تحدى الجزائريون الجوع والعطش في سبيل حراكهم الشعبي، الذي لم يفقد زخمه ولا حدّة شعاراته أو سقف مطالبه في شهر رمضان الكريم، بتدفق ملايين المتظاهرين في الجمعة الثانية عشر، عبر كافة ربوع الجزائر، متوحدين على كلمة واحدة "صائمون، صامدون… للحرية مطالبون". غضب على قايد صالح حرارة الطقس، لم تمنع الجزائريين من السير لساعات طوال في الشوراع، بشكل دحض مخاوف فشل حراكهم الشعبي المناهض لرموز نظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، فحناجرهم لم تتوقف عن ترديد شعارات، كانت في أغلبها "ناقمة" على الفريق أحمد قايد صالح، بسب "افتتاحية مجلة الجيش" التي تمسكت بإجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها مع رفض المرحلة الانتقالية جملة وتفصيلاً. ودون خوف ردّد المتظاهرون "قايد صالح فلترحل" بالإضافة إلى "دولة مدنية ماشي عسكرية"، و"أنا أسف يا قايد صالح هذا الشعب ماشي جايح (ليس غبياً)"، و"الجيش ديالنا (ملك لنا) والقايد خاننا". ويشعر عدد كبير من المتظاهرين، بخيبة أمل من رئيس أركان الجيش، الفريق أحمد قايد صالح، الذي منحه الشعب الجزائري فرصة تاريخية، للوقوف مع مطالبه في تأسيس دولة الحق والقانون، لكن عدم ثبات خطاباته وتصريحاته جعلت المتظاهرون يعتقدون أنه يحاول “عرقلة” الحراك الشعبي والالتفاف عليه في ظل حديثه المتكرر عن ضرورة تنظيم انتخابات رئاسية في أقرب وقت ممكن، بينما يرى الشارع أن الظروف غير مهيأة بعد في ظل بقاء رموز نظام الرئيس السابق، بوتفليقة. رئاسيات يوليوز بساحة موريس أودان بقلب الجزائر العاصمة، رُفعت لافتات كُتب عليها "قايد صالح أنت ضد إرادة الشعب" و"بأي حق تفرضون علينا انتخابات 4 جويلية، لا أحد يُقرر في مصيرنا، نحن من نُقرر"، بينما كتب آخر "لا نريد تصفية حسابات على ظهر الحراك والشعب، نريد إسقاط النظام وليس العصابة فقط". وفي الطريق المؤدي إلى ساحة البريد المركزي، رفع أحد المتظاهرين لافتة كبيرة كتب عليها "رسالة إلى مجلة الجيش… المشكلة ليس في رحيل الكادر والعصابة والشرذمة والحيزبون، المشكلة في بقاء رموز الفساد، الأرندي، الأفلان، تاج والأمبيا"، في حين وجهت زوجته التي كانت برفقته في الجمعة 12 من الحراك الشعبي، رسالة إلى الفريق أحمد قائد صالح، جاء فيها "الخطر ليس في الفراغ الدستوري، الخطر في فراغ الخزينة المنتظر إبتداء من 2020 والحل في فترة انتقالية بقيادة أحمد بن بيتور". ويبدو أن خطاب قائد الأركان الأخير، الذي أعلن فيه تمسكه بالانتخابات الرئاسية، أثار حفيظة الشارع الجزائري، الذي يدعُو إلى رحيل الرئيس المؤقت عبد القادر بن صالح، وحكومة الوزير الأول، نور الدين بدوي كبداية للحل. وكان يَنتظر من المؤسسة العسكرية، التي تعهدت بالالتزام بمطالب الشعب، الإسراع بالاستجابة إليها، ومنها عدم التعامل مع هؤلاء في تسيير شؤون المرحلة الانتقالية. دولة مدنية ماشي عسكرية على الرغم من تأكيد مجلة الجيش، في آخر عدد لها بأن قيادته لا تلهث وراء قصر المرادية أو شارع زيغود يوسف، إلا أن ذلك لم يُبدد مخاوف الجزائريين، في أعقاب تَصدر المؤسسة العسكرية واجهة الأحداث التي تعيشها البلاد، ودفاعها المتسميت عن الحل الدستوري، وهو ما يُترجمه الشعار الذي تم رفضه في مسيرات الجمعة ال 12 "دولة مدنية ماشي (ليس) عسكرية"، بالإضافة إلى رفع بعض المواطنين لافتات تُعبر عن رفضهم إعادة السيناريو المصري في الجزائر، بوصول عبد الفتاح السيسي إلى الحكم. وربما قد تكون هذه المخاوف وليدة التاريخ، الموسوم بسيطرة المؤسسة العسكرية على المشهد السياسي، منذ استقلال البلاد، وهو ما جعلها تُلقب بصانعة الرؤساء. مطاردة رموز بوتفليقة امتعاض الشارع من رئيس الأركان، الفريق أحمد قايد صالح، لم يُنس الجزائريين في رئيس الدولة المؤقت عبد القادر بن صالح، والوزير الأول نور الدين بدوي وحكومته، اللذين أخذا نصيبهما من الشعارات التي جاءت رافضة لبقائهما في السلطة وإشرافهما على الانتخابات القادمة التي يرغبُ الجزائريون أن يتمخض عنها رئيس وطني ونزيه، يحُوز على الشرعية الشعبية. ورفع المتظاهرون عدة شعارات تدعو لرحيل رموز نظام بوتفليقة، "بن صالح وبدوي ديكاج"، وأخرى تعكس رفضهم القاطع إجراء الانتخابات، أبرزها "مكاش (لا يوجد) انتخابات يا نظام العصابات" و"لن أنتخب". في مسيرة 10 ماي، عاد الجزائريون إلى المطالبة بتفعيل نص المادتين 7 و8 من الدستور اللتين تنصان على أن "الشعب الجزائري مصدر كل السلطات، وأن السلطة التأسيسية ملك الشعب"، وكتب أحد المواطنين "نُطالب بتطبيق المادة 7 و8، نريد رئيساً شاباً… ارحلوا". وحمل المتظاهرون صوراً لشخصيات يريدون منها أن تقود المرحلة الانتقالية، يتقدمها وزير الخارجية الأسبق أحمد طالب الإبراهيمي، ورئيس الحكومة السابق أحمد بن بيتور وأسماء أخرى، يعتقد الشارع أنها قادرة على تسوية الأزمة التي تعيشها البلاد. ملاحقة الفاسدين مثول شخصيات أمام القضاء بشبهة الفساد، في سلسلة تحقيقات ضد رجال أعمال نافذين ومسؤولين كبار في الدولة، كان حاضرًا في الجمعة 12 من الحراك والأولى في شهر رمضان الكريم، حيث عبّر الجزائريون عن رغبتهم في رؤية جهاز قضائي قوي، يُؤسس لدولة الحق والقانون، بعيدًا عن "العدالة الانتقائية والانتقامية". ويُطالب الجزائريون بكشف حقيقة المحاكمات التي أُعلن عنها مع رجال أعمال وشخصيات سياسية مرتبطة بعائلة بوتفليقة، دون صرف اهتمام الرأي العام عن مطالبه الأساسية وهي رحيل رموز النظام. وجاءت الجمعة ال 12 وسط تطورات لافتة، أبرزها توقيف السعيد بوتفليقة الشقيق الأصغر للرئيس المستقيل، رفقة مدير جهاز الاستخبارات السابق الفريق توفيق، والجنرال طرطاق المنسق السابق للأجهزة الاستخبارات، ورئيسة حزب العمال لويزة حنون، في قضايا تحقق فيها المحكمة العسكرية بالبليدة، ب"تهمة المساس بسلطة الجيش". مظاهر السلمية لا تغيب كالعادة، حافظ الجزائريون في مسيرة الجمعة الأولى عن سلميتهم، ووحدتهم، إذ لم تشهد المظاهرات خلال انطلاقتها وإلى غاية نهايتها، أية أعمال عنف وشغب، بالرغم من مشقة الصيام وحرارة الطقس، الذي حاولت بعض العائلات التخفيف منه، عبر رش المواطنين بالمياه، من شرفات العمارات التي سار الجزائريون تحتها، وذلك حتى يستطيعون المقاومة واستكمال مسيرتهم، التي ينتظرون أن يكون لها صدى في أقرب وقت ممكن، من دون مناورة أو مماطلة. عن موقع "كل شيء عن الجزائر" بتصرف