حمد اخشيشن . اجبارية التمدرس الى حدود السنة 15 من عمرهم تفرض إجبارية تولي الدولة كل مصاريف المدرسة لا يتردد أحمد اخشيشن في تأكيد إيمانه بأن التعليم قابل للإصلاح، لكنه يشترط لذلك وجوب إعادة التعاقد بين المدرسة والمجتمع، أي ماذا يريد المجتمع من الفصل والمدرج وقاعة البحث ، وما هي مدرسة القرن الحالي ،واستراتيجياتها ؟ وفي ذلك يختار الكلام البعيد عن المدح الذاتي أو عن الطمأنينة، ويقول بلا تردد دائما أن الجرعات التي نحتاجها من الجرأة كبيرة للغاية، لأنها تمس بناء المدرسة كما تعارفنا عليها مدة نصف قرن. علينا أن نعلن أن المدرسة المغربية اليوم ليست مجالا للتباري حول الهوية وبناء الشعور أو (اللاشعور) الوطني، بل هي فضاء للعلم والمعرفة اللذين ستحتاجهما الهوية نفسها من أجل قوتها في عالم الهويات المتفتحة القادرة على التنافس. في هذا الحوار لا يستعمل اخشيشن لغة الخشب، ولكنه ايضا لا يرمي الماء والصبي معا بالقرب من المدارس النائية وفي نهر الحديث عن ازمة المدرسة. نحن على أبواب تحوّل كبير في المدرسة وهذه بعض ملامحه..! - ما هي أهم ملامح الدخول المدرسي الحالي ، على ضوء الخطاب الملكي الذي كان حادا وجارحا؟ - ينطلق الموسم الحالي وأمامنا السنة الثانية لتفعيل المخطط الاستعجالي. ومن هنا علينا تقييم المؤشرات التي بينتها مراحل تنفيذ هذا المخطط في السنة الماضية وتقييم نتائجها . وذلك أولا، من حيث مجمل التدابير التي قمنا بها في هذا الاطار وما جاءت به من نتائج، منها أن الدعم الاجتماعي الذي قررناه في السنة الماضية مكننا من الرفع من عدد التلاميذ المتمدرسين بما لا يقل عن 170 الف طفل جديد، واذا كان لنا أن نستخلص من ذلك نتيجة ما ، فمفادها أن التكلفة الاجتماعية للتمدرس، بالنسبة للأسر البسيطة والمعوزة، تشكل عائقا حقيقيا وفعليا في وجه تعميم التمدرس. ومن هنا يمكننا القول، بلا أدنى تردد بأن اجبارية التمدرس بالنسبة للاطفال الى حدود السنة 15 من عمرهم تفرض اجابة مقنعة وعملية على هذا الامر، وهذا العائق. وفي تقديري الإجابة هي أن تكون الكلفة بالنسبة لهذه الاسر 0 درهم. اي أن تتولى الدولة كل مصاريف المدرسة في هذه الفترة، عدا ضمان الكتب والزي والادوات الاخرى التي عملنا على تعميمها في السنة الماضية.. وأشدد على أن المجتمع المغربي عليه أن يتشبث بشعار اجبارية التمدرس إلى سن 15 سنة، وذلك لاسباب عديدة، منها أن تكلفة التلميذ الذي يغادر المدرسة قبل التخرج تكلفة كارثية للغاية بالنسبة للجميع. فهو عندما يغادر و يكون ذلك بدون تأهيل ، وبدون كفاءات وبدون قدرات لا علمية ولا عملية، لا يكون أمامه سوى دخول سوق الشغل الممنوع. فالعمل ، بالنسبة للأطفال دون 15 سنة، كما هو معروف ممنوع قانونا. وبالتالي فإن المنفذ الوحيد أمام التلميذ الذي يغادر المدرسة هو السوق الممنوع واللاقانوني. ومن هنا فهو يبدأ حياته وينهيها ايضا خارج المجتمع المهيكل والمؤطر الذي نسيمه ونصطلح على تسميته بالمجتمع الديموقراطي الذي نطمح إليه.. كما أن إعادة التاهيل نفسها أو ما نسميه بالفرصة الثانية أو الحظ الثاني ، تكون بدورها جد مكلفة.. - باعتبارك تشرف على القطاع، كيف تلقيت الخطاب، الذي كان جارحا جدا في الوقت نفسه. - بكل صدق ، لقد تلقيته بكل الارتياح الواجب . وكونه كان صريحا حول موضوع المدرسة المغربية، فذلك تأكيد على أن الهمّ في بلادنا اليوم مشترك لدى كل مكونات البلاد ، وأولها المسؤول الأول في المغرب. والآن أمامنا فرصة تاريخية لتقييم الاوضاع والحرص على تقديم الاجوبة . والتشريح الجدي والصريح يبين ايضا بأننا مهيئىن لصياغة الاجوبة ، وهي اجوبة تفضي بنا منطقيا إلى اعلان وممارسة قطائع متعددة..من أجل اعادة بناء مشروع المدرسة الوطنية على أسس جديدة وبآفاق وتعاقدات جديدة.. - هل سيكون علينا إعلان وفاة المدرسة الوطنية بمواصفاتها القديمة ؟ - لا أعتقد ذلك. علينا، كما أشدد دوما، بناء تعاقد جديد بين المجتمع وبين المدرسة. فقد مرت علينا فترة كان مطروحا على المدرسة المغربية بناء ذات موحدة، مشتركة . ومرت علينا الفترة التي كان علينا فيها، بعد ذلك، بناء الدولة الحديثة ، مع ما يتطلبه ذلك من اطر وايادي عاملة متعلمة ، وكان لنا وقتها القدرة الاستعابية لثلث ابناء المغرب في الادارة والهياكل الاقتصادية . اليوم اصبح مطروحا علينا اعادة النظر في الكثير من الاهداف والتوجهات ومسايرة روح العصر الذي نعيشه . فنحن، عندما نتحدث عن التعليم لا نطرح السؤال عن عملية تربوية حسب الحاجة، بل باعتبار ذلك حقا وكفى. والحال أننا اليوم أمام مهام جديدة مطروحة علينا.. واهمها واساسها الانسان المغربي في بداية الالفية الجديدة وقدرته على ربح الرهانات المتعلقة بروح العصر. فنحن نرى أن المرحلة هي عولمة السوق ، بما يعني ذلك من رواج للسلع وللانسان، حيث أنك لا تكون متيقنا بأن الطالب أو الخبير الذي تسهر على تكوينه سيبقي معك مثلا... إن السؤال المركزي اليوم هو كيف نبني مواطنا يستطيع أن يخلق الثروة المعرفية والثروة نفسها، قادرا على بناء الغد واختراع المستقبل الذي نريد لنا جميعا. ومن هنا نطرح اعادة صياغة التعاقد بين المجتمع والمدرسة، وهي على كل ، مطروحة في كل دول العالم التي تفكر في قضايا الغد وعلاقتها بالتعليم، ففي فلندا مثلا تمنح المسؤولية للمدرس لكي يتحمل المسؤولية في التكوين ، بدون برنامج حتى! في فرنسا نرى كيف أنها فتحت الاقتراض الكبير من أجل أن تضمن نصفه لفائدة الجامعة ، فهي على رأس المهام التي ترى الدولة أنها مستعجلة ودائمة.. - الجامعة والتعليم الجامعي ايضا يطرحان قضاياهما الخاصة بهما، منها الاستقلالية، وإشعاع الجامعة.. - تصورنا اليوم للجامعة هي أنها فضاء من فضاءات تحضير المستقبل. ولكن اليوم ايضا على المجتمع أن يوضح طلبه من الجامعة أو بالتدقيق ماذا يريد منها. هل هي مجرد مرحلة لما بعد البكالوريا لكل الحاصلين عليها وكفى، أم هي الفضاء الذي يصنع المستقبل، وبالتالي يفرض علينا تدقيق مواصفات العنصر البشري الذي نسعى اليه، وهو، بقوة الأشياء، عنصر يجب أن تكون غالبيته الكبرى من أهل العلم والتكنولوجيا. وفي هذا المنظور، اصبحنا نعتمد اليوم مثلا ادوات العصر الجامعي الحالي ومناهجه، الاجازة والماستر والدكتوراه ، قياسا على تجارب ناجحة في معيار متقدم موحد . إن ما يجب أن يكون مؤسسا لتفكيرنا هو أن نصل إلى أن يكون العنصر البشري نفسه متملكا لأدوات الانسان العصري، بحيث لا يمكنه أن يتغافل المعلوميات مثلا، بل يجب أن يتقنها ، الى جانب رصيد لغوي متنوع وعميق ، وكل ذلك متوجا بتفكير علمي ، حيث أن النسق التفكيري للعنصر البشري يجب أن يمتح من التفكير العلمي المهيكل.. والجامعة هنا عليها أن توفر كل الامكانيات لذلك.. ماهي الجامعة المطلوبة اليوم ؟ أولا لا يمكن أن نفكر من خارج مواصفات عالمية اليوم ، اذ هناك المواصفات الجامعية التي تعتمد على توحيد وتجميع الفضاءات الجامعية كما هو حال مارسيليا مثلا. فعندما يكون لديك فضاء جامعي يستقبل 100 الف طالب ويشرف عليه 6 الاف استاذ ، يمكن أن يتفرغ بعضهم للبحوث المتطورة ،في حين يتعذر ذلك في فضاء محدود العدد... البعد الثاني اليوم في تشكيل الجامعة، هو الحرص على جعلها فضاء للمستقبل وذلك يتطلب استقلالية كاملة ومطلقة كشرط اساسي لتحرير الطاقات ، والاستقلالية داخل الجامعة بشكل يكرس ديموقراطيتها واشراك المتدخلين في العملية الجامعية برمتها. فلا يمكن أن نتحدث عن فضاء للمستقبل ونسهر على توجيهه بالمذكرات وبالوصاية في تعامل يشبه التعامل مع الاطفال. البعد الثالث يتعلق بتفرد المشروع الجامعي، حيث لم يعد مستساغا لاعتبارات عديدة أن نعمل على استنساخ نفس النموذج في كل مناطق المغرب.. الحال أن المطلوب هو أن نقدم نموذجا لتنوع العرض الجامعي ، فالاسئلة تتنوع وتختلف ولا يمكن أن نظل في أجوبة على قالب واحد ، ومثال ذلك بعض المشاكل التي يمكن أن يجيب عنها فضاء جامعي في منطقة ما، مثل الماء في مراكش أو الفلاحة في كرسيف وقلعة السراغنة، في حين يختلف الجواب في منطقة اخرى..ونحن هيأنا اليوم ألف مسلك في الجامعة مع ما يتطلبه ذلك من امكانيات وفرتها الجامعة، حيث تم تخصيص 13 مليار درهم على مدة 4 سنوات.. - مسألة البحث العلمي تطرح نفسها بقوة عند الحديث عن الجامعة ومسارات إصلاحها.. - في ما يخص البحث العلمي، تجدر الإشارة إلى أننا قاربناه بمنطق مقلوب. بمعنى أننا كنا ننظر إليه كما لو كان ترفا يخص الدول الغنية والتي تملك كل مقومات القوة الاقتصادية والاكاديمية... الخ . وهذا بطبيعة الحال خطأ، فبالنظر إلى مجتمعات مماثلة كما هو حال الهند والصين، نرى أنها قدمت تصورات بديلة. كما أن تصورنا حول البحث العلمي الفردي، الذي ينبني على انتظار الالهام والاختراع ، بمعنى الخلق من اللاشيء، لم يعد هو التصور الدينامي للبحث العلمي، بل اصبح اليوم يعني تطوير الموجود، بشكل يجعل المجتمع يحصل على ما هو أحسن وماهو أفضل وأرخص وما هو انجع ...الخ. ومما يثبت أن البحث العلمي ليس ترفا هو أن عدم استثمارنا فيه فوت علينا الفرصة لإيجاد اجوبة لأسئلة لا تعني احدا غيرنا، كما هو حال قضية السماد والفلاحة البورية وغيرها.. - البحث العلمي يطرح أيضا قضية العلاقة بينه وبين التدريس ..؟ - بطبيعة الحال، لا بد من أن نفك الارتباط بينهما بشكل يجعل البحث يتطور في الاتجاه الذي نريده منه. لقد اصبح علينا أن نجد المختبرات التي تشتغل بالخبراء والمهندسين وليس فقط الاساتذة ، وتجمع المشاريع.. الخ وهذا ما يطرح علينا قضية ضمان الموارد ، فلا يمكننا أن نحقق تراكما من لاشيء. ولم يعد مستساغا اليوم الحديث عن بحث علمي بدون تراكم الخبرات والمشاركة في الملتقيات الدولية التي تضمن الحصول على المعلومات، وبدون التمكن من استعمال الآليات المتقدمة . وهذا ما نحرص على توفيره منذ سنتين ، بحيث نضمن حضور كل من يطلب التواجد في الملتقيات الدولية مثلا، والاستفادة من التوثيق العلمي ، واشير إلى أن الباحث المغربي اليوم يتوفر على امكانيات الاستفادة من 500 مجلة علمية ، علاوة على بنوك المعطيات. كما وفرنا التجهيزات العلمية للبحث العلمي من النوع المتطور لمن أراد أن يشتغل في مجال البحث( نملك انواع من المجهر المرتفع الثمن والجودة مثلا ). ولكي نقيم علاقة موضوعية حول القضية، عملنا على ضبط معايير للعلاقة بن التدريس والبحث العلمي ، بناء على تحديد الاهداف ، ومنها النشر في المجلات الدولية ، وبراءات الاختراع الخ.. - وفي كل ذلك ما زال للقطاع الخاص نقطة ضعف في هذا الباب؟ - هناك شرخ بين البحث العلمي والقطاع الخاص، ولعل تفسير ذلك يكمن في النظرة الازدرائية التي تنظر بها الجامعة الى القطاع الخاص.(قطاع المال والاعمال والحياة السعيدة ، مقابل جامعة للتضحية والتوحد في مجال البحث والمعرفة)، والحال أن دولا متميزة ، كاليابان يكون فيها البحث العلمي محتضنا من طرف المؤسسات الاقتصادية.. ولا يمكن أن نغير هذه العلاقة في بلادنا إلا بالعمل المشترك على مشاريع ، تنبني على عقد- برنامج ، ووعي القطاع الخاص بأن الاستثمار في البحث العلمي ليس ترفا ولا خسارة ، وعدم الاكتفاء بتكفل الدولة بذلك.. وقد رأينا في السابق كيف أن جزءا من قطاعنا الخاص كان يعتبر بأن التكوين هو من احتكار أو من اختصاص الدولة، وقد تغيرت الأمور ولم تعد هذه النظرة هي السائدة اليوم، كذلك نريد أن يكون البحث العلمي..واعتقد بأن النقلة يجب أن تحصل في الذهنية ، بحيث تحرص المقاولة على تأهيل نفسها عبر البحث العلمي والارتقاء به.. - نحن اليوم نتوقع قطائع في العملية التربوية برمتها، ألا تتخوف من ردود فعل ضدها ، خاصة وأن التعليم كان دوما فضاء للتقاطبات السياسية؟ - أنا لا أخاف منها، بل أحبذها، وأريد أن تكون هناك ردة فعل. لأن «المدرسة شأن الجميع» ليست شعارا، بل يجب أن تكون حقيقة ، والتجاوب والتفاعل مع كل ما يمس بها من صميم هذا الامر. إن وعينا بأن بناء المدرسة الوطنية الجديدة مثل بناء الديموقراطية هو الذي سيجعل الجميع ينخرط في هذا البناء الحيوي والمصيري. وتخوفي هو أن يتخلى الآباء والأولياء عن المدرسة وشؤونها وما يدور فيها أو حولها. - العزوف المدرسي.؟. - بالضبط.إننا نتابع ما يجري في كل البلدان التي تعتبر أن المدرسة شأن الجميع، حيث الاباء والأمهات يحرصون على تتبع العملية التربوية للابناء.. ويمكن العودة إلى البداية والتأكيد على أن التعاقد بين المؤسسة والمحيط الاجتماعي مرحلة اساسية ولا يمكن أن تبقى الحلقة الضعيفة في هذا البناء الذي نتوخاه..إن الانخراط المواطن في العملية ينبني على تمثل المغربي لمواطنته، وهذا عمق المشكلة اليوم في بلادنا، وهي لا تكمن بالضرورة في التعليم وحده . وشخصيا سأكون سعيدا اذا ما اجتمع آباء وطالبوني باغلاق مدرسة لا تتوفر على شروط لائقة كفضاء تعليمي .. - هل تعتقد بأن التعليم قابل للإصلاح؟ - نعم، واعتقد بأن هوامش النجاح فيها موجودة وهذا سبب كاف للاطمئنان على امكانية التطور، والدليل على ذلك هو أن نسبة التمدرس تتزايد، وقد استطعنا في فترة زمنية قصيرة أن نرفعها ب3 نقط ، ويمكن أن ترتفع اكثر ، وهذا بدوره كفيل بأن يجعل مني رجلا مؤمنا بأن التعليم قابل للإصلاح.. 2 – صار علينا أن نعي بأن المدرسة والتدريس ما هو إلا مشروع من ضمن مشاريع اخرى أمام الاسر، ولنأخذ مثلا الفتاة -الطفلة التي تشغلها عائلتها في البيوت. فالخادمة الصغيرة تدخل مجال الشغل غير المقبول في سن صغيرة ويمكن أن تدر مالا على الاسرة الفقيرة عوض أن تعمل هذه الاخيرة على صرف مبالغ من معيشها طوال السنوات العشر من التمدرس، وهي مبالغ كبيرة بالنسبة للأسر في وضع الهشاشة. وقد تبين أن اختيار برنامج تيسير، والذي هو برنامج تعمل به دول امريكا اللاتينية تحت عنوان «بولسا فيميليا» ، يعوض الأسر عن هذه المصاريف ويشجعها على تمدرس ابنائها..