تسأل صاحبك : ماذا جنيت يا أخي من كل هذه الخطوط والكلمات الكبيرة والصغيرة ؟ ما جدوى هذه الأوراق المتراكمة العطنة ؟ يبتسم صديقك بمرارة يكاد يخفيها عبر نحنحة متكلفة وينبس : لا شيء …لا شيء سوى حقد الحاقدين وشماتة الشامتين واستكثار المستكثرين وكذب المداهنين …نظر بعيدا ثم أردف بإسهاب : وأضيف لك أن هذا وهم جميل أنصحك أن تقرمع نفسك بأنه وهم جميل فحسب و حالة اعتقادك بأنه حقيقة ستواجه الهباء والسراب فورا أو قد يرتطم وجهك بصخر صلب من صخور مدينتك العاتية …ارتطام يرديك إلى دوار قد لا تفيق منه …الوهم يبقى وهما يا أخ العرب والعجم والبربر… وهم لا يطعمك خبزا حافيا أو يسقيك كأسا حلوة أو مرة … فكرت في الأمر بنوع من العبث إذ أني بدأت أقرف من الكلمات الكبيرة والإحالات المباشرة في اللغة… نعم وبكل صدق، ما الجدوى ؟ هل ستكتب من أجل أن يجاملك منافق شب على تقبيل الأعتاب والأرجل ؟ هل تكتب لصالح المستضعفين ضد الظالمين وتجد نفسك في السجن أو أمام أطفالك الجائعين ؟ هل تكتب فتفضح الاسترزاق للذين استسهلوا الكلمات والمفاهيم حتى فقدت كل معانيها الحقيقية والمجازية ؟ فليس من الضروري أن يصرخ ويتكلم كائن بشري بكل كلام الدنيا والآخرة عن الحب والعدل والتحرر حتى يكون منخرطا صادقا فيها فكم من نصاب ومرتزق باسم الأدب والتاريخ والفن والصحافة…وكم من نصاب وانتهازي مقيت وباسم الكتابة … لماذا لم يناقش المثقفون العرب لحد الآن ظواهرالانتهازية والوصولية وأساليب التكتكة والعنكبة والاسترزاق ، ميكانيزماتها أشكالها ونتائجها الكارثية ودائما باسم المجالات والقيم النبيلة … لعل الكثير من هؤلاء ( مع احترامنا لمن يستحق الاحترام ) هم فعلا انتهازيون ومتسلقون وصوليون وإلا لكانوا قد سبقوا الأنام كعادتهم للبحث والتأمل في هذه الظواهر الخطيرة التي دمرت الأحزاب والتنظيمات والإطارات وتكاد تجهز على الكثير من المجتمعات والدول ليطرح بالتالي سؤال المصداقية كبيرا ، رب كلمة تقول لصاحبها : دعني لا حاجة لي بك لأنك منافق أو وصولي… أمثالك لا أصلح لهم ولا يصلحون لي …” أنت ما من سهمي وأنا ما من سهمك “… نعود للسؤال ،هل تكتب ليستدعيك الوكيل أو البوليس؟ هل تكتب لتؤنبك رفيقة العمر : ألم تتعظ بعد ؟؟ هل تكتب ليتهمك الآخرون بأن رئيس المجلس الجماعي أدى لك المقابل لمجرد أن تكلمت عن الساحة العمومية والمساحة الخضراء ؟ أو بحكم صداقتك لرفيق أعطى رئيس المجلس لأخيه البائس كشكا إنقاذا له من الفقر والتشرد ؟ هل تكتب لينفض من حولك الأهل ويشمت فيك القريب قبل البعيد ؟ هل تكتب لتكشف أوراقك فتصبح اباحيا ملعونا أو في أحسن الأحوال معاديا للقيم والأخلاق ؟؟؟ هل تكتب ليرمونك بأنك استفدت من الدعم العمومي دونهم مع أن أوراقك ليست إلا شواهد جنونك وهذيانك ؟ وأن منزلك المرهون للبنك تسدده بالأقساط الشهرية ؟ وأنك ما زلت تؤدي فواتير حكم قضائي جائرلمجرد الكتابة عن المظلومين على حساب قوت أطفالك ؟هل تكتب لتتسبب في انخفاض مبيعات جريدة تقتات من القتل والاغتصاب يوميا ويعرف مقالك طريقه السعيد إلى التمزيق ثم إلى سلة المهملات ؟ هل تكتب لتصحح الأخطاء الإملائية والنحوية والتعبيرية ؟ هل تكتب لتطارد طيفك البئيس حيث لم يعد الخلق يفرقون بين الصحافي وبائع ” الكاوكاو ” وبين الكاتب و” الشماكري ” ؟ هل تكتب عن اجتماع داخل مؤسسة لتتهم بأنك خرجت بالغلاف المعلوم مقابل تدبيج المقالات حول العهد المبارك للمسؤول الجديد ؟ هل تكتب بعيدا عن منطق جبر الخواطر وتصحح لتغضب مؤرخي الأمة والقيمين على أرشيفها السعيد الزاهر؟ هل تكتب لتؤكد أن ” بوحمارة ” هو من بنى تازة وعمرها وحضرها وأسس الجامع الأعظم وعبد الطريق من الكوشة إلى بابودير كما أنه هو الذي أسس محطة القطار الحالية وبجانبها السوق الممتازالمسمى مرجان البهيج ؟ او أن برج ايفيل العظيم بباريس مستوحى من ثريا الجامع الأعظم بتازة البهية ؟ هل تكتب لتصبح حديث المقاهي وطاولات النفاق وأشكال النميمة وأن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية تحولت إلى مبادرة لتنمية القدرات الجيبية في التكوينات والمحافل الأكاديمية والحبية والحميمية واللقاءات التواصلية / التسولية حول محاور الأصول وعبرها الفروع التحليلية والتركيبية والتحقيقية عبر الجمعيات والاطارات الخيالية والحقيقية ؟ هل تكتب عن كثرة الجنرالات والماريشالات والقياصرة و” الفهايمية “ والكذاب ( بالضم ثم التشديد )عفوا الكتاب والكرادلة وقلة أو ندرة ضباط الصف وضباط الميدان والقساوسة و ” الفقها المشارطين ” الحافظين لكتاب الله ؟ هل تكتب السرد لتصبح قرين اللئيم بروموثيوس الذي هرب نار المعرفة فاكتوى كبده إلى الأبد ؟ هل تكتب عن المحبة الإلهية فترمى بالنفاق واللعب على الأوراق والأذواق والأحداق والأخلاق ؟