أفاد وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي سعيد أمزازي، أمس الخميس بالرباط، بأن سنة 2017 عرفت تسجيل 117 براءة اختراع باسم الجامعات ومراكز البحث الوطنية وارتفاعا في عدد المنشورات العلمية المحكمة بنسبة 54 بالمائة ما بين 2014 و2017 . كما أكد أمزازي، في ندوة صحفية لتقديم الحصيلة المرحلية لتنزيل الرؤية الاستراتيجية 2015-2030 ، والأوراش ذات الأولوية برسم السنة المالية 2019، تطور عدد الأطروحات بنسبة 44 بالمئة ما بين 2014 و2018، مبرزا في السياق ذاته إنشاء مركز البيانات للتعليم العالي والبحث العلمي. وفي ما يتعلق بقطاع التعليم العالي، أشار الوزير إلى أنه تم الرفع من الطاقة الاستيعابية للجامعات العمومية بنسبة 10 بالمئة بين 2015 و2018، مع مواكبة هذا التطور من خلال التأطير البيداغوجي والإداري ومراجعة التغطية الجهوية للجامعات، مضيفا في المنحى نفسه، أن الهدف تمثل في تعزيز الدعم الاجتماعي لفائدة الطلبة من خلال الرفع من عدد الممنوحين بنسبة 33 بالمئة بين سنوات 2015/2014 و2019/2018، وكذا من خلال الرفع من الطاقة الإيوائية للأحياء الجامعية، وعدد الوجبات المقدمة بنسبة 50 بالمئة خلال نفس الفترة، وكذا عبر وضع نظام التأمين الصحي الإجباري، الذي استفاد منه حوالي 46 ألف طالب وطالبة. وعملت الوزارة، يضيف أمزازي، على إطلاق ورش الإصلاح بالمؤسسات الجامعية ذات الولوج المفتوح من خلال إرساء هندسة بيداغوجية جديدة بسلك الإجازة تعتمد على تطوير الكفايات الحياتية والذاتية للطلبة، وتنويع العرض البيداغوجي وملاءمة التكوينات مع متطلبات سوق الشغل وبلورة منظور جديد لهاته المؤسسات. ولملاءمة التعلمات والتكوينات مع حاجات البلاد، أبرز أمزازي أنه تم إحداث ثلاثة مراكز نموذجية لتنمية الكفاءات المهنية والوظيفية بدعم من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، في أفق تعميمها في جميع الجامعات وتطوير وحدات للتكوين في المهارات العرضانية وتكوين مكونين في هذا المجال، إلى جانب تنويع وتعزيز مهننة التكوينات في التعليم العالي. وفي مجال النهوض بالبحث العلمي والتقني والابتكار، قال إن الوزارة اتخذت مجموعة من التدابير تجلت أساسا في إشراك كل الفاعلين في البحث العلمي من أجل تحقيق الأهداف الاستراتيجية للبحث العلمي وتطوير الشراكات والتعاون الدولي في هذا المجال، بالإضافة إلى إرساء نظام وطني لتقييم وضمان جودة التعليم العالي والبحث العلمي، وكذا نظام معلوماتي شامل ومندمج حول المنظومة وسن نصوص تشريعية وتنظيمية جديدة لمواكبة تطور منظومة البحث العلمي، مشيرا إلى ارتفاع عدد الطلبة الدكاترة بنسبة 64 بالمئة، وكذا عدد المسالك المعتمدة بسلك الدكتوراه بنسبة 79 بالمئة، خلال الفترة ما بين 2015-2014 و 2018-2019. البحث العلمي والتنمية المستدامة يشكل البحث العلمي أهم مرتكزات التنمية ومقومات نجاحها وقدرتها على تحقيق الاستدامة واستجابتها للتحولات الحاصلة في المجتمع والمؤثرات الخارجية، لما تُكسبه التنمية من منهجيات في العمل ووضوح في الأداء وابتكارية في الأدوات وقوة في التشريعات ودقة في التشخيص والحدس في استشراف المستقبل. غير أن الحديث عن البحث العلمي لدى الباحثين والكتاب في المغرب عامة يغلب عليه طابع التشاؤم مستندين في تناولهم لذلك، بجملة من المداخل التي لا يسع الدخول في تفاصيلها – ومن ذلك: الموازنة المالية المخصصة له، مقارنة بالموازنات الكبيرة التي ترصد للبحث العلمي فياستراتيجيات الدول الاقتصادية، والقدر الذي يساهم به البحث العلمي في صناعة البدائل التنموية في مواجهة التحديات كصناعة تكنولوجية وطنية وغيرها، والتي ما زال التعامل معها في إحصائيات على الرغم من وجود توجهات نحو تعميق قيمة البحث العلمي في الحياة وإدارة برامج التنمية، وإيجاد مؤسسات معنية بالبحث العلمي، وتفعيل دور الجامعات والمؤسسات الأكاديمية في هذا الجانب، وما ارتبط بذلك من سياسة وطنية لنشر ثقافة البحث العلمي في الجامعات والمؤسسات التعليمية على شكل مواد دراسية أو مسابقات ومشاركات بحثية تتناول قضايا مختلفة في التنمية. ونحن الطلاب نشهد هذا التحول السريع في مأسسة البحث العلمي وتكوين أطر تنظيمية وشراكات بحثية محلية وعالمية، وسياسات تنافسية في تعزيز البحث العلمي القائم على الابتكار والتجريب في المجالات الاستراتيجية، هذه الثروات في الطاقة النووية والعلوم والبيئات الحيوية والدواء وغيرها. إذ شكلت المكرمة السامية لجلالة الملك محمد سادس المعظم لتمويل البحوث الاستراتيجية العلمية التي تشرف عليها الجامعات وبالتنسيق مع مجلس البحث العلمي، إطار عمل مساند لتوجيه البحوث الاستراتيجية نحو التنمية المستدامة. ومع القناعة بمحدودية الدور الذي تؤديه هذه الجهود في عمق ارتباطها باستراتيجيات التنمية في الوقت الحالي، إلا أنها وبالاستمرار في نشر ثقافة البحث العلمي وبناء أطر استراتيجية واضحة له، وقدرة القطاع الخاص على الاستثمار الفاعل في نتائج البحوث، وبناء أطر حول الملكية الفكرية وبراءات الاختراع وغيرها، منطلق إيجابي، يمهد لربط نتائج البحوث الاستراتيجية بأولويات القطاعات، والتوازن في تناول احتياجات القطاعات العلمية كالطب والهندسة، والطاقات وقطاعات العلوم الانسانية الأخرى. وبالتالي تبقى المسألة مرهونة بمستوى القناعة المتولدة بالبحث العلمي كقيمة مضافة للتحول في ثقافة العمل والانتاج. إن قراءة التكامل بين البحث العلمي واستدامة التنمية، يرتبط بالأدوار التي يؤديها في نقل أدواتها وآليات عملها إلى مستوى الابتكارية، من خلال: الدور الضبطي القائم على تعميق الجانب التشريعي في ضبط مسارات التنمية بما يحفظها من الخلل ويقيها ويوجه جهود المؤسسات نحو بلوغ هدف التنمية، نظرا لما يؤديه البحث العلمي من تشخيص دقيق للحالة وقراءة واعية لها، ودراسة المعطيات والمؤثرات، وبالتالي وضع اليد على موطن القلق وتصحيح القصور في ممارسات التنمية؛ والدور الإثرائي التطويري القائم على تعزيز نمو البدائل وتعدد سيناريوهات العمل، في القطاعات التي يبرز البحث العلمي قيمتها وأثرها المحوري فيرفد التنمية. هذا الأمر يؤكد الحاجة إلى التحول بالبحث العلمي إلى مرحلة التطبيقات العملية والممارسات الواعية والمبادرات الجادة، عبر تعميق دور مراكز البحوث بجامعة الحسن الثاني وغيرها، وإيجاد حاضنات البحث التطبيقي والابتكار، بما يسهم في بناء منظومة بحثية قائمة على التنوع في المنتج البحثي، وتناول بحوث العمليات وبحوث السوق والجودة، والبحوث التجريبية ودراسات الحالة والبحوث التتبعية والبحوث التي تحمل صبغة الاختراع والاكتشاف وتصحيح المنتج، وتأكيد ذلك في بحوث الماجستير والدكتوراة، وترقيات أساتذة الكليات بالجامعات، والبحوث الشخصية المنفذة من قبل الباحثين المنشورة في الدوريات العلمية المحلية والعالمية، والانتقال بالبحوث الإنسانية إلى العمق في المنهجية والغوص في أعماق السلوك الاجتماعي المعزز للتنمية، خاصة في قياس الاتجاهات ومسارات التفكير وغيرها، التي تسهم في منح التنمية فرص الاستدامة، بما يضمن لها النوعية والقدرة على المنافسة والحضور في فكر المستفيد، هذا الأمر يرتبط أيضا بتعزيز دور البحث العلمي في صناعة القرار الوطني والمؤسسي وتمكينه من رصد واقع التنمية واتجاهات التطوير بكل شفافية في ضوء من يوفره من إحصائيات ومؤشرات انجاز ومقارنات ومعايير وتحليلات تبحث في أولويات الاستدامة، بما تتيحه من فرص الحوار والنقاش والتفكير خارج الصندوق، لذلك آن الأوان لتبنّي آلية وطنية تلزم المؤسسات وعلى مراحل، بأن تضع منهجية البحث العلمي إطارا لعملها، وطريقها لبناء منظومة الأداء، في ظل أدوات وطنية تقيس: مستوى الاخذ به، والتأثير الذي يحدثه في القرار المؤسسي، واستفادة المؤسسات من الجهود البحثية في تطوير أدائها وتجويد ممارساتها، بحيث يسير البحث العلمي في اتجاهين رئيسيين فمن جهة يمارس دوره الابتكاري التنموي، ومن جهة يعزز من منحى التطوير الإداري ويؤصل لثقافة العمل المؤسسي. يواجه البحث العلمي والتطور التكنولوجي، كأي نشاط علمي يتطلب رصد الموارد وحشد الطاقات، العديد من المشاكل والعقبات التي قد تحدّ من انطلاقه وتحقيق ما يتوخى منه على الوجه الأكمل، وقد تتباين هذه المعوقات في المغرب ونسرد فيما يلي بعضا من هذه المعوقات: - عدم تطابق برامج الأبحاث وتطويرها لمواكبة متطلبات التنمية الشاملة. - انعدام أو ضعف التفاعل بين الجامعات والمعاهد التطبيقية ومؤسسات الأبحاث. - غياب التعاون بين قطاع الإنتاج والخدمات ومؤسسات الأبحاث. - غياب التنسيق أو التنظيم الداخلي بين مؤسسات الأبحاث ومؤسسات التمويل، وقد ينعكس ذلك سلبا على مؤسسات التمويل وذلك بالدعم السخي لبرامج غير ذات أولوية للتنمية الشاملة. - غياب المناخ السياسي الملائم والمشجع للعلم والتكنولوجيا والبحث العلمي. - عدم إلمام أو مشاركة القائمين بالبحث العلمي بخطط التنمية الوطنية. - اعتماد المعايير السياسية والاجتماعية لتعيين القائمين على مؤسسة الأبحاث دون الاهتمام الفعلي بالجوانب الأكاديمية والخبرة والتخصص، مما يحد من تطور هذه المؤسسات إذ ان تعيين المناصب الأخرى في داخل المؤسسة قد يتم بذات الأسلوب. - عدم وجود سياسة معلنة للبحث العلمي. - عدم اختيار فريق البحث أو الباحث لموضوعات مرتبطة بالمجتمع. - في كثير من المجتمعات، لاسيما النامية، لا تستأثر مؤسسات البحث العلمي بدعم المجتمع، أو بالأحرى للعديد من قطاعات المجتمع. - تعاني العديد من المؤسسات العلمية من غياب الاستقرار التنظيمي والتغيرات المتلاحقة والمتعاقبة في مواقعها وتبعيتها. ويجب ان يتيقن صانعو القرار السياسي ومتخذو القرارات في المغرب الى أهمية دور الباحثين في عملية التنمية الشاملة، إن البحث العلمي ركين أساسي لتحقيق الأهداف التنموية المستدامة، والممحص لمسيرة العلوم والتكنولوجيا والبحث العلمي أساس رئيسي لتنمية الإقتصاد الوطني.