عبد العزيز اسماعيلي * يعتبر مشروع القانون التنظيمي للجماعات واحدا من القوانين التنظيمية التي التزمت الحكومة ضمن مخططها التشريعي بإخراجه خلال الولاية الحالية (2012-2016) ، وهو احد 13 قانونا تنظيميا ملتزما به في المخطط المذكور من طرف السلطة التنفيذية من اصل 19 قانونا الواردة على سبيل الحصر في دستور 2011 . ومع صدور مسودة المشروع ، طفت على السطح مجموعة من ردود الفعل التي صبت في مجملها في انتقاد المشروع و التشكيك في خلفيات صياغته ، بحيث بادرت جمعية رؤساء الجماعات بالمغرب الى توجيه انتقادات حول ما اعتبرته تراجعا في مسلسل اللامركزية بالبلاد . وسنحاول من خلال هذه المساهمة المتواضعة ان نسلط الضوء على المشروع الجديد ضمن منهجية تحاول الابتعاد عن اصدار موقف قبلي إلا بعد الاحاطة بالجوانب الشكلية و الموضوعية التي انبنى عليها المشروع . فمن الناحية الشكلية العامة ، تجدر الاشارة الى انه لأول مرة يتم تنظيم الحقل الجماعي تشريعيا بموجب قانون تنظيمي يعتبر من الناحية التراتبية الثاني بعد الدستور كأسمى قانون ، و بقدر ما يؤشر هذا الامر على العناية التي اولاها المشرع الدستوري للجماعات الترابية ، بقدر ما يثير نوعا من التوجس من تقزيم دور هاته الجماعات عبر آلية القوانين التنظيمية، فما الباعث يا ترى على هذا التوجس ؟ وكيف يمكن للقانون التنظيمي ان يشكل الية تقزم دور الجماعة ؟ بالرجوع الى دستور 1996 ، نجد ان الفصل 101 نص على ان " تنتخب الجماعات المحلية مجالس تتكلف بتدبير شؤونها تدبيرا ديمقراطيا طبق شروط يحددها القانون " و يتضح جليا ان المشرع الدستوري وقتها احال مسألة تحديد القضايا المحلية على البرلمان تبسيطا للمساطر القانونية المنظمة لاطار اللامركزية ، عكس بعض الدول التي حددت القضايا المحلية للجماعات الترابية دستوريا وهو ما يجعل توسيع اختصاصات هذه الجماعات مستوجبا لتعديل دستوري. فبمقتضى هذا التفويض الممنوح من الدستور للبرلمان ، عمل المشرع العادي "البرلمان" منذ 1960 ومرورا بالمواثيق الجماعية بتوسيع سلطة المجالس على ما يكتنفها من نقائص ، والحال انه بتحديد صلاحيات المجالس و الرؤساء ضمن قانون تنظيمي ، سيصعب النظر في اعادة توزيع الاختصاص سيما وان طبيعة القوانين التنظيمية ترتبط بمسطرة نوعا ما معقدة ، تشترط مدة قبل التداول و عرضا الزاميا على المجلس الدستوري مرورا بتنقيحات الامانة العامة للحكومة قبل العرض على المجلس الوزاري لإصدار الامر بالتنفيذ . وإذا ما نظرنا الى الامر من زاوية قانونية محضة ، بعيدا عن التقييم العشوائي للمسودة ، وفي خضم الحديث عن معيار توزيع الاختصاص الذي تحدثنا عنه ، لا بد ان نميز بين معيارين اثنين يتم بموجبها توزيع هذا الاختصاص بين الدولة والجماعات المحلية ، فهناك معيار الشرط العام للاختصاص « clause générale de compétences » وهو ينطلق من طبيعة الاختصاص في حد ذاته ، بمعنى ان القضايا المحلية بطبيعتها هي للجماعات بينما ما هو وطني بطبعه يسند الى الدولة ، و مع توالي المواثيق الجماعية والتي اتضح من خلالها ان بعض الامور التي كانت سابقا من اختصاص الدولة اصبحت تتولاها الجماعات تم الاعتداد بمعيار آخر يطلق عليه معيار الإسناد القانوني للاختصاص « attribution légale des compétence » وهو يقوم على تكفل المشرع بتوزيع الاختصاص بين الدولة والجماعات بل و له امكانية اعطاء الصفة المحلية لقضية من القضايا و اسنادها للجماعة ، وهو الامر الذي كان مسندا دائما في الدساتير السابقة للبرلمان الذي اقر عدة تعديلات همت مسار الميثاق الجماعي الى صيغته الحالية ، ايضا من جملة الملاحظات الشكلية ، كثرة الاحالات على بعض نصوص الدستور وهو ما يؤشر على صعوبة إعمال تعديلات مستقبلا على هذا القانون الا في ظل تعديلات قد تطال الدستور ذاته وبالتالي امكانية التقيد بمعيار الشرط العام للاختصاص او على الاقل صعوبة اقرار اختصاصات جديدة للجماعات .
كما ترتبط الجوانب الشكلية للمسودة بكونها جاءت عبارة عن مدونة حاولت جمع شتات بعض النصوص المتناثرة التي تهم تدبير الشأن المحلي ، ويتعلق الامر اضافة الى الميثاق الجماعي بقانون التنظيم المالي للجماعات و قانون الجبايات المحلية و بعض نصوص تدبير الممتلكات الجماعية .
هذا ومن الناحية الموضوعية ذات الصلة بمضامين المشروع ، يعتبر الامر اللافت من البداية التعريف الجديد للجماعة كونها تتمتع بالاستقلال الاداري في وقت ظلت كل الصيغ السابقة تشير وفقط الى تمتعها بالاستقلال المالي ، وهذا الامر يرتبط بلا شك بالمفهوم الجديد الوارد في الدستور الحالي والقائم على مبدأ التدبير الحر للجماعة كما يتقاطع مع مبدأ التفريع او التناسبية «principe de subsidiarité» الذي يعتبر احد احدث الاليات المتبعة في الأنظمة اللامركزية، وهو مبدأ يقوم على توزيع اخلاقي للاختصاصات والموارد عملا بالمبدأ الأصيل في الالتزام بناء على حسم قانوني واضح أو تعاون وتفاهم بين الاطراف، أي ما يستطيع الأدنى القيام به يترفع عنه الأعلى وما يعجز عنه الأدنى يتولاه الاعلى ، فهل استجاب المشروع في اغلب بنوده لقاعدة التدبير الحر ؟ وهل جاءت مضامين المسودة بما يفيد الاستقلال الاداري فعلا ؟ في رأينا المتواضع ، يمكن القول بان المشرع توسع في إعمال الرقابة سواء منها القبلية او البعدية المفروضة على الجماعات ، بحيث اخضع كل مقررات المجالس للعرض على العامل تحت طائلة عدم القابلية للتنفيذ ما لم تعرض عليه داخل اجل 5 ايام ، و قد ادرج المشرع هذا النوع من الرقابة في اطار رقابة المشروعية ، بل وتعداها نحو رقابة بعدية ذات الصلة برقابة الملائمة بخصوص اتخاذ قرارات خارجة عن اختصاص الجماعة بحيث يطلب العامل قراءة ثانية وفي حال رفضها او الابقاء على المقرر المتنازع فيه ، يعرض العامل المقرر على القضاء الاداري الاستعجالي للبث في توقيف المقرر خلال 48 ساعة ، بل بمجرد هاته الاحالة يتوقف تنفيذ المقرر قياسا على القاعدة العكسية انه مدان حتى تثبت براءته . لقد كان الاجدر تعزيز الرقابة القضائية البعدية ، والتخفيف من الرقابة القبلية تماشيا مع السياسة التي نهجتها وزارة الداخلية بعد اقرار صيغ المواكبة والمصاحبة ( انظر بهذا الخصوص مقالنا حول موضوع : "تدبير الشأن المحلي من الوصاية الى المواكبة" ) . ومن جديد المشروع ، ان امر العزل او حل المجلس اصبح بيد القضاء ، وهو من الايجابيات التي تحسب للمشروع على الاقل اعترافا بالجهود الرامية الى استقلال القضاء بل واقراره ولأول مرة كسلطة بموجب الدستور الحالي . وقد يطول سرد كل مضامين المشروع ويمكن اجمالا التطرق للنقاط التالية : - تم الاستعاضة بالكاتب العام للجماعة بالمدير او المدير العام للمصالح ( هذا الامر قد ينسف جهود تنسيقية الكتاب العامين للجماعات الذين كانوا يسعون الى اقرار نظام خاص بهم ) . - ضمن الاختصاصات المنقولة من الدولة الى الجماعات تم ولأول مرة الاشارة الى طبيعة الموارد التي تكون مقرونة بهذا التحويل اي البشرية و المادية والمالية ( وقد تعرضنا لهذا الامر الذي غاب عن الميثاق الجماعي في صيغته الحالية ضمن مقالنا حول : قراءة في مشروع مرسوم الوضع رهن الاشارة المنشور على بعض المنابر الالكترونية) - في مجال التعاون بين الجماعات والشراكات تم استبدال مفهومي مجموعة الجماعات ومجموعة الجماعات الحضرية ( ولعل اللافت هو نزع صفة المؤسسة العامة عنهما و تقليص دور رئيس الحكومة في التدخل بخصوص احداث او ضم جماعة لمجموعة ما ) - تمت الاشارة لأول مرة الى الاسواق الجماعية ضمن المرافق العامة المحلية بعد ان كانت على مستوى اللفظ غير واردة واعتبرتها وزارة الداخلية من التجهيزات المحلية ضمن كتابها حول "اعادة تأهيل الاسواق الجماعية" . - بالنسبة للتخطيط الاستراتيجي التشاركي تم استبدال مصطلح المخطط الجماعي ببرنامج عمل الجماعة مع الاحتفاظ بنفس منهجية الاعداد ، كما تم الاكتفاء بإحداث هيئة استشارية من طرف المجلس تتولى عقد شراكة مع فعاليات المجتمع المدني بخصوص القضايا المتعلقة بالمساواة وتكافؤ الفرص و مقاربة النوع بعد ان كان الامر يتعلق بلجنة قائمة بذاتها تحت رئاسة رئيس المجلس . - وفيما يتعلق بالبرمجة المتعددة السنوات ( البرمجة الثلاثية ) تمت الاحالة في صيغة المسودة وعلى غرار المادة 14 من قانون التنظيم المالي للجماعات الحالي على القرار المشترك بين وزيري الداخلية والمالية في شأن كيفية إعمال هذه البرمجة في وقت كنا نأمل فيه الافراج عن هذا القرار . والخلاصة ، ان الرهان في كسب مسلسل اللامركزية بالمغرب لا يتوقف على مشروع قانون تنظيمي او عادي ، بل يتطلب انخراطا فعالا قائما على التشبع بالديمقراطية كقناعة اخلاقية و التزام مبدئي ، و ضبط ايقاع مختلف الفرقاء للسير بسرعة واحدة لا اثنتين او اكثر .
* اطار موضوع رهن اشارة عمالة جرادة و منشط دورات تكوينية لفائدة موظفي و منتخبي الجماعات الشريكة في برنامج التنمية المحلية ( المغرب/اليونسيف )