درجت مراكز قوى معينة داخل النظام السياسي المغربي كنا نسميها ب"الحزب السري" خلال سنوات الرصاص وأصبحنا ننعتها بالدولة العميقة على التحكم في السوق بغثه وسمينه حتى يتأتى لها الاستمرار في التحكم تارة باسم الحفاظ على الاستقرار وتارة أخرى باسم المصلحة العليا للبلاد وتارة ثالثة بتقديم وتحفيز من قدموا شهادات حسن السيرة وإقصاء من لايؤمن جانبهم من الأقلام الوطنية الشريفة والتي لا يشك في سعيها للحفاظ على الاستقرار الحقيقي المبني على التصدي للفساد والاستبداد وإقرار الديمقراطية الحق ، فعلاوة على التحكم في المشهد السياسي ثم السمعي البصري بشكل تام بسطت تلك الجهات ظلالها على أغلب المنابر إلا من رحم ربك ، وأبسط مواطن بل وأصغر طفل في المغرب يلاحظ تشابه العناوين المملاة من الدولة العميقة ( مقابل الدعم والإشهار ) والتي تخدم مصالحها بالدرجة الأولى ومن الوهم الاعتقاد أنها تملي وتقصي وترشي وتشتري " حبا في الوطن " أو " من أجل مصالحه العليا "…هي تشتغل فقط وفق أجندتها الخاصة حتى لو أدى ذلك إلى فسح المجال لمن يهدد الوحدة الوطنية ولمن ينادي جهارا بالصراع الإثني المقيت أو بالانفصال عن الوطن ولمن يطعن في رموزه الوطنية ماضيا وحاضرا … أما الكتاب والصحفيون والمفكرون الشرفاء والذين يمتلكون قدرا من المصداقية فإما عادوا إلى الخلف أو وقع إقصاؤهم وتهميشهم في مناخ من الخلط و التمييع لم يسبق له مثيل… يكفي مثلا وجود أزيد من 300 عنوان على صعيد الإعلام الورقي لا تزيد مبيعاتها مجتمعة في أحسن الأحوال عن 150 ألف نسخة يومية وأسبوعية وأكثرها ( باستثناء بعض اليوميات وأسبوعية أو أسبوعيتين ) يأخذ الدعم دون استحقاق من جيوب دافعي الضرائب ومن غير أن يقدم شيئا ذا بال للقارئ والمتلقي…فلا عجب إذا عزف عنها المواطن المهتم وأعطاها ظهره ( ولنترك العوامل الأخرى جانبا كالعزوف عن القراءة والأمية إلخ ….لأنها لا تهمنا هنا )….كما عزف عن التصويت والانتخابات وتفرغ للعزف على وتر همومه ومشاكله المتعاظمة…وكما تفرج ولا زال يتفرج ويتفكه على مشهد السيرك السياسي معا والمستمر منذ مدة ….والآن أرجح أن الدور أتي على الإعلام الاليكتروني ….الهجوم قد بدأ على الشبكة والمواقع الاجتماعية وغيرها…طبعا تكتنف العملية بعض التعقيد التقني والمعلوماتي …. حديث البرنامج المعلوم المجهول لقوى التحكم يتشعب ويطول وهو ذوشجون غير أن اللافت للنظر كون ممارسات هذه الجهات لم تتغير رغم أطنان الشعارات ….أهدافها لم تتزحزح عن أفقها قيد أنملة : التحكم في الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية للبلاد جملة وتفصيلا ، وكل من حاول أن يستقل عنها ولو نسبيا تعلن عليه الحرب حتى لوكان مغربيا ملكيا معتزا بكل ثوابته الوطنية وياللعجب في مغرب العجب … والآن اتضحت تماما لعبة ما يمكن أن نسميه " المخزن / القديم الجديد " تغيرت بعض الوسائل وتبدل التكتيك لكن الاستراتيجية ظلت واحدة … التحكم في ظل الاستمرار وسأركزفي هذا المقال على وسيلة واحدة تشكل سلاحا قديما جديدا منذ عهد الوزير ادريس البصري وقد تم تسويقه بنجاح شبه تام وسط الشعب لمدة ليست باليسيرة بعد استقلال البلاد، ذلك ما أسميه باستراتيجية الأكاذيب والاكليشيهات الجاهزة …العديد من مناطق المغرب مدنه وقراه أصبحت ملتصقة بنعوت وممارسات وأسماء أعلام يقصد بها تشويه المنطقة والتطبيع مع خطاب التهميش الذي تستحقه في نظرهم فهذه القنيطرة مثلا عاصمة إقليم الغرب الفلاحي الغني لكنها مرادفة للسجن المركزي الشهير والذي شهد استقبال معتقلي الرأي والسجناء السياسيين غير ما مرة ، إلى درجة أن الأمر أصبح يقترب من الطابو عند الحديث عنه مع مواطنين من المنطقة…ونفس الشيء بالنسبة لبلدة ميسور التي شهدت نفي زعماء الاتحاد الاشتراكي إليها بعد رفضهم قبول الحسن الثاني بمبدأ الاستفتاء في الصحراء المغربية ، والتي نعتها الحسن الثاني ب"عاصمة الحمير" وهذه الجديدة عاصمة سهل دكالة أهلها معروفون ب"القصاير " ولا علاقة لهم بشيء إسمه العلم أو السياسة ، مع أن ما ينطبق عليهم ينطبق على باقي جهات المغرب زمور وزعير معروف عنهما القول المغربي الملتبس " شاط الخير على زعير حتى وزعوه على الرباط " و لم ينج من الاكليشيهات حتى سكان العاصمة " مسلمين الرباط " بهدف زرع الحذر والحيطة منهم باعتبارهم " أهل تقوليب ومقالب ومظاهر مكر وخداع " انتشرت في مراحل معينة إشاعة كل الوزراء من فاس " بلاد القورع ولا أدري ما محل الصفة من الإعراب ، السوسي يرادف التقتير والبخل الشمال والريف أخذ حظه هو الآخرمن الخطاب المعلوم ونواته النعت الذي ألصقه الراحل الحسن الثاني على أهله " الأوباش " و" المهربين " لم تنج العاصمة الاقتصادية للمملكة أيضا ولنتذكر نعت ادريس البصري لضحايا أحداث الدارالبيضاء الدامية ليوم 20يونيو 1981 على إثر الإضراب الوطني العام الذي دعت إليه وقتذاك المركزية النقابية الكنفدرالية الديمقراطية للشغل بع الزيادات في أسعار المواد الأساسية نقصد وصف " شهداء الكوميرة "…وطبعا امتدت الاكليشيهات إلى المدن المتوسطة والصغرى باستغلال بشع لبعض الأحداث التاريخية التي هددت النظام في فترات متأزمة رغم أن تلك المدن والمناطق لا ناقة لها ولا جمل في ما حصل …هل يمكن أن نبيد النمسا مثلا لمجرد أن شخصا كأدولف هتلر ولد في إحدى مدنها ؟ …إذن هي الاكليشيهات مرة أخرى والأهداف معروفة : زرع الخوف والحيطة والشك بين الناس بل حتى داخل العائلة الواحدة … يحضرني هنا مثال مدينة تازة وأحوازها حيث ألصقت بها كل الأوهام التاريخية لبداية القرن التي دبجها مؤرخون مشكوك في مصداقيتهم العلمية والمنهجية تبعا لانتفاضة كان يمكن أن تقع في أي جهة من المغرب عبر تلك الشروط التاريخية المتأزمة وأعني ثورة الجيلالي بن ادريس الملقب ببوحمارة التي انطلقت سنة 1902 وانتهت بإعدامه سنة 1909 فألصقت كل صفات الجنوح والعصيان والتنطع وسخونة الرأس لتازة وأحوازها علما بأن الرجل لا ينتمي للمنطقة وأسباب الثورة كانت كامنة داخل المجتمع بفعل الظلم المتعدد الأوجه والفساد الذي عم البر والبحر ولم نظفر لحد الآن بأي دراسة تاريخية موضوعية ومنصفة تسمي الأشياء بمسمياتها ، وعلى إثر أحداث يناير 2012 والتي شهدتها مدينة تازة بسبب مطالب اجتماعية محضة دفعت جهات معينة أحد البلاطجة الجهلة عبر اليوتوب للطعن في أسياده التازيين الذين لا يصل إلى وسخهم في الوطنية والنزاهة والاستقامة والعفة ….بل ألصقت بتازة – يعني كل تازة – محاولتي الانقلاب العسكريتين اللتين شهدهما المغرب في 10 يوليوز 1971 و16 غشت 1972 رغم انتماء بعض الضباط إلى الإقليم وليس المدينة وحتى مناطقهم الأصلية لا علاقة لها بماوقع…. مثلما همشت منطقة عين الشعير لأن الجنرال أوفقير من مواليدها وكذا منطقة خنيفرة التي اقترنت في أذهان كثير من المغاربة لمدة معينة بظاهرة اجتماعية معلومة شجعتها السلطات بعد أن شهدت كما قيل أحداثا في بداية السبعينيات من القرن الماضي كان وراءها الجناح المسلح لفصيل يساري …. هكذا ينتعش التحكم ويزدهي الاستبداد وتعود دورته الدائرة بفعل تزييف التاريخ ومسخ الذاكرة ونشرالسموم بين فئات الشعب الواحد …..فمصالح القوم فوق كل اعتبار … * كاتب مغربي / فاعل مدني