى التصميم الفرنسي. وفي فرنسا نفسها التي كانت معارضتها في حالة امتعاض قررت هي أيضاً الامتثال لهدنة حزبية والاصطفاف خلف قرار رئيس الجمهورية.
صحيفة "ليبراسيون" أشارت كذلك إلى أن التدخل يعد بالنسبة للرئيس الفرنسي نقلة كبرى فى ولايته التى تستمر خمس سنوات بالاليزيه حيث أتت "الفرصة المزدوجة" بإثبات ذاته على الجبهة الخارجية وتحقيق النصر للمرة الأولى على الساحة الوطنية.
من ناحيتها أوضحت صحيفة "لوباريزيان" أن باريس قررت الدخول فى "حرب خاطفة" قد تستمر لبضعة أيام أو أسابيع على الأكثر، لدفع الإسلاميين المتطرفين ومنعهم من السيطرة على العاصمة باماكو.
تعثر في توقيت غير مناسب
ملاحظون أشاروا أن الرئيس الفرنسي وقد بدأ التدخل المفتوح والعلني في مالي تلقى ضربتين في توقيت غير مناسب، فمن جهة شكك حليف لفرنسا في نواياها، حيث اعتبر رئيس الحكومة الإيطالية السابق سيلفيو برلسكوني، يوم الجمعة 11 يناير 2013، أن ما حدث في ليبيا لم يكن ثورة، بل تدخلاً أرادته فرنسا، وأضاف في حديث لوكالة "آكي" الإيطالية، إن "ما وقع في ليبيا لم يكن ربيعا عربيا أو ثورة للشعب، فالقذافي كان محبوبا من قبل مواطنيه.. الشعب الليبي كان يفتقر إلى الحرية، لكنه كان يحصل على الخبز والسكن مجانا".
وأعرب عن اعتقاده أن ما حدث في ليبيا جرى وفق "قرار للحكومة الفرنسية بالذهاب إلى هناك والتدخل في نزاع داخلي وتقديمه أمام المجتمع الدولي في إطار ثورة"، مع العلم أن إيطاليا شاركت بالحملة العسكرية الجوية على ليبيا وكان برلسكوني رئيسا للحكومة.
الضربة الثانية تمثلت في فشل عملية كوماندوس فرنسية لتحرير رهينة فرنسي فجر السبت 12 يناير 2013 في جنوب الصومال، وتلقي فرق الإدارة العامة للأمن الخارجي "الاستخبارات الفرنسية" ضربة موجعة في بلدة بولومارير، جنوب الصومال.
إذ أسفرت محاولة التدخل عن مقتل الرهينة على أيدي خاطفيه حسب باريس وذلك اثر معارك أوقعت العديد من القتلى بينهم جندي فرنسي في حين فقد آخر.
وأقر وزير الدفاع الفرنسي جان ايف لو دريان للصحافيين في باريس "كل الامور تدعو للاعتقاد بأن الرهينة دوني الكس قتل على أيدي خاطفيه" في هذه العملية التي جرت خلالها معارك "شديدة الضراوة".
في المقابل أكدت حركة الشباب الاسلامية ان رجل الاستخبارات الفرنسي الذي تحتجزه منذ اكثر من ثلاث سنوات "لا يزال في أمان بعيدا من مكان المعركة". وأوضحت حركة الشباب ان الهجوم شنته خمس مروحيات مقاتلة في الساعة الثانية فجر السبت بالتوقيت المحلي (23.00 ت غ الجمعة)، وان المواجهات استمرت مدة 45 دقيقة.
وكان الهدف من العملية تحرير رجل المخابرات المحتجز في الصومال منذ 14 يوليو 2009. وكان هذا العميل الذي عرفته السلطات الفرنسية باسم دوني الكس، وهو اسم يمكن ان يكون مستعارا، قد أسر في مقديشو مع عميل آخر إلا أن الأخير تمكن من الهرب في اغسطس 2009.
الانتهازية والسباق على الغنائم
فرنسا في تدخلها في مالي ممزقة بين تقديرين فيما يخص السند الذي يمكن أن تنتظره من حلفائها.
تقدير يقول أنه مع ظهور مؤشرات على تقهقر المتطرفين سينضم أنصار آخرون لدعمها، في حين أنه من جانب آخر يخشى أن يترك حلفاء "الناتو" باريس لتغرق وحدها في الوحل الأفريقي، في وقت يبحث فيه هؤلاء عن صفقات مع المنتصرين الجدد خاصة وأن المنطقة رغم فقرها المعلن غارقة في بحر ثروات من النفط والغاز واليورانيوم وغيرها من المعادن الاستراتيجية.
يوم الجمعة 11 يناير 2012 اعلن مسؤول امريكي ان الولاياتالمتحدة تفكر في دعم فرنسا في العملية العسكرية في مالي خصوصا بطائرات بدون طيار، مؤكدا ان البيت الأبيض "يشاطر باريس هدف" مكافحة الإرهاب.
وأكد المسؤول الأمريكي لوكالة "فرانس برس" طالبا عدم ذكر اسمه ان "الجيش الامريكي يدرس امكانية تزويد القوات الفرنسية في مالي بمعلومات استخباراتية وتموين في الجو واشكال اخرى من الدعم".
واشار الى ان العسكريين الامريكيين يدرسون اشكالا عديدة من الدعم بما في ذلك "دعم لوجستي وتكثيف تقاسم المعلومات وهذا يتطلب طائرات امريكية بدون طيار للمراقبة والتدخل".
واوضح ان مسؤولين رسميين فرنسيين في باريس ونظراءهم من الولاياتالمتحدة ودول حليفة يجرون محادثات مكثفة بشأن خطة عمل في مالي، مذكرا بان القوات المسلحة الامريكية تملك قواعد جوية في ايطاليا واسبانيا يمكن استخدامها في تموين الطائرات الفرنسية عند الحاجة.
وقال المتحدث باسم مجلس الامن القومي الامريكي تومي فيتور لفرانس برس ان "الولاياتالمتحدة تقاسم فرنسا هدفها منع الارهابيين من الاستفادة من ملاذ لهم في المنطقة".
من جهتها، قالت الناطقة باسم وزارة الخارجية الاميركية فكتوريا نولاند ان الوزارة "تجري بالتأكيد مشاورات وثيقة جدا مع الحكومة الفرنسية"، مشددة على ان التحرك الفرنسي تم بطلب من مالي.
واضافت ان مالي لم تطلب من الولاياتالمتحدة تقديم دعم عسكري مباشر مماثل لها.
وكان مجلس الامن وافق في قرار يحمل الرقم 2085 في 20 ديسمبر 2012، على تشكيل قوة تضم ثلاثة آلاف جندي.
لكن واشنطن كانت تشكك في جدوى هذه العملية العسكرية وخصوصا في قدرة الافارقة على القيام بها. كما طرحت تساؤلات بشأن تمويلها وشددت على ضرورة تطبيق عملية تسوية سياسية في مالي.
في الوقت الذي تستمر فيه واشنطن فيما يصفه بعض المحللين بأسلوب تمارين الكلمات المتقاطعة، اعلن الجنرال كارتر هام قائد القوة الامريكية في افريقيا "افريكوم" يوم الجمعة 11 يناير ان تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي وجماعة بوكو حرام الناشطة في نيجيريا يسعيان الى "تنسيق قواهما".
وأضاف الجنرال هام في مؤتمر صحافي نقلته الاذاعات المحلية في نيامي "سمعنا وشاهدنا ان بوكو حرام والقاعدة في بلاد المغرب الاسلامي تسعيان لتنسيق قواهما".
واضاف الجنرال الامريكي الذي وصل الى النيجر يوم الخميس 10 يناير "ما نعرفه ان بوكو حرام تنوي التوسع خارج حدود نيجيريا وتسعى الى مد نفوذها".
واضاف الجنرال هام انه التقى رئيس النيجر محمدو ايسوفو ووزير الدفاع كاريدجو محمدو وقادة جيش النيجر وبحث معهم الوضع في "مالي وليبيا ومشكلة بوكو حرام".
وذكر ايضا "ما لاحظته خلال محادثاتي ان السلطات المدنية والعسكرية في النيجر تتفهم بشكل جيد المشكلة ولديها رغبة كبيرة بالعمل مع الدول المجاورة لمكافحة هذين الاتجاهين" في اشارة الى القاعدة وبوكو حرام.
واوضح ان الهدف من زيارته هو "اقامة تعاون" مع القوات المسلحة في النيجر.
وتطرق الجنرال الأمريكي إلى الوضع في مالي وأعلن أن بلاده لم تتلق أي طلب مساعدة في إطار التدخل العسكري ضد المجموعات المتطرفة المسلحة في شمال هذا البلد.
وقال "لم نتلق طلبات محددة ومن المحتمل ان يطلب منا دعم لوجستي ومساعدة مالية ودعم استخباراتي وتدريب عسكري".
ورأى انه "لن يكون هناك حل مرض للازمة في مالي من دون مشاركة الجزائر".
تحفظ أوروبي مرحلي
على الصعيد الأوروبي سجل أن غالبية دوله لا تريد ركوب قطار التدخل على الأقل في المستقبل القريب، مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي كاثرين اشتون قالت ان الاتحاد الاوروبي سيعجل استعداداته لارسال 200 جندي إلى مالي لتدريب الجيش الحكومي. وكان متوقعا في باديء الأمر إرسال هؤلاء الجنود في اواخر فبراير 2013.
وابدى محللون عسكريون تشككهم فيما اذا كان التحرك الفرنسي يبشر ببداية عملية نهائية لاستعادة شمال مالي لان العتاد والقوات على الأرض غير جاهزة أو كافية. في العاصمة الألمانية برلين دعا وزير الخارجية الالماني غيدو فيتسرفيلي الى "تكثيف الجهود السياسية" لتسوية الازمة في مالي.
وقال "لن يكون هناك حل عسكري فقط للمشكلة في مالي لذلك علينا تكثيف الجهود السياسية ايضا"، مؤكدا "ضرورة مواصلة المحادثات بوساطة افريقية".
في العاصمة البلجيكية بروكسل أعلن مسؤول في حلف شمال الاطلسي يوم الاربعاء 9 يناير 2013 انه ليست هناك أي مفاوضات في الحلف حول مشاركة محتملة في قوة دولية في مالي، وذلك غداة تصريحات لرئيس الاتحاد الافريقي الذي عبر عن امله في ان يلعب الحلف دورا في العملية.
وقال المسؤول في بروكسل ردا على سؤال "ليس هناك طلب او مناقشة حول دور ممكن للحلف الاطلسي في مالي".
واضاف ان "الحلف الاطلسي لا علاقة له في الازمة" في مالي.
وخلال زيارة يقوم بها لاوتاوا عاصمة كندا، دعا رئيس الاتحاد الافريقي البنيني توماس بوني يايي حلف شمال الاطلسي الى نشر قوات تابعة له الى جانب القوات الافريقية التي ستتوجه الى مالي.
وكان الامين العام للحلف اندرس فوغ راسموسن قد صرح في اكتوبر 2012 ان الحلف لا ينوي التدخل في مالي.
واوضح المسؤول في الحلف ان "الوضع في شمال مالي يشكل بالتأكيد مصدر قلق كبير" للدول ال28 الاعضاء في الحلف لانه "يهدد امن واستقرار البلاد والمنطقة وابعد منها".
واضاف "نرحب بالقرار الذي اعتمده مجلس الامن الدولي عام 2012 حول مالي وقرار وزراء خارجية الاتحاد الاوروبي التخطيط لارسال بعثة لتدريب القوات المسلحة المالية".
وتابع المسؤول نفسه ان الحلف "يأمل ان تساعد جهود الاسرة الدولية على اقامة دولة القانون في مالي".
تحمس تركي
إذا كان هناك تحفظ أوروبي تجاه الحرب الجديدة على الساحة الأفريقية، سجل تحمس تركي، فقد أعرب رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان الذي خلال زيارته للنيجر يوم الاربعاء 9 يناير 2013 عن أمله في حل "سريع" للازمة في مالي، داعيا، إنه وكعلاج اخير، إلى عمل عسكري قد "تتعاون" فيه تركيا.
وقال اردوغان "نريد بالفعل ايجاد حل لهذه المشكلة في اسرع وقت"، مشيرا الى انه "بحث مطولا" احتلال شمال مالي من قبل مجموعات اسلامية متطرفة مسلحة منذ قرابة عام، مع الرئيس النيجري محمدو يوسفو.
واضاف اردوغان في مؤتمر صحافي في نيامي "سيكون من المفضل طبعا التمكن من حل المشكلة عبر الطرق الدبلوماسية اذا كان ذلك ممكنا. واذا لم يكن ممكنا، فان تدخلا عسكريا لا يمكن ان يكون سوى العلاج الاخير".
واكد رئيس الوزراء التركي الذي ترجمت تصريحاته الى الفرنسية، ان بلاده ستقدم دعما في حال تدخل عسكري دولي في شمال مالي.
وقال اردوغان "سنرى كيف يمكننا التعاون ان كان هناك تدخل عسكري، وباي وسيلة وتحت اي شكل، المهم هو وجوب ايجاد حل لمساعدة الشعب المالي".
المتاهة
أفاد تقرير أعده مركز "أنتلجنس" المتخصص في الدراسات العسكرية والمقرب من البنتاغون، إن قادة عسكريين وأمنيين في دول غربية مترددون في تزويد الجيش المالي بالأسلحة والذخائر بعد أن اندحر في مواجهة الفصائل المسلحة المقربة من القاعدة في إقليم أزواد، وتراجع مخلفا وراءه عشرات الأطنان من المعدات العسكرية والذخائر التي وقعت في أيد الإرهابيين والمتشددين في الشمال، وأوصوا حكوماتهم بتقديم دعم ميداني مباشر على الأرض للتصدي للفصائل المسلحة السلفية وحركة أنصار الدين. وتدرس وزارة الدفاع الأمريكية حسب ذات الموقع، المساهمة في العمليات العسكرية في شمال مالي بتوفير طائرات نقل من قواعد القوات الجوية في أوروبا تساهم في نقل الأسلحة والذخائر للقوات الفرنسية في مسرح العمليات، وقال الموقع إن فرنسا حركت بالفعل سربي طائرات تكتيكية ومجموعة قتال تضم 20 طائرة هيليكوبتر هجومية من قواعد في فرنسا، وقد قرر البنتاغون زيادة حجم المساعدة التقنية والفنية لمصالح الأمن والجيش في موريتانيا من أجل التصدي بكفاءة أكبر للتهديد الذي تمثله الفصائل المسلحة الموجود في شمال مالي، كما قررت الولاياتالمتحدة منح عدة دول معنية بالمسألة الأمنية في إقليم أزواد معلومات دقيقة وصور جوية متواصلة لمعاقل الجماعات المسلحة المتشددة في شمال مالي.
وأشار التقرير إلى أن العبء الأكبر لمكافحة الإرهاب في إفريقيا بات الآن مركزا في جمهورية مالي التي قد يترتب عن سقوطها تهديد مباشر لدول مثل ليبيا وموريتانيا والنيجر، ما يعني أن الجزائر ستصبح وحيدة في مواجهة الحركات المسلحة في شمال مالي التي باتت تملك الآن جيشا ودولة غير معلنة.