أنشيلوتي: "مودريتش بمثابة هدية لعالم كرة القدم"    أمن مراكش يوقف فرنسيين متهمان بالقتل وتسهيل هروب سجين جزائري    الدار البيضاء.. الأوركسترا السيمفونية الملكية تحتفي بالفنان الأمريكي فرانك سيناترا    سفير اسبانيا .. مدينة الصويرة تلعب دورا محوريا في تعزيز الروابط الثقافية بين المغرب واسبانيا    المغرب يبرز أمام المنتظم الدولي أوراشه الوطنية الإصلاحية والتزاماته بتعزيز حقوق الإنسان    نقابة الصحفيين التونسيين تدعو لإطلاق سراح الصحفيين المعتقلين مع التلويح بإضراب عام في القطاع    الاتحاد الأوروبي يعلن تعليق عقوبات مفروضة على قطاعات اقتصادية أساسية في سوريا    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الارتفاع    الارتفاع يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    مع اقتراب رمضان.. توقعات بشأن تراجع أسعار السمك    خلية "أسود الخلافة في المغرب الأقصى".. ال"بسيج" يؤكد النوايا العدائية للتنظيمات الإرهابية تجاه المغرب    دراسة تكشف عن ارتفاع إصابة الأطفال بجرثومة المعدة في جهة الشرق بالمغرب    ائتلاف مغربي يدعو إلى مقاومة "فرنسة" التعليم وتعزيز مكانة العربية    السد القطري يعلن عن إصابة مدافعه المغربي غانم سايس    المهاجم المغربي مروان سنادي يسجل هدفه الأول مع أتليتيك بلباو    الذهب يحوم قرب أعلى مستوياته على الإطلاق وسط تراجع الدولار وترقب بيانات أمريكية    دينغ شياو بينغ وفلاديمير لينين: مدرسة واحدة في بناء الاشتراكية    وزير يقاتل في عدة جبهات دون تحقيق أي نصر!    فنلندا تغلق مكتب انفصاليي البوليساريو وتمنع أنشطتهم دون ترخيص مسبق    إصابة نايف أكرد تقلق ريال سوسييداد    انفجار يطال قنصلية روسيا بمارسيليا    اختتام النسخة الأولى لبرنامج الدبلوم الجامعي في تقييم التكنولوجيات الصحية بفاس    فتح بحث قضائي بخصوص قتل سبعيني لابنته وزوجها ببندقية صيد    المعرض الدولي للفلاحة بباريس 2025.. المغرب وفرنسا يعززان تعاونهما في مجال الفلاحة الرقمية    ألوان وروائح المغرب تزين "معرض باريس".. حضور لافت وتراث أصيل    "كابتن أميركا" يواصل تصدّر شباك التذاكر في أمريكا الشمالية    وزيرة الفلاحة الفرنسية: اختيار المغرب ضيف شرف المعرض الدولي للفلاحة بباريس يعكس جودة التعاون الثنائي    الملك يأمر بنقل رئيس جماعة أصيلة إلى المستشفى العسكري بعد تدهور حالته الصحية    طقس بارد نسبيا في توقعات اليوم الإثنين    بنسليمان.. إطلاق الرصاص لتوقيف مسن هاجم الشرطة بسكين لتمكين إبنه المتورط في تجارة المخدرات من الفرار    غوتيريش: وقف إطلاق النار في غزة "هش" وعلينا تجنب تجدد الأعمال القتالية بأي ثمن    اتحاد طنجة يسقط أمام نهضة الزمامرة بثنائية نظيفة ويواصل تراجعه في الترتيب    السعودية تطلق أول مدينة صناعية مخصصة لتصنيع وصيانة الطائرات في جدة    الصين: "بي إم دبليو" تبدأ الإنتاج الضخم لبطاريات الجيل السادس للمركبات الكهربائية في 2026    الوزير يدعم المغرب في الحفاظ على مكسب رئاسة الكونفدرالية الإفريقية للمصارعة وانطلاقة مشروع دراسة ورياضة وفق أفق ومنظور مستقبلي جديدة    آزمور.. مولود نقابي جديد يعزز صفوف المنظمة الديمقراطية للشغل    غياب الإنارة العمومية قرب ابن خلدون بالجديدة يثير استياء وسط السكان    مناقشة أول أطروحة تتناول موضوع عقلنة التعددية الحزبية في المغرب بجامعة شعيب الدكالي    قاضي التحقيق بالجديدة يباشر تحقيقًا مع عدلين في قضية استيلاء على عقار بجماعة مولاي عبد الله    قطار يدهس رجل مجهول الهوية بفاس    نائب رئيس الكنيست الإسرائيلي يدعو إلى قتل الفلسطينيين البالغين بغزة    صدمة كبرى.. زيدان يعود إلى التدريب ولكن بعيدًا عن ريال مدريد … !    المغربي أحمد زينون.. "صانع الأمل العربي" في نسختها الخامسة بفضل رسالته الإنسانية المُلهمة    ترامب يهنئ المحافظين في ألمانيا    إسرائيل تنشر فيديو اغتيال نصر الله    جمال بنصديق يحرز لقب "غلوري 98"    نزار يعود بأغنية حب جديدة: «نتيا»    نجاح كبير لمهرجان ألوان الشرق في نسخته الاولى بتاوريرت    سامية ورضان: حيث يلتقي الجمال بالفكر في عالم الألوان    فقدان الشهية.. اضطراب خطير وتأثيره على الإدراك العاطفي    الشاذر سعد سرحان يكتب "دفتر الأسماء" لمشاهير الشعراء بمداد الإباء    فيروس غامض شبيه ب"كورونا" ينتشر في المغرب ويثير مخاوف المواطنين    التخلص من الذباب بالكافيين يجذب اهتمام باحثين يابانيين    رمضان 2025.. كم ساعة سيصوم المغاربة هذا العام؟    اللجنة الملكية للحج تتخذ هذا القرار بخصوص الموسم الجديد    أزيد من 6 ملاين سنتيم.. وزارة الأوقاف تكشف التكلفة الرسمية للحج    الأمير رحيم الحسيني يتولى الإمامة الإسماعيلية الخمسين بعد وفاة والده: ماذا تعرف عن "طائفة الحشاشين" وجذورها؟    التصوف المغربي.. دلالة الرمز والفعل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ضرورة إعادة هيكلة واشتغال منظومة المؤسسات العمومية في المغرب
نشر في تازا سيتي يوم 25 - 03 - 2013


د.حبيب عنون*


إذا كان الفكر الاقتصادي قد ابتدع في الأصل نمطين اقتصاديين بارزين للإنتاج الأول ليبرالي والثاني اشتراكي واللذان تم تنقيحهما فكريا وفق التطورات التي شهدتها مختلف اقتصاديات العالم، فقد حدد كذلك النماذج المؤسساتية المواتية لكل نمط منهما. وقد أفضت تطورات جل اقتصاديات دول العالم إلى تبني الليبرالية الاقتصادية والاحتكام إلى آليات السوق مع تقليص دور الدولة ومؤسساتها في المجال الاقتصادي. ويترجم هذا التقليص بعقلنة حجم وعدد ودور المؤسسات العمومية ليتم تدبير الاقتصاد الوطني استنادا إلى آليات السوق والقطاع الخاص مع إمكانية تدخل الدولة في حالة عجز آليات السوق عن تجاوز الأزمات التي يشهدها نمط الانتاج الرأسمالي من حين لآخر. إلا أن النموذج المغربي بالرغم من تأكيده على تبني هذا النمط الذي تحول إلى عولمة بسبب امتداده لجل اقتصاديات العالم، فإنه لم يستطع أن يجعل من القطاع الخاص وآليات السوق قاطرة لنمو الاقتصاد الوطني إذ لا تزال الدولة من خلال مؤسساتها العمومية هي المحرك الأساسي للاقتصاد الوطني. ويبق تحول الاقتصاد المغربي نحو هذا الاتجاه رهينا بنضج فعاليات المشهد السياسي التي لا تزال تتصارع من أجل ترأس أكبر عدد ممكن من المؤسسات العمومية غير مبالية لا بثقلها على ميزانية الدولة ولا بجدواها على الاقتصاد الوطني متناقضة في ذلك مع نماذج الدول الليبرالية المتقدمة. فإذا كان رئيس الحكومة المغربية قد أعد سياسية اقتصادية واجتماعية يتم تدبيرها من طرف 13 وزيرا فما الذي جعل هذا الرقم يرتفع إلى 32 وزيرا ؟ ما الذي يدفع شباط على الاصرار على تعديل حكومي كان في الأول آنيا تم بات مؤخرا مسكوتا عنه ؟ فزيادة 19 منصبا وزاريا ليس بالأمر الهين على ميزاية اقتصاد مغربي يزعم البعض أنه يمر بأزمة مالية. كل الأجوبة لن تصب إلا في اتجاه واحد يهم معيار الهاجس السياسي الحزبي والاستمرارية في تبنيه كقاعدة أساسية عند تشكيل منظومة المؤسسات العمومية في المغرب ولكن على حساب ما هو عقلاني اقتصادي.

1- هل التعديل الحكومي بات ضروريا أم مجرد "تقليد" عابر ؟
يستمد هذا التساؤل جدواه عقب الجدل، "القائم – الغائب"، حول التعديل الحكومي خصوصا بين بنكيران رئيس الحكومة وحميد شباط الأمين العام لحزب الاستقلال. وإذا كان حزب الاستقلال يلح على هذا السبيل بدعوى أن مردودية بعض وزراء هذا الحزب لم تكن بالمستوى المشرف للحزب فهذه شهادة من داخل الحكومة تعزز نعت المردودية الحكومية بغير الايجابية والتي تؤكد عليها أبرز فعاليات المشهد السياسي في المغرب. إلا أن الظرفية التي طرح خلالها حميد شباط فكرة أو ضرورة التعديل الجزئي أو "الرمزي" للتركيبة الحكومية والتي تأتي عقب توليه تدبير شؤون حزب الاستقلال علاوة على تصريحاته بكون الحزب لم يعد حزبا محتكرا على"العائلة الفاسية"، قد أصبغت على اقتراح التعديل الحكومي الطامح إليه حميد شباط، طابعا فاقدا لكل موضوعية ورزانة سياسية سواء اتجاه حزبه أو اتجاه الائتلاف الحكومي القائم. وبالتالي باتت طموحاته مجرد إثبات للذات ليس إلا. خصوصا وأن تعديل ثلاث مناصب وزارية لن يكون بضامن لتنشيط الأداء الحكومي وتسريع وتيرته. فما يفسر بطء وثيرة الأداء الحكومي هو أمر أكبر وأعقد من مجرد استبدال وزير بوزير (...) فالأداء الحكومي هوت فعالياته وخصوصا فعاليات حزب بنكيران في إشكالية كيفية التخلص من ملفات جد معقدة طرحتها عند بداية ولايتها أمام المواطن المغربي ولم تفلح في معالجة ولو ملف واحد منها لتلجأ لمصطلحات غريبة عن قاموس السياسة والتهديد بالنزول إلى الشارع (وهذه فتنة وحيرة يخوض فيها الحزب) لمواجهة من يعتبرونهم خصوما وما هم في واقع الأمر كذلك بل هم أولئك الذين سلبت منهم مطالبهم الاجتماعية والاقتصادية لضمها لخطاب سياسي وبرنامج اقتصادي مكن حزب المصباح "مرحليا" من ولوج تدبير الشأن العام.

2- لماذا تم طوي ملف التعديل فجأة ؟
من الأكيد أن كل متتبع لهذا الجدال حول مسألة التعديل الحكومي يرى أن حدته بين شباط وبنكيران بدأت تبهت: فهل اقتنع شباط بأطروحة بنكيران بعد تليينها والداعية إلى أنه لا تعديل حكومي إلا بعد الانتهاء من تنصيب المسؤولين الساميين ومدراء المؤسسات العمومية ؟ إذا كان هذا صحيحا واطمأن إليه شباط وحزبه فهذا يعني أن مطلبه بالتعديل لم يكن لا ضروريا ولا مستعجلا بل كان أمرا لا يعلمه إلا شباط وأولئك الذين ربما قد وعدهم بمناصب وزارية. وبالتالي فما وجب أن نستوعبه كمواطنين مغاربة أنه " لكل دعم جزاء " وان معيار العلاقات والزبونية يعلو عن الاهتمام بمصالح المواطنين أي أن ما هو سائد هو تجسيد لمبدأ "المناصب في المقربين أولى" وأن ما يدلون به في خطبهم وتصريحاتهم إنما وجب على المواطن المغربي أن يأخذ بجدية عكس ما يصرحون به لكي لا يفاجأ في ما بعد. من الطبيعي أن لا يكون المواطن المغربي على بينة مما يروج في كواليس من ينعتون بعضهم البعض ب"العفاريت" لأن هؤلاء لهم لغة وأساليب وأنماط تخاطب وتعامل خاصة بهم لا يمكن للمواطن الإنسان أن يستوعبها. ولكن فليطمئنوا لأن استغفال واستهبال المواطن المغربي لن يكون بدائم لأن من بين المواطنين "فقهاء" بإمكانهم "صرع هذه العفاريت".

3- لم لا يعوض التعديل الحكومي بفتح ورش إعادة هيكلة المؤسسات العمومية ؟

يطرح هذا التساؤل في زمن بات فيه تدبير الشأن العمومي، واقعه ومستقبله، وبالتالي إعادة النظر في هيكلة منظومة المؤسسات العمومية وشيه العمومية يفرض نفسه كورش وجب تعميق النقاش بشأنه بكل جرأة وعقلانية على ضوء التغيرات والتحديات المختلفة الجوانب التي يعيشها المغرب والتي باتت تتطلب ضرورة تغليب الجانب الاقتصادي العقلاني على الجانب السياسي. ولا يجب أن يفهم من هذا السبيل الرغبة في العدول عن ما هو حزبي سياسي لفائدة ما هو تقنوقراطي أو تركيبة بين هذين الأخيرين، فتطورات المشهد السياسي في المغرب بفعل مؤثرات داخلية وخارجية استقرت عند 2011 عند دستور ينتظر من مقتضياته أن يتم تدبير الشأن العمومي من طرف حزب سياسي أو توافق سياسي أهلته أو أهلتهم إرادة المواطنين المغاربة لذلك شريطة أن تكون فعاليات المشهد السياسي مؤهلة للقطيعة مع ممارسات التغاضي والتوافقات السلبية البائدة بغية تفعبل مقتضى المسؤولية والمحاسبة عند تأهيلها لتدبير مرافق الشأن العام. لا أعتقد أن الارادة السياسية وحدها قد تكون كافية لضمان تفعيل هذا السبيل لكون المسألة متعلقة بمدى نضج المشهد السياسي المغربي وبمدى الوعي بالأبعاد الايجابية من تخليق الممارسات السياسية لتكون الارادة السياسية تتويجا لهذا النضج. وما مضامين تقارير المجلس الأعلى للحسابات والمفتشية العامة لوزارة الداخلية إلا برهان على كون هذا النضج قد لن يكون لغد.

- لم الاستمرارية في إطفاء "الخصوصية السياسية" على المرفق العام ؟
إذا كانت المؤسسات العمومية تدرج إلى جانب باقي الفعاليات الاقتصادية كالمقاولات الخاصة والافراد أو العائلات و مؤسسات التمويل بشقيها البنكي وغير البنكي علاوة على المعاملات مع الخارج، فلكون هذه الفعاليات في مجموعها تساهم بما تنتجه في الناتج الداخلي الخام. فالطابع والدور الذي قد تكتسيه كل من المؤسسات العمومية والمقاولات الخاصة يختلف باختلاف طبيعة نمط الانتاج المعتمد في كل بلد. وبما أن المغرب يعتبر من الاقتصاديات الساعية تدريجيا إلى تبني نمط الانتاج الرأسمالي مع إدراج مصطلح "الاجتماعي" لتكون رأسمالية الكتل عوض رأسمالية الأفراد، فمن الموضوعي أن تواكب المؤسسات العمومية والمقاولات الخاصة هذا التوجه حتى نتجنب التناقض المعاش بين دور المؤسسات العمومية وتلك الخاصة وبين نمط الانتاج المراد اتباعه. ذلك أن المؤسسات العمومية وشبه العمومية نجدها أكثر وزنا وعددا وتحكما في تدبير جل القطاعات الحيوية مقارنة مع المؤسسات الخاصة.
إذا كان الفكر الاقتصادي في تعاطيه مع المؤسسة الخاصة ينص على ضرورة تطوير هيكلتها وحسن تدبير مواردها البشرية معنويا وماديا وكذا عقلنة تدبير مواردها المالية والاشتغال في إطار يتسم بالمنافسة والشفافية، فمن الواجب أن تنطبق نفس الخصوصيات على المؤسسات العمومية لكون الهدف هو في الأصل واحد إذ يكمن في بلوغ التميز. فإذا كانت المؤسسات الخصوصية تتنافس من أجل إنتاج منتوج مادي يميزها عن باقي المؤسسات، فالمؤسسات العمومية وجب أن تتنافس في إنتاج منتوج غير مادي متمثل في حسن خدمة المواطن. وإذا كان الهدف الطبيعي للمقاولة هو كسب الربح، فالهدف الطبيعي للمؤسسة العمومية هو كسب المواطن علما بأن من يدبرها هو مسؤول بات حزبيا وفق دستور 2011.

- حين توضع المؤسسة العمومية في وضعية "الشجرة التي تحجب الغابة"
لم يتم الحديث عن "كثافة الموظفين" داخل المؤسسات العمومية دونما الحديث عن كثرة المؤسسات العمومية؟ لم الحديث عن ضخامة كثلة الأجور دونما الحديث عن عدد وحدات المؤسسات العمومية وجدواها وجدوى ما تخصصه للتسيير والتجهيز؟ ما المعيار العلمي لتحديد عدد المؤسسات العمومية الضرورية لتنشيط الاقتصاد المغربي؟ ما المعيار المحدد للعدد اللازم للمؤسسة العمومية في غياب واختلالات ، كما أشار إليه المجلس الأعلى للحسابات، للهياكل التنظيمية؟ كيف يعقل في زمن ترشيد النفقات العمومية، أن ينتقل مراب السيارات العمومية من حوالي 40000 ألف سيارة للدولة في ظل حكومة التناوب لتصل اليوم إلى 140000 ألف سيارة مع الابقاء على تعويضات التنقل التي منحت إثر سحب سيارات الدولة؟ ذلك أن مسؤولي المؤسسات العمومية كل حسب درجة مسؤوليته، باتت لذيه تعويضات التنقل مكسبا لتضاف إليها بعد حكومة التناوب سيارة الدولة. أليس هذا بتبذير جلي يؤدي ثمنه المواطن المغربي في حين تتغاضى عنه حكومة بنكيران؟ تطرح هذه الأسئلة وأسئلة أخرى جوهرية لكون الحديث حول المؤسسات العمومية لا يطرح إلا من زاوية جزئية لا تتناول في الغالب سوى التقليص من "كثافة الموظفين"، بدعوى التقليص من كثلة الأجور. وما تم ابتداعه في هذا الاتجاه أمران: المغادرة الطوعية والتفكير في إعادة انتشار الموظفين. أما مصطلح تحديث المؤسسات العمومية فقد اختزل في محاولة تعميم الحواسيب وآليات مراقبة حضور الموظفين واستبدال مقرات عمومية (أو الابقاء عليها كملحقات) بتدشين مقرات جديدة وما لهذا من انعكاسات، لا تثار ولا يتم حتى الجدال بشأنها، على تضخيم مصاريف ميزانية الدولة. فتحديث تدبير منظومة المؤسسات العمومية وجب أن يهم بالدرجة الأولى إيجاد معايير علمية تمكن من إبراز جدوى وفعالية تواجد هذه المؤسسة أو تلك. ففي الوقت الذي نجد فيه دولا متقدمة تفوق نسبة ساكنتها نسبة ساكنة المغرب إذ تعتمد في تدبير شأنها العمومي على مؤسسات أقل عددا وكلفة، نجد الوضعية العكسية هي المميزة لمنظومة المؤسسات العمومية وشبه العمومية في المغرب. وبالتالي تطرح عدة تساؤلات وإشكاليات حول مدى إمكانية تفعيل البرنامج الاقتصادي والاجتماعي الحكومي الذي يتطلب تنسيقا محكما في مناخ يتسم ب: تداخل الاختصاصات وصعوبة اتخاذ القرارات الحاسمة، عدم الانسجام البين-حزبي من شأنه الغوص في حسابات حزبية ضيقة على حساب الانكباب على تفعيل ما من شأنه تنمية البلاد والرقي بالمستوى المعيشي للمواطن، صعوبة أو عرقلة إيصال وتفعيل توجيهات رئاسة الحكومة، صعوبة المراقبة الفعلية لهذه المؤسسات وبالتالي تغيب المحاسبة في جل الأحيان لتوصف تدقيقات المجلس الأعلى للحسابات والمفتشية العامة لوزارة الداخلية ب"الانتقائية" وما هي كذلك في واقع الأمر أمام العدد الهام للمؤسسات العمومية مقارنة مع ما تتوفر عليه هاتين المؤسستين من موارد بشرية، (...).

فإذا كان في وقت غير ببعيد تستند فيه هيكلة منظومة المؤسسات العمومية إلى توافق أو "تقاسم" حزبي وفق ما يزال ينعته البعض بوزن الأحزاب داخل المشهد السياسي، فهذا زعم بات مردودا على أصحابه ومتبنيه لكون المعيار الموضوعي لا يكمن في الوزن العددي أو الكمي للحزب بل في أهلية ومردودية من يؤهلهم الحزب لتدبير جانب من الشأن العام علاوة على الامكانيات والحاجيات الضرورية للبلد. فهذا سبيل بات بائدا ومتجاوزا في ظل مرحلة بات يتطلب فيها الاقتصاد الوطني الأهلية والجدية لتجاوز لا أقول تحديات الألفية الثالثة بل تجاوز الاقتصار على التفكير في بلوغ معدلات نمو، وما اقتصادنا على هذا النهج ببالغها، للتوجه نحو التفكير في بلوغ معدلات التنمية في وقت باتت دول أخرى تتبنى مؤشر الرفاهية.

4- البديل المقترح في مجال هيكلة واشتغال المؤسسات العمومية:

قد يعتمد في هذا الطرح مبدأ التفاعل الايجابي والمتين بين المجالس العليا المحدثة والفعاليات الحكومية كمنهج قويم للرقي بالاقتصاد الوطني المغربي وذلك من خلال تحديد ما يمكن اصطلاحه بالمؤسسات الوزارية البنيوية: وزارة التأهيل الاقتصادي - وزارة الحكامة المالية - وزارة العدل - وزارة الصحة - وزارة التعليم والتأهيل الفكري - وزارة التأهيل الصناعي والتكنلوجيا والطاقة والمعادن- وزارة التنمية الفلاحية وتأهيل الوسط القروي - وزارة التنمية البشرية والتشغيل - وزارة الخارجية والعلاقات المؤسساتية الدولية - وزارة الداخلية والحكامة المجالية - وزارة التنمية السياحية - وزارة تأهيل الثروات البحرية - وزارة الشؤون الاسلامية وتعايش الديانات - وزارة الدفاع الوطني - وزارة القصور والتشريفات والأوسمة إضافة إلى رئاسة الحكومة.

لن يكون لهذا النموذج التنفيذي وزراء منتدبين بل سيقتصر على كتاب عامين ومدراء ومندوبين للمصالح الخارجية بغية تجنب تداخل الاختصاصات والازدواجية في المناصب وتسهيل تمرير توجيهات ملك البلاد ورئاسة الحكومة وفق مقتضيات دستور 2011. لم تعد الظرفية الحالية تسمح بابتداع مناصب على "مقاس" الأحزاب إرضاء لها بل تماشيا وحاجيات المواطن والتي باتت فوق كل اعتبار سياسي ضيق. ما الجدوى من كثرة المؤسسات دون مردودية إذ أنها لا تزيد إلا في إنهاك ميزانية الدولة. وجب إذا اعتماد هيكلة لمنظومة المؤسسات العمومية وفق ما تتطلبه تنمية اقتصاد البلاد. علاوة على هذه الهيكلة المتجانسة مع بلد يسعى إلى ترشيد ميزانيته، فإن هذه المؤسسات لن تشتغل في عزلة بل بتنسيق تام ووطيد مع المجالس الدستورية المحدثة كالمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي ومجلس المنافسة والمجلس الأعلى للقضاء والمجلس الدستوري والمجلس الأعلى للتعليم (...) على أساس أن تقوم هذه المجالس الدستورية بإعداد الاطار العام على المدى المتوسط والبعيد الذي وجب أن يسلكه كل قطاع اقتصادي او اجتماعي أو سياسي على أن تقتصر الأحزاب عند تأهيلها لتدبير الشأن العام على تدبير قطاعاتها في إطار تشاوري بينها وفق ما اعدته المجالس العليا المعنية ليكون المبتغى هو تفادي التقلبات الفجائية أو الارتجالية التي تعيشها قطاعات الاقتصاد الوطني عند انتهاء ولاية أغلبية حزبية وقدوم أغلبية أخرى. فالمشاكل التي يعرفها مجال التعليم والتشغيل على سبيل الذكر هي في الأصل ناجمة عن هذه التغيرات المؤسساتية التي تترجم بقطيعة تامة بين ما تم اعتماده خلال ولاية معينة والولاية الموالية لها. أما الوضع الحالي فيجعل من تقارير ودراسات واستراتيجيات هذه المجالس مجرد توصيات ذات صبغة استشارية وغالبا لا تأخذ بعين الاعتبار من طرف الائتلاف الحاكم لكونه يعتبر نفسه أنه هو المسؤول سياسيا عن نتائج تجربته.

إذا كان نمط الانتاج الرأسمالي المتبني لليبرالية اشتغال الاقتصاد الوطني على أساس آليات السوق هو الوجهة التي يسير الاقتصاد الوطني اتجاهه، فمن الأكيد أن هذه الوجهة لا تتناغم لا مع عدد وحجم المؤسسات العمومية وما يتفرع عنها من مصالح ولا مع هيكلتها الحالية ولا مع كيفية اشتغالها ذلك أن النمط الليبرالي تكون فيه أليات السوق هي المدبرة والضامنة لتنشيط مختلف مكونات الاقتصاد الوطني في حين تكتفي المؤسسة العمومية بتوفير الأرضية القانونية الملازمة لقيام نشاط اقتصادي قويم علاوة على إنجازها لما هو خارج نطاق السوق أي ما هو اجتماعي. ففي هذا الاطار تطرح وبحدة ضرورة فتح ورش التفكير وابتداع هيكلة أمثل لمنظومة المؤسسات العمومية تكون بعيدة كل البعد عن التوافقات السياسية وقريبة كل القرب من الضروريات الاقتصادية والاجتماعية للمغرب.


* باحث في العلوم الاقتصادية والاجتماعية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.