استعاد الكثير من السعوديين، قبل أيام قليلة بمناسبة الذكرى الثامنة لاعتلاء الملك عبد الله بن عبد العزيز سُدة الحكم في المملكة العربية السعودية، فحوى الخطاب التاريخي الذي ألقاه الملك عبد الله بن عبد العزيز، في غشت 2005، يطلب فيه من مواطنيه عدم تقبيل يده أو يد أفراد العائلة الملكية، لكون "هذه العادة أمر دخيل على تقاليد البلاد". وكان العاهل السعودي قد قال حينها في خطابه، بعيد تنصيبه ملكا خلفًا للملك فهد بن عبد العزيز، إن "تقبيل اليدين هو أمر دخيل على القيم الإسلامية ولا تقبله النفس الحرة الشريفة، إلى جانب أنه يؤدي إلى الانحناء وهو أمر مخالف لشرع الله، فالمؤمن لا ينحني إلا الله الوحيد الأوحد". ولم يتوقف الملك عبد الله في حدود طلب عدم تقبيل يديه، بل طلب قبل سنتين أيضا من جميع المسؤولين والشعب السعودي عدم مخاطبته بكلمة "ملك القلوب" أو "ملك الإنسانية"، حيث قال حينها: "أرجوكم أن تشيلوا عني هذا اللقب، فالملك هو الله، ونحن عبيد لله عز وجل". وإذا كان السعوديون يتذكرون هذه القرارات الرسمية التي بادر إليها ملكهم خلال كل مناسبة يحتفلون باعتلائه عرش البلاد، فإن عددا من المغاربة ينتظرون بدورهم قرارا رسميا أيضا بعدم تقبيل يد ملكهم، بالرغم من أنه لا يوجد نص أو قانون يفرض على المغاربة تقبيل يد الملك. وينقسم المغاربة إزاء موضوع تقبيل يد الملك إلى ثلاثة فرق، فهناك من يرى أن تقبيل يد الملك ليس فيه أي شيء مخالف للدين أو كرامة الإنسان، باعتبار أن المواطن المغربي دأب على تقبيل يد من يحترمه ويضعه في مكانة عالية مثل الوالدين والمعلمين والعلماء وكبار السن وغيرهم، فمن باب أولى ملكهم وولي أمرهم. القسم الثاني يذهب إلى أن تقبيل يد الملك إهانة وذل ومس بكرامة الإنسان، لأن الأمر يصل إلى حد "الركوع" له، وهو ما لا يقبله شرع ولا منطق، ولا كافة السلوكيات الحضارية، وبالتالي ينتظرون قرارا رسميا يمنع تقبيل يد الملك اقتداء بما أعلن عنه من قبل العاهل السعودي. أما القسم الثالث فيقف موقف الوسط من هذا الموضوع، حيث يرى البعض إن تقبيل يد الملك شأن خاص وفردي يتعلق بالمقبِّل نفسه وليس بالملك، لأنه لم يُعلَم أن الملك غضب من شخص أو عاقب أحدا لأنه لم ينحن لتقبيل يده، بل كثيرا ما يبدو الملك متحرجا من الانحناء له لتقبيل يده عنوة، حيث غالبا ما يسحب يده سريعا حتى لا يحرج الشخص المُقبِّل. ممارسات حاطة بحقوق الإنسان وتعليقا على موضوع منع تقبيل يد العاهل السعودي ومقارنته بحالة المغرب، قال الدكتور أحمد مفيد، أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري بجامعة فاس، إن تقبيل اليد من الناحية الحقوقية يعد أمرا مخالفا لحقوق الإنسان على اعتبار أنه يكرس نوعا من التمييز بين من يُقبِّل اليد ومن تُقبَّل يده، كما أن فيه تعبير عن غياب المساواة". وأردف مفيد، في تصريحات لهسبريس، بأن "تقبيل اليد قد يعد أمرا عاديا إذا تعلق الأمر بالوالدين، وهو تعبير عن البر بهما وطاعتهما، وهذا الأمر لا خلاف بخصوصه وإن بدأ في الزوال، وحلت محله تعبيرات جديدة". أما فيما يتعلق بدعوة ملك السعودية لعدم تقبيل يديه، يُكمل مفيد، فهذا "الأمر يبدو جد منطقي، وفيه إشارة واضحة للمساواة"، مشيرا إلى أن "المساواة لا يجب أن تختزل في مجرد منع التقبيل فقط، وإنما ينبغي أن تمتد لتشمل سائر الحقوق والحريات والواجبات أيضا". وحول سؤال يتعلق بمدى اقتداء ملك المغرب بالعاهل السعودي، أجاب مفيد بأن "هذا الأمر فيه نظر، لأن ملك المغرب وإن كان يسمح بتقبيل يديه فهو لا يفرض هذا السلوك، ولا يوجد أي نص قانوني يكرس ذلك". وزاد المحلل بأنه رغم ذلك فإن "الإيمان بالديمقراطية وحقوق الإنسان يقتضي رفض كل الممارسات التي من شأنها المساس بكرامة الإنسان"، مضيفا بأن "الحداثة كثقافة وسلوك حضاري تتطلب تجاوز كل المعاملات والسلوكيات التي قد تمس بكرامة الأفراد" وفق تعبير مفيد.