"لا لعهدة خامسة"، "عصيان مدني"، "الجزائر تنتفض"، أكثر من وسم انتشر على نطاق واسع على "فيسبوك" و"تويتر" منذ 22 فبراير، مساهما بقوة في التعبئة احتجاجا على ترشح عبد العزيز بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة. واستجاب عشرات الآلاف من الجزائريين الى النداءات التي انتشرت على الانترنت تدعو الى التظاهر، ما أدى الى موجة احتجاجات غير مسبوقة في جميع أنحاء الجزائر. ويقول عقبة بلعباس، وهو واحد من الأعضاء المؤسسين ال 25 ل"مجموعة الشباب المناضل" الجزائرية، إن "شبكات التواصل الاجتماعي تلعب دورا مهما للغاية، فالكلمة تنتشر أسرع من قبل والأمور يمكن أن تسير بسرعة جدا". وتأسست هذه المجموعة التي تضم صحافيين ومحامين ونشطاء وطلاب دكتوراه في الثلاثينات من عمرهم في ديسمبر 2018، وقررت "المشاركة بفاعلية" في الحركة الاحتجاجية. ويؤكد بلعباس أنه "لا يمكن الاستغناء عن شبكات التواصل الاجتماعي"، ولكنها لا تكفي. ويضيف "ليس فيسبوك هو الذي جمعنا"، بل تبقى الاجتماعات الواقعية بين أعضاء المجموعة أساسية للاتفاق على طريقة التحرك. وتستخدم شبكات التواصل الاجتماعي على نطاق واسع في العالم العربي كفضاء للتعبير عن الرفض لتسلط بعض الأنظمة القائمة في دول تأتي معظمها في أسفل ترتيب التصنيف الدولي لحريات الصحافة الذي وضعته منظمة مراسلون بلا حدود. وتحتل الجزائر فيه المركز 136 من أصل 180 دولة. وبحسب الباحثة في مركز كارنيجي الشرق الأوسط داليا غانم المقيمة في بيروت، فإن الاعلان عن ترشح بوتفليقة لولاية خامسة، رغم أن الرجل الثمانيني الذي يحكم منذ 20 عاما مريض ومقعد منذ إصابته بجلطة في الدماغ في 2013، "كان بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير"، وهو ما أدى الى خروج الاحتجاجات من "فيسبوك" الى الشارع. وتضيف غانم "ليسوا أشخاصا يكتبون على الإنترنت من دون الافصاح عن هوياتهم، بل هم مواطنون يعرفون أن وسيلتهم الوحيدة للاحتجاج هي الاحتشاد والتعبئة". وتتابع "الجزائريون يعرفون أن أفضل أسلحتهم هي اللاعنف ووسائل التواصل الاجتماعي"، مشيرة الى أن "وسائل الإعلام (المسموعة والمرئية) التقليدية لم تتحرك لتغطية التظاهرات" في البداية. وتحدث صحافيون من وسائل الاعلام المرئية والمسموعة الحكومية والخاصة (مملوكة لرجال أعمال قريبين من السلطة) عن تعرضهم لضغوط من رؤسائهم. في المقابل، تنتشر على نطاق واسع صور ولقطات فيديو ينشرها مواطنون على "تويتر" و"فيسبوك" و"انستغرام". ويقول الباحث في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية ابراهيم أومنصور من باريس إن "الإنترنت سمح للشباب الجزائري أن يرى ما يحدث في بلاد أخرى (...) على الصعيد الثقافي والاقتصادي والسياسي، وأن يروا رؤساء أكثر شبابا مقارنة برؤسائهم". ويؤكد أن "كل هذا يساهم تدريجيا في تأجيج الغضب والإحباط وخيبة الأمل لعدم تمتعهم بالمكتسبات نفسها التي حصلت عليها الشعوب في بلدان أخرى". ويعتقد أومنصور أن القدرة على الكتابة من دون الإفصاح عن الهوية على الانترنت سمح كذلك "بكسر حاجز الخوف" في دولة بوليسية للغاية مثل الجزائر. لكن الواقع أن عددا كبيرا من الجزائريين لا يخفي هويته الحقيقية على الانترنت وينشر تعليقات قاسية ضد بوتفليقة، ولا يتردد في المشاركة في التظاهرات السلمية. وكتبت الثلاثاء إحدى المواطنات على حسابها على "تويتر" ردا على تحذير رئيس أركان الجيش الجزائري من العودة الى سنوات الحرب الأهلية "كلمة ريئس أركان الجيش الجزائري اليوم لا يوجد فيها أي جديد. دائما نفس المعنى والمقصود تذكروننا بسنوات الإرهاب والدمار كأننا لا نعرف تاريخنا. شعبنا واع وسلمي وذكي ومحب لوطنه ونعرف جيدا حدودنا ومطلبنا مشروع. لا لحكم الكادر والأشباح"، في إشارة الى التقارير التي تتحدث عن عجز بوتفليقة عن الحكم، وممارسة أشخاص في محيطه السلطة الفعلية. وكما هو الحال مع الاحتجاجات في السودان، تضاعفت رسائل الدعم في العالم العربي للجزائريين وخصوصا في مصر حيث يمنع التضييق الأمني المصريين من إمكانية التظاهر. وأكد محامون مدافعون عن حقوق الانسان في مصر أن رجلا ألقي القبض عليه أخيرا بعد أن نزل بمفرده للتظاهر في ميدان التحرير الذي انطلقت منه الثورة على حسني مبارك، حاملا لافتة مكتوب عليها "إرحل يا سيسي". وتتهم منظمات حقوق الإنسان الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي تولى السلطة عام 2014، بقمع كل الأصوات المعارضة. وتدافع الدولة عن نفسها، مؤكدة أن الحفاظ على الاستقرار هو أولويتها. على "تويتر"، كتب المدون المصري حسام الحملاوي المقيم الآن في المنفى "أي سوداني أو جزائري نازلين ضد حكامهم وعايزين الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية بالنسبة لي أقرب من مصريين سيساوية".