أدركت متأخرا بان "الفرق بين البلدان الفقيرة والغنية لا يعود إلى قدمها في التاريخ" وإنما إلى حجم الولوجية عبر الشبكة ، وهامش الفجوات الرقمية. واتساع رقعة المعلومة والقدرة على تصريفها عولميا وفق أحدث الطرق وأرقى أشكال الاتصال. فمصر والهند دولتان يفوق عمرهما 3000 سنة، لكنهما فقيرتان اقتصاديا واجتماعيا .وحينما استحضرت أمثلة من صميم الواقع الرقمي ذاته،pps= =تساءلت بحرقة :أليست كندا واستراليا ونيوزيلندا ، ثم أمريكا نفسها ،كيانات حديثة العهد ، لم يكن لأي منهم وجود قبل 150 أو300 سنة ؟ وبالرغم من ذلك، هم دول متطورة وغنية . في الوقت نفسه ، فقر أو غنى الدول ، لا يمكن رد ه إلى حجم وقيمة مواردها الطبيعية المتوفرة، وحتى لا يكون كلامنا مرسلا ، فلدولة "ليابان مثلا مساحة محدودة جغرافيا ، أضف إلى ذلك، أن 80 بالمائة من أراضيها عبارة عن جبال غير صالحة للزراعة ، ولا لتربية المواشي، ولكنها، تمثل ثاني أقوى اقتصاد في العالم. وهي الآن وهنا "عبارة عن مصنع كبير عائم يستورد المواد الخام لإنتاج مواد مصنعة يصدرها لكل أقطار العالم" مارد جبار حقيقي ينطلق منه التنين التكنولوجي كل يوم كل ساعة ، بل كل دقيقة. بابتكار جديد. وتساءلت بحرقة : أين يكمن الفرق إذن؟؟؟؟؟ لملمت خيبتي ، و جاءني الجواب : يكمن الفرق يا سيد عزيز في السلوك اليومي الذي تشكل عبر ممارسات وقبائل وترسخ عبر سنين وأحقاب من التربية والثقافة والبداوة في أذهان البشر ، فبينما يأخذ البعض المبادرة والمثابرة عبر ساعات من الجهد ، ويضمن بذلك ربح الملايين من الدولارات مقابل تقديم خدمات جليلة للبشرية ، فان البعض الآخر" نحن" لم يخجل من نفسه بعد ، وهذه أسباب النزول. ذات صيف عربي كئيب ، شاءت الأقدار أن التقي بشاب ذي ملامح أسيوية، كان القطار البطيء يلفنا و يفيض بشرا من الجنبات والرحلة تطول في أيلول ، كانت فرامله تخدش الطبيعة بصعقات وصفير تقشعر لهما الأبدان ، هكذا وعلى نحو إجرامي ظل يفعل أكثر من مرة . على امتداد الرحلة، لم تفارق عينا الشاب الأسيوي المغمضتين هاتفه المحمول ذو شاشة مسطحة ، يمرر الصفحة بقلم الكتروني " تاكتيل"، وبين الفينة والأخرى يلقي نظرة عابثة على محطة وقوف تبدو للعابرين مثل سوق قروي . كان التدافع فيه بالأكتاف والمناكب على أشده بين حشد غير متجانس من البشر ، يتقدمهم شباب بعضلات مفتولة ومؤهلين أكثر لخوض معركة ضياع من أجل سبق واهم. أما تصميمه على التقاط صورة من نافذة القطار لكل محطة يمر بها كان قويا وعلى مستوى كبير من العناد ولذلك ، سخر كاميرا بسعة تكفي لتخزين جغرافية من الصور الثابتة والمتحركة لقارة بأكملها. في لحظة قررت أن أكون فضوليا ، سالت الشاب بإنجليزية معجونة لكنها تفي بالغرض ،" يبدو أن اللعبة مشوقة..أليس كذلك؟؟ ثم أردفت : إلى أي مستوىstad وصلت في اللعبة التي تأسرك؟؟؟ ابتسم ، ثم قال والاحترام تفاصيل : لا ..عفوا سيدي .. لا .. ثم أضاف كما لو يركع : يا إلا هي ، ليست لعبة .. أو شيء من هذا القبيل …أنا أقرا كتابا …؟؟؟؟ على مدى ثلاث ساعات.. أردفت؟؟ أغمض عينيه، ثم استوى ومضى يقول بأدب ليس أصيلا : سفرياتي حين يتعذر عليها الكتاب وتصبح مملة و تطول . من غير قراءة كتاب. لا يحلو السفر. فهمت …لذلك …طلبت من احد الأصدقاء إرسال كتاب عبر النت . …أجل.. وهاأنذا استمتع به ، "شكرا لكا".سلامو عليكم" قالها بعربية أفصح من عربية تلك الوجوه الفكاهية الزنخة التي ألفها مشاهدو تلفزيون الحكومة خلال الإفطار كل رمضان. وأشاح بعينين متهالكتين من فرط التركيز في الصفحة68 من الكتاب الرقمي . مشكلتي هنا و الآن ، يمكن تلخيصها في إتهام وإهانة شاب باللعب ، بينما هو يمارس عشق القراءة الأقوى الذي لا يزعم احد هنا على الأقل أن يقاسمه . وهي تهمة تمس بكرامته وأستحق على اقترافها العقاب . قبل أن نشرع في تحليل سلوك الناس في الدول المتقدمة، لابد وان نستعد كعرب ومسلمين للصدمة ، أو الرجة ، ولنسمها كما شئنا أو نشاء ، سنجد أن الغالبية العظمى من الناس ، إذ لم نقل جميعهم يتبعون المبادئ التالية في حياتهم: 1. الأخلاق كمبدإ أساسي 2. الاستقامة 3. المسؤولية 4. احترام القانون والنظام 5. احترام حقوق باقي المواطنين 6. حب العمل 7. حب الاستثمار والادخار 8. السعي للتفوق والأعمال الخارقة 9. الدقة وأستأذن ، كي أضيف ، القراءة. في البلدان العربية والإسلامية فقيرها وغنيها ، كل شخص يستطيع أن يبتدع ويبتكر …لان الإبداع شكل راق من النشاط الإنساني وهو إلى ذلك مطلب حضاري وأساسي لكل الأمم ، وليس ترفا أو سلوكا يخص فصيلة من البشر دون الأخرى ، لكن معظم أبناء الأمة العربية والإسلامية لا يتبعون من كل هذه المبادئ سوى فئة قليلة جدا . لكن الغالب الأهم يمارس 1. الغش والكذب 2. النفاق 3. الزبونية والمحسوبية 4. الرشوة 5. شوفا واسكت 6. الاحترام الواجب للأشخاص تحت طائلة القانون 7. التملص من الضرائب 8. منطق "خلي هذاك الجمل راقد 9. أنا وبعدي الطوفان 10. تفدين الدين وتسييسه = نموذج رؤية الهلال= 11. الاستقواء بالمخزن" السلطة" بدل الاحتكام إلى القانون 12. استغلال النفوذ والسطو على الملك العام من موقع المسؤولية. "لسنا فقراء كعرب ومسلمين بسبب نقص الموارد أو بسبب عجزنا التأقلم "مع تحولات العالم ورهاناته ،وتحدياته ، ولسنا أقل خلايا أو جينات أو كروموزومات من غيرنا من بني البشر، نقصها يعيق تعلمنا المبادئ الأساسية التي دفعت وأدت إلى تطور المجتمعات وغناها. اللون والعرق أيضا وقطعا لا تأثير لهما في التخلف أو التطور ، بدليل أ ن المهاجرين عربا كانوا أو مسلمين و" المصنفون كسالى في بلادهم الأصلية هم القوة المنتجة في البلاد الأوروبية" لكننا فقراء في الأخلاق وفي المواطنة وفي السعي الفعلي نحو التفوق في الديمقراطية والقدرة على الاستماع حتى النهاية .. وفي القراءة. وتلك صاعقة بلا جدال.شبابنا ،جيل الشاط العقيم … والرنات الخليعة، جيل الموسيقى الصاخبة وبحبك ، وصناعة الفتوى من غير علم ، هي بالمناسبة صناعة كبرى في تزدهر في الوطن العربي يصعب ضبطها ، من إرضاع الكبير، وزواج بنت التسع، وقتل ميكي ماوس ……واللائحة تطول. والحصيلة …قاع الأمم ، الدرك الأسفل في التنمية البشرية. شعرت بجحيم من الأسئلة يتمدد بداخلي حتى كدت أنفجر، سألت شابا كان يقتعد جواري : كم عمرك ؟ 16 سنة ؟ لم تسأل؟ تغافلته يقوم بزم إحدى أذنيه بقرط ، تاركا خصلات من شعره الأشعث تنسدل حتى صار مثل باقة نعناع ،و فيما أغلق أذنيه بسماعتي ، " الكيت" لفتا أذنيه مثل حمار طاحونة ، شرعت تنبعث عبرهما موسيقى صاخبة استهجنها معظم ركاب المقصورة ، كانت الموسيقى تمطرق دماغه وتقلق راحتنا ، ومع كل ذلك ، ظل عنيدا طوال الرحلة ، وأصر على ألا يكون أنيقا ، فقد فضل دخان سيجارة عن الهواء النقي الذي نقتسمه ، بل تمنى لو كان يدخن وهو نائم . فجرت غضبي على نفسي ، وهمست بخافت مسموع ، – أنا الذي قد أصاب بصداع حاد إذا حاولت القراءة مع اهتزازات القطارات عندنا ، هم يقرأون في المراحيض ..وفي باحات الاستراحة في الردهات..في الزوايا المعتمة..يقرأن في القطار وعلى الطاولات أثناء الوجبات..، وتابعت وأنا مفجوع : نحن ، لا نقرأ….أي نعم ، نحن نستمتع …ونرفه عن أنفسنا التي لا تتعب …ونستمتع بما أبدعته عقول شباب آسيا… وما خطته ابتكارات معاهدها على السيلكون.. نحن لا نقرأ حتى في فصول الدرس..بالأحرى في مقطورة تعبر التضاريس كما الزلزال..؟؟؟؟ عزيز باكوش يتبع المزيد على دنيا الوطن .. http://pulpit.alwatanvoice.com/articles/2008/10/05/147147.html#ixzz369vdcgV5