بعد مرورما يقرب قرنا من الزمن على احتلال فرنسا للمغرب ودخول المارشال “ اليوطي” الى تازة سنة 1914 وفق أجندة عسكرية استهلها بعبارته الشهيرة ” تازة قبل كل شيء ” دلالة على أهمية هذا المعبر الاستراتيجي الذي يفصل في امتداده سلسلة الاطلس المتوسط عن جبال الريف ويصل المغرب الشرقي بالمغرب الغربي ، ألم يحن بعد الوقت لترديد عبارة السيد اليوطي من طرف كل غيور على هذه المدينة التاريخية والمجاهدة الجميلة؟ ألم يحن بعد وضع هموم تازة ضمن أولويات اجندة التنمية المحلية؟ ليس في هذه التساؤلات المشروعة متسع للتأويلات والبكاء على عهد اليوطي، بل تترجم نداءا بصيغة الرجاء الى كل الضمائر الغيورة لقراءة الماضي قراءة متأنية من أجل بناء حاضر يشرف مجد مدينة تازة والتخطيط لمستقبل يزهر على جبين الأجيال الصاعدة من التربة الطاهرة لهذه المدينة. لا ريب أن كل واحد منا -على اختلاف مواقعنا- مسؤول بشكل او بآخر على الوضع المتردي الذي تعيشه المدينة والحالة الاستثنائية التي يتخبط فيها اقتصادنا وتاريخنا وثقافتنا. فلا داعي لاتهام السلطة العمومية او القطاعات الوصية او الهيئات المنتخبة او فصائل المجتمع المدني بسوء التدبير للشأن العمومي، مادامت كل وحدة من هذه الوحدات تتستر بيافطة الصلاحيات الادارية والتقنية التي تحد من فعالية أنشطتها الاصلاحية والتقويمية ، وبالتالي غض الطرف الاجباري عن عورات تدبير شؤون هذه المدينة ، في حين كان جديرا بجميع الفرقاء سواء المنتخبين او المعينين النزول الى الميدان لصناعة سعادة ساكنة لها من الانتظارات الاجتماعية المستعجلة ما يدعو الى اعادة النظر في المنظومات التشريعية والقانونية على النحو الذي ييسر أجرأة أوراش الاصلاح. فلا يعقل ألا تستثمر الأرصدة المالية المحلية في وضع الاقتصاد الجهوي على سكة التنمية الحقيقية، عوض الاقتصار على مغازلة مقاولات صغرى استرزاقية لا تضمن السلم الاجتماعي والأمن الغذائي لساكنة أسيرة لاكراهات الجغرافيا . فلا يعقل ايضا ألا نستثمر مقوماتنا التراثية و التاريخية في خلق سياحة مجدية ، بدل التعاطي لحصص البكاء اليومية على تراث مادي غني يندثر ويضمحل باستمرار دون تسجيل أدنى قلق ايجابي رسمي أو غير رسمي. وأخيرا وليس بالأخير ، لا يعقل مطلقا ألا نوظف الطاقات الابداعية المحلية الغزيرة لرسم ملامح مشاهد ثقافية تنسجم وقامة وهوية وتاريخ هذه المدينة العريقة والوديعة، عوض الادمان على مهرجانات المزامير والتبوريدة ،والاكتفاء بتتبع الانشطة الثقافية التي ينظمها الآخرون وكأن هذه المدينة ليس بها شعراء وكتاب الرواية والقصة وتشكيليون و مسرحيون ورياضيون ...والتاريخ يشهد ان تازة كان لها حضور وازن ضمن المدن الاكثر اشعاعا. نحن -لا محالة- في حاجة ملحة الى دروس في الحكامة المحلية ومواعظ خاصة بوخز الضمير المستتر حتى نفلح في صياغة تصورات كفيلة باخراج مدينة بحجم تازة من بؤرة الجمود والهشاشة المزمنة. لعمري ان المقصود من هذه الومضات القصيرة والاشارات المتواضعة ليس هو فتح حلبة الصراع في وجه مكونات المجتمع التازي، ولا اطلاق النار على جهة معينة ، بل فيها دعوة صريحة للالتفاف حول شعار ” تازة قبل كل شيء” وركوب الآليات المناسبة التي تيسر المواكبة الفعلية والفعالة لمبادرات عاهل البلاد، التي تروم في استراتيجيتها تصحيح العاهات المستديمة وارساء دعائم اليمقراطية المحلية في ظل السياسة الجهوية والتنمية المحلية. وباختصار شديد ، لا يمكن لأحد أن يدعي ايجاد الصيغة المناسبة لاخراج القاطرة من النفق دون تحقيق الاتفاق المبدئي على ملامح خارطة الطريق ، التي من المتوقع منطقيا ومنهجيا أن تنطلق من بوابة تشخيص الواقع وتحديد الاجراءات الكفيلة بايصال القافلة الى ضفة التنمية المنشودة، مع ضرورة تمحيص المشاريع على أرضية الواقع بغيرة ومسؤولية وقناعة عوض الاكتفاء بالتنفيذ الآلي العقيم ، لأن البعد البسيكولوجي يعد عاملا مهما في تحقيق النجاح . ولعل ذلك هو الأساس الذي اعتمده مصممو ومهندسو التمثيلية البرلمانية في أروبا ، كوسيلة أساسية تجعل ممثلي الأمة يحنون دوما الى الأرض التي أنجبتهم . فيا أبناء تازة هل استوعبتم بالشكل الكافي دلالات الارتباط بالأرض كرافعة أساسية لخدمة مدينتكم؟ ومتى سنراكم جميعا الرصيد اللازم من الغيرة حتى نصبح حقا مواطنين صالحين؟ كشاعر وتشكيلي وروائي أشعر بالخجل يوما بعد يوم وأنا أتتبع مراحل احتضارهذه المدينة أمام أنظارمثقفيها ومحبيها وفنانيها واعلامييها، الذين رغم اختلاف توجهاتهم هم اليوم مطالبون بالانضمام الى” نادي المبدعين والمثقفين التازيين” قصد رسم البسمة على واجهة الثقافة المحلية والاسهام- بالشكل الذي يناسب قامة تازة ويشرف تاريخها- في ختم المشهد الثقافي الوطني ببصمات تازية واعدة و اصيلة . اني انتظر بشوق وغيرة تجاوب الجميع ، وتصبحون على غد أفصل. عمر الصديقي Omar Seddiki [email protected]