بلوحة غلاف للفنان العالمي بيكاسو وبتصميم بديع وطبع صاف مضبوط بالشكل خال من الشوائب والأخطاء لمطبعة آنفو برانت بفاس صدر للشاعر المغربي محمد بودويك ، ديوان شعر تحت عنوان ” امراة لا تحصى “ المنجز الإبداعي المومأ إليه المهدى حصريا إلى لارا السريانية حفيدة المسيح يعتبر الخامس في ريبيرطوار صاحب” يتبعني صفير القصب “جاء في 121 صفحة وحجم متوسط . وشمل 14 قصيدا مبوبة إلى قسمين نزهة الخاطر ، وأشجان .وصنف الشاعر 7قصائد ضمن القسم الأول – 1-امرأة لا تحصى2-- أنت 3-- المتجردة- 4-النساء.....النساء la mariposa-5- - 6-تعزيم أما القسم الثاني فقد حمل أشجان وتضمخ بعبق 6 قصائد أخرى هي -1 سماء قليلة Simulacre-2 - 3نوسيتالجيا -4 كالجمرة المستديرة - 5ظهيرة غائمة - 6لا يشرب النبيذ باردا. في تماه يرد الروح صيف 2009 خاطب الأديب عبد حميد جماهري رفيقه المدجج بالفرح ذات كسر الخاطر قائلا ” فطالما دخل علينا بودويك يتكدس في بحته كما تتكدس الأنواء في يد بحار أو في نجمة بأسنانه الثورية الطويلة، يجعلك تحسده على النهم الذي يقضم به تويجات الزهرة لكي يأخذ ما فيها من فضول. تحسده على الوديان البعيدة التي جاءت به من شرق البلاد إلى ..يسار العالم ...بودويك يضيف رئيس تحرير جريدة الاتحاد الاشتراكي “عندما ينحت كلمة يصبح لها صوت ،وتنطق أو تتحول إلى رنين من فضة “ في مقهى ملوث بالشحم/أو بار متعتع/أو/ماخور شبيه/بفندق مقشر/ياويه الاغربةوالمتوهمون/والبكاؤون/وشرطة الحد على الزنا بعد منتصف الليل/لكنه بعد حرث البائعة/يفرغ مثانته عن آخرها/خوفا من سيدا متبرجة/عارية من الواقي/ونابحة من البودرة الكثيفة/وجوربي النيلون الممزقين عند الأصابع/كأنما يبكيان وقتا سادرا .ص99و100 ذاكرة بودويك الخضراء من شدة الفرح، تجعله والعهدة على الراوي صفة من صفات زميله الشاعر والناقد عبد السلام الموساوي، فهو أيضا يتناسل في الحب والمودة ” انه في ضاحية لغته واستعاراته تستيقظ أنجم كثيرة تدفئ العالم لديه وهو شفاف للغاية ، لا يجد أدنى حرج حينما يسأل” هل شمس واحدة كافية لهذا العالم؟ لست ممن يقول فيك/ ماليس فيك/ ومن يضفي عليك الأوصاف السابغة/ في الساعة الرابعة/ عند الأصيل/ والجو برتقالي/ يترقرق باللون/ وبالرذاذ يسيل. ص43 لكن الشاعر في محطة شعرية باذخة بصورها وخيالها يتمهل الزمن النغل كي لا يلتهمه مثل وجبة سريعة إلى حين تأخذه المليكة ” لارا” إلى حرفها ونار بستانها ، فيسبغ على” لارته ” ذهب الأسماء كلها والصفات.فيقول: وحيدة/بل متكثرة وكثيفة/متعددة كأجنحة الهواء وملتفة على البياض كثلج الشمال/تفاحة شهية ص9 لكن حين يعمق الغياب جرحه ويستبد به وجع الذاكرة يغضب ويحزن ويتساءل : لماذا لا أحيط بك علما ولا أقرأك/ ص13 . ويضيف مخاطبا لا را في يشبه الغيب والطي والسر المكنون “ مكنوزة أنت في خزائن/ لا يراها الهدهد/ولا يزني بها الخيال/فكيف لي بما ليس لي / ولماذا طاش سهمي عندما رميت؟ الصفحة نفسها. إلى ان يقول : أنت لا سعة كشوك السياج وعذبة كالورد العالي/سقيفتي في اليوم المحرور/أنت عصاي البيضاء/ في ليل الذنوب/.وسلامي في الحروب ومائي ودوائي ص10 . التجربة الشعرية لدى صاحب ” يتبعني صفير القصب “لها ما يميزها من خصوصيات ، لما تضفيه على ملامح القصيدة المغربية والعربية من ميازة نعتقد أن النقد المغربي والعربي ضل بعيدا عن استجلائها ، على سبيل الاستئناس ، نقرأ معا بصوت مسموع شذرات من قصيدة لارا : فيا شيخ مد لي يديك/اقل عثرتي/ارني المحجة/فقد تيمتني دمشق/أسكرني جمالها/وزلزلني هواها/فليس التي سقتني أسرتني/وأبقتني الدهر كله بمعلولا/عليلا معتلا مبتولا/أوشوش قصائدي ودمي/افتح لها سر الأسرار/وانثر بين يديها/قلبي مخبولا مقتولا ص57 . هنا تتناهى إليه أصوات قادمة من مختلف السلالات والجغرافيات والتواريخ. ولهذا نجد صاحب دواوين “جراح دلمون” و” يتبعني صفير القصب” و”قرابين ” و”مركبة السنجاب” في أصوات طفولته البعيدة الهاربة في الضوء، مشدود إلي اليومي والأسطورة التي لا يحاكيها غير صدقه المعجون بدم وفحم وعرق مواطنيه ببلدته جرادة، مسقط رأسه، ومن هنا نجد محمد بودويك منذور للحرية والجمال والإنسان، وباحثا أكاديميا يسبر أغوار قضايا الشعر العربي المعاصر وبصفة خاصة فيما يتعلق بإشكاليات قصيدة النثر. هنا يصدح شفيفا كهباء الروح مدية يوسف على/ شهقة الورد وسندس السفح/ بين صبابة بردى/ ومحيا دمشق/ قاسيون “الاه الغيم ” يتلهى بالاعصر /تياها كطفل يخربش بالركض سهلا ويقطف بالشباك نجما. ص55 . وبذلك يطأ بودويك أرضه البتول فينعم مذنفا ولها ، نبيا في حبه مجذوبا ورسولا. فهل تعلم الحوراء لارا أن لا حول للشاعر ولا قوة له ، وأنه عبدها الناطق ، وأن لا شفاء له إلا بلثم أذيال ردائها، والتعفر بتراب كعبها، والطواف عشرا بداليتها ، وان لا فئء له إلا في حجرها ،ولا موت إلا على صدرها ،كما تبوح الصفحات 57و58 . حسناء وغادة وخريدة/ وكاعب وفرعاء وغراء/ جؤذر وظبي وغزال/ وإذ تلوحين بساعد الذهب / وبرق الأمنيات / ومنجل الوعود الفضي/ أنشق أنصافا/ أتشظى كالزجاج/ أتذرر كالنخالة/ وأتضاءل حثيثا فلا أراني . ص19 في إحالة يريدها الشاعر ضرورية ومؤكدة، يستغيث بودويك بالدكتور سامي الجندي في ترجمته لاعتراف أراغون بجنون إليسا عشيقته الملهبة فيقول ” أعرف أن هذا الحب أنقى من الماء، واشف من الهواء، امنع من الجبال ، أقوى من الحديد ، الصق اتصالا من اللون بالأشياء الملونة، اشد وثوقا من الحدثان في الأجسام، ابهر ضياء من الشمس، أكثر حقيقة مما ترى العين، أبهى من لمعان النجوم، اصدق من القطا، أدهش من الحظ، أجمل من الفضيلة، أمتع من الصحة، أحلى من الأماني ، أدنى من الروح ، اقرب من وشائج البنوة، أبقى من نقش على حجر”. صديقنا بودويك طافح بالمودة ، مفعم بالشعر ، مسقط ضوئي ينير عتمات الذات الفادحة في عشقها ، أو بالأحرى كما يقال عنه “كشف ضوئي لزاوية الرؤية التي منها ينهض قوله الشعري وينبني عليها نصه الإبداعي . من هنا تحديدا يؤسس الشاعر تجربة شعرية تنضج وتتخضب بالتفاعل والإصغاء الراقي والعميق . إذ يبدو ” الانشغال الشعري هو فعل الرؤية الشعرية للعالم ” ذاك العالم الذي تنفصل فيه اللغة الشعرية عن اللغة الاعتيادية“. حيث يستطيع الشاعر استعادة اللغة من قطاع خدماتي رتيب، ويرفعها ساميا إلى حيث تتماهى مع الجميل المنزاح ، والمتخيل الواقعي ، في تماسك فني جميل ورائق. أنه ضمير طفولتي.. وطنين الغوايات الأولي، وقصب السبق والكتابة بالصمغ علي الألواح المضرجة بالصلصال والجير. وما بيننا جسر ممدود إلي فضاءات شقاوتي بمدينتي مسقط رأسي وقلبي مدينة جرادة العمالية. الكتابة مجلي المعاناة..في عرف بودويك ومرآة الذات المغبشة والمتشظية في مخياله ” فهي تثبق من الجرح والحلم والتشوف، وطالما هي كذلك فلا يمكن أن تكون إلا نداء طالعا من الأعماق، ومن الكينونة بما هي موجود في الوجود، في هذه الأمداء المتراحبة، والخواء الشاسع والطنان. ومن ثمة فالشعر وهو أحد مشخصات الكتابة أجناسيا، يأتي وفق الحالات، صدي خافتا أو فاقعا تعبيرا عن رؤية عابرة أو رؤيا ميتافيزيقية مركوزة، وفي كل الأحوال الشعر نداء أنطولوجي قادم من ليل الدواخل، أو قادم من المجهول واللانهائي. أضمك حتى يظهر قمر الصائمين وينحذر ليلنا نحو السحر. ص21 إلى ان يقول: وهل ينفعني عشب المجاز/ دثارا لعيي/ ولحلف الكناية/ راية على خيمة الكريم تغمز. ص22 مرض الشاعر بلاراه يشعلها نارا في أهداب القصيد فيطلعها على مافعل الغياب به والشمس والغيرة والريح والغبار وهزء الأقارب والعقارب والسابلة في ص23 من الديوان . الشعر الجيد موجود في الكتابة المسؤولة المنذورة للإنسان والحرية والجمال أيا كان لبوسها، يقول الشاعر ذات بوح . إذ هي التي تحدد الشكل البراني مثلا فيما لو تحدثنا عن الشعر. ولا يستقيم إلا بحضور أهل الدراية والغواية.. يقصد النقاد الشاعريين، والشعراء أنفسهم.. فهؤلاء هم من يستطيع فصل القمح عن الزؤان. لكنه يضيف “أن البرامج والمناهج التعليمية تتحمل مسؤولية إبعاد الحداثي الجيد.. وتكريس الماضوي البائت. جدائلك من مزن الصدى وحبات الندى/ لذا فان بكى جدي أورفي / قديما ليلاه/ فلم يبك سدى. ص 26 مرحلة بناء العالم الشعري لبودويك لم تتم بعد . لكنه يثق في التاريخ إلى ابعد الحدود وفي إنصافه لجيل الشعراء الرائعين الممجدين حيث يردد دائما ” أما جيلي كما غيره من الأجيال الشعرية السابقة واللاحقة عليه، فالتاريخ هو الذي ينصفه أو ينسفه، ولا شك انه يعني بالتاريخ ” مجموع القراءات والتلقيات التي تثرى ضمن ظروف واشتراطات وسياقات معينة أو لا معينة”. * محمد بودويك شاعر مغربي من مواليد جرادة سنة 1953.عضو اتحاد كتاب المغرب ، عضو بيت الشعر ، نشر في عدة منابر مغربية وعربية، يشغل رئيس مصلحة بأكاديمية فاس. المغرب أصدر : 1. جراح دلمون- شعر 1997 2. يتبعني صفير القصب – شعر2003 3. قرابين- شعر2007 4. مركبة السنجاب شعر. إشكاليات قصيدة النثر – كتاب مشترك 2002 . 5. شعر عز الدين المناصرة ” بنياته أبدالاته وبعده الرعوي 2006 أطروحته لنيل دكتوراه الدولة في الآداب. وللشاعر محمد بودويك ، كما سيصدر له – خيط أريان- عتبات وقراءات في الشعر .