في عام 1999 في “سالتا" بالآرجنيتن، تم اكتشاف ثلاث جثث لأطفال منذ عصر “الإنكا" مدفونة في الثلج على قمة جبل “لولايلاكو" منذ خمسمائة عام. هذه الجثث هي أفضل مومياوات تم اكتشافها على الإطلاق، فلقد كانت سليمة تماماً، كاملة الأعضاء، ولازال الدم موجوداً في القلب والرئة، والجلد والمظهر الخارجي لازال سليماً كما هو، والفضل في ذلك يرجع للبرودة وقلة وجفاف الهواء حيث كانوا مدفونين. ويبدو أنه قد تم دفنهم وهم نائمون قربانا للآلهة. وخلال ثمان سنوات منذ اكتشافهم، تم إخضاعهم للتصوير الفوتوغرافي وللأشعة السينية وتحليل الحمض النووي. كما تم تدفئة وحفظ الملابس والفخار والتماثيل التي وجدت معهم ، إلا الجثث قد تم تجميدها، ولم تعرض للعامة حتى الأسبوع الماضي حينما تم عرض العذراء “لا دونسيلا" ذات الخمسة عشر عاماً في متحف High Altitude Archaeology، والذي أنشئ خصيصاً في “سالتا" من أجل عرض هذه المومياوات. هؤلاء الأطفال تمت التضحية بهم كجزء من طقس ديني يسمى “كاباكوشا"، فقد تجولوا بهم لمئات الأميال في “كوزوكو"، ثم صعدوا بهم إلى قمة جبل “لولايلاكو"، وهناك أعطوهم شراب الذرة المسكر، وحينما أخلدوا للنوم قاموا بوضعهم في حفرة على قمة الجبل، حيث تجمدوا حتى الموت. وفي هذا الطقس لا يتم اختيار سوى الأطفال الأصحاء، وهذا الاختيار يكون شرف بالنسبة لهم. هؤلاء الأطفال لا يموتون، ولكنهم ينضمون إلى أسلافهم ليراقبوا قراهم من فوق قمم الجبال مثل الملائكة، حسب معتقدات “الإنكا". وحينما سئل دكتور “ميريمونت" لماذا أستغرق الأمر ثماني سنوات لعرض المومياوات، قال أنه كان يجب عمل الكثير من الأبحاث حتى يجدوا طريقة يعرضوا بها المومياوات دون أن تتعرض للتلف. وهذه الأبحاث توصلت إلى أسطوانة مصنوعة من الإكليرك داخل صندوق مصنوع من ثلاث طبقات من الزجاج. وقد تم توفير الظروف المناخية التي كانت موجودة على قمة الجبل من قلة الأكسوجين ودرجة حرارة تحت الصفر وعوامل الضغط والرطوبة، من خلال نظام مناخي يتم التحكم به عن طريق الكمبيوتر. ولأن “سالتا" تقع في منطقة حزام الزلازل، فقد قاموا بتزويد المكان بثلاث مولدات وثلاث ثلاجات ، في حال انقطاع الكهرباء أو تعطل المعدات. وفي حالة حدوث أي طوارئ، سوف تطير بهم طائرة حاكم الإقليم إلى مكان آمن. الغرفة التي تم عرض “لا دانسيلا" بها خافتة الأضواء. وحينما سئل دكتور “ميريمونت" عن ذلك قال أن هناك من لا يبحون رؤية الجسد الميت، لكن من يريد يمكنه إشعال الضوء. ومهما كان الغرض من خفض الأضواء فالتأثير رائع. فمن خلال الظلام يمكنك ترى “لا دنسيلا" متجسدة في الظلام، جالسة القرفصاء بردائها البني وخفها الشريطي، ولا تزال قطع من أوراق نبات “الكوكا" عالقة بشفاهها العليا، وشعرها الطويل المجدول. أحد المومياوان الأخريان، طفلة ذات ستة أعوام، قد أصابها صاعقة ما بعد موتها، وذلك بالنظر إلى أجزاء وجهها المحترق والجزء العلوي من جسدها وملابسها. والطفل الثالث صبي ذو سبعة أعوام له جمجمة مستطيلة قليلاً، وقيل أنه ربما يكون من طبقة ذات مكانة عالية أو من أسرة ملكية. وقد عمل العلماء مع المومياوات في معمل خاص، تنخفض حرارته إلى ما تحت الصفر، ولم تتعرض المومياوات لانخفاض حرارة أكثر من 20 دقيقة، لتجنب ذوبان الجليد . وقد بينت اختبارات الحمض النووي أن الأطفال ليسوا أقارب، كما أظهرت الأشعة المقطعية أنهم أصحاء ولم تكن بهم أي إصابات أو كسور، فيما عدا “لا دانسيلا"، فلديها التهاب في الجيوب الأنفية، كما أن الرئة بها التهاب في القصبات، ربما يكون ذلك بسبب عوى. قول دكتور “ميريمونت"، أنه يمكننا أن نستقرأ الماضي بالنظر إلى هذه المومياوات، بالإضافة إلى أنهم أشخاص جاءوا من ثقافة لازالت موجودة حتى اليوم ، كما أنهم ينتمون إلى مكان مقدس على الجبل. وقد صرح أيضاً أن الجبال المحيطة ب “سالتا" بها ما لا يقل عن 40 موقع دفن لقرابين أخرى، لكن سكان هذه المناطق لا يريدون استخراج هذه الجثث المقدسة. وأضاف أننا نحترم رغبتهم هذه، ويكفينا هذه المومياوات الثلاث ، فنحن نريد علاقة طيبة مع الشعب الهندي. المصدر: مقال مترجم من جريدة الديلي ميل البريطانية