مرت سنة على تنصيب حكومة عبد الإله بن كيران وهي لازالت لم تبارح مكانها، فبلغة المتفائلين لازالت تتلمس طريقها وبلغة المتشائمين لازالت تخبط خبط عشواء، وما بين متشائم ومتفائل ومتشائل تظل هذه الحكومة التي جاءت بعد ربيع عربي لم تينع ثماره في جميع البلدان التي مر منها أول حكومة كان لأصوات الشعب رأي فيها ولو نسبيا كما يقول أكثر المتشائمين.
ولئن كانت الحكومة المغربية الجديدة برئاسة حزب العدالة والتنمية ذو المرجعية الإسلامية جاءت في ظل حراك شعبي حمل الحزب الإسلامي إلى قيادة سفينة الحكومة وهذا سيناريو كان من المستبعد التفكير فيه نظرا لعدة اعتبارات، منها ماهو داخلي ومنها ماهو خارجي، إلا أن رياح الربيع العربي وانتفاضات الشعوب جرت بما تشتهيه سفن الإسلاميين، لكن الأمور لم تحسم لصالحهم لحد الآن، فلئن كانت صناديق الإقتراع قد اختارتهم فإنها خلقت لهم أعداء أكثر من ذي قبل، وفتحت عليهم جبهات وخلقت لوبيات تحاول جاهدة إسقاط تجربة الحكومة النصف ملتحية كما يطلق عليها أو على الأقل التشويش عليها.
ونظرا لعدة اعتبارات توحدت قوى المعارضة لإفشال تجربة الإسلاميين وارتكزت على عدة معطيات منها ماهو موضوعي ومنها ماهو غير ذلك، بل امتد الأمر إلى ظهور معارضة داخل الأحزاب المشاركة في الحكومة "حزب الاستقلال"كمثال.
لكن مع هذا الكم من المعلومات الرائج حاليا في الساحة السياسية حول تعديل حكومي يطالب به أمين عام حزب الإستقلال حميد شباط ومابين إسقاط الحكومة كما جاهر بذلك الأمين العام الجديد لحزب الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية إدريس لشكر وهو أكبر حزب معارض في المغرب ومتمنيات أحزاب أخرى تنتظر أول فرصة لإسقاط تجربة الحكومة الإسلامية كحزبي الأصالة والمعاصرة وحزب التجمع الوطني للأحرار تبقى جميع الاحتمالات واردة وجميع السيناريوهات ممكنة.
السيناريو الأول، إسقاط الحكومة: في حالة سقوط الحكومة وتولي أحزاب أخرى زمام السلطة في المغرب فإن لا أحد باستطاعته التنبؤ بما سيقع، سيما وأن جميع الأحزاب استهلكت سياسيا ولم تعد لها قاعدة شعبية يمكن الاعتماد عليها، بل وأن جميع الأحزاب دخلت تجربة حكومات سابقة ولم تحقق للمغاربة ماكانوا يطمحون إليه، وهذا الشيء الذي يجعل من حزب العدالة والتنمية الورقة الرابحة، على الأقل في الفترة الراهنة، وهذا ما يعرفه بن كيران ويجعله يزايد على خصومه بأن لا بديل له اليوم وأن حزبه هو حزب المرحلة، كما أن جميع الأحزاب التي من الممكن أن تنافس حزب العدالة والتنمية تعاني من ضعف كبير على مستوى أحزابها والدليل على ذلك ما وقع لحزب الإستقلال والاتحاد الاشتراكي بعد انتخاب أمينيهما العامين، حيث عرف الحزبين انقساما شديدا واتهامات بين أقطابه، الشيء الذي يجعل حزب العدالة والتنمية الحزب الأقوى حاليا في المغرب.
لهذه الأسباب وغيرها من المستبعد حاليا قيام هذا السيناريو الذي يعتبر مغامرة بمستقبل المغرب في ظل حراك لم يخمد أواره لحد الآن.
السيناريو الثاني، قيام انتخابات مبكرة وإعادة اللعبة من جديد:
هذا السيناريو إذا حدث فهو أيضا لا يمكن لأحد التنبؤ بنهايته، خصوصا في ظل التغيرات الحاصلة في الميدان السياسي، أولها أن حزب العدالة والتنمية لازال قوة لا يستهان بها ولازالت جميع أوراقه لم تحرق بعد، وهذا ما أفرزته الانتخابات الجزئية الأخيرة، حيث من أصل ستة مقاعد وقع التباري بشأنها حصل الحزب الإسلامي على أربعة منها، وهو فوز رمزي يمثل جسا لنبض الحزب الذي أبان بأنه لازال ينبض بشدة ولم يدخل مرحلة الاحتضار بعد، كما أن هناك معطى آخر متمثل في وفاة الأب الروحي والسياسي لجماعة العدل والإحسان عبد السلام يس، وهي أكبر جماعة إسلامية في المغرب، فلو تحولت الجماعة من جماعة غير معترف بها إلى حزب سياسي فإن ذلك من شأنه أن يخلط جميع الأوراق، حيث أن جميع الأصوات ستحصدها الأحزاب الإسلامية وتحصل على الأغلبية المريحة دون اللجوء إلى تحالفات هجينة كما يطلق على التحالف الحكومي الحالي، هذا دون أن ننسى جماعة أخرى إذا تم الترخيص لها والمتمثلة في التيار السلفي الذي لا يخفي بعض رموزه إمكانية إنشائهم لحزب سياسي، فذلك يعني أن الأحزاب الأخرى لن يبقى لها من حصة الأصوات إلا النزر اليسير، وسيدخل المغرب في دوامة أكبر من التي يدور في فلكها حاليا مع حزب إسلامي واحد.
هذا السيناريو هو الآخر مستبعد حاليا لأن الجميع لا يريد حدوثه خصوصا القوى العلمانية والحداثية التي تآكلت شعبيتها واضمحل خطابها ولم يعد يطرب الشعب، فإذا وقع هذا التكتل الإسلامي فمن الصعب أن يقف أمامه أي من الأحزاب. السيناريو الثالث، بقاء الحكومة الحالية وتقوية المعارضة: يبدو أن هذا السيناريو هو الأقرب للواقع، بل والعقلاني، لأن المعارضة الحالية تعرف أنها ليست بالقوة التي يمكنها أن تنافس حزب العدالة والتنمية حاليا، ومن الواجب عليها إصلاح الأعطاب التي تعتري أحزابها، وتوجه جهدها في خلق قوة معارضة ذات مصداقية يمكنها أن تقنع الشعب المغربي، وتخرج من دائرة المعارضة الحالية التي لا تركز على مصلحة البلاد بقدر ما تركز على التشويش على الحكومة من قبيل تسفيه جميع جهودها أو تحريك الأذرع النقابية التابعة لها لخلق قلاقل المغرب في غنى عنها، أو محاولة خلق البلبلة داخل البرلمان بإثارة قضايا لا تهم المغاربة من قريب أو بعيد، أو تسخير بعض وسائل الإعلام لإرسال رسائل مبطنة لتشويه سمعة الحكومة.
أما الحكومة يجب عليها أن تنتقل إلى السرعة القصوى في تنفيد ما وعدت به الشعب الذي صوت لها، وأن تخرج هي الأخرى من دائرة الحسابات الضيقة قبل أن تخرج الأمور من بين يديها، فالشعب قد يتفهم الأوضاع التي تمر بها البلاد لكنه صبره سرعان ما سينفد، وما المشاكل التي وقعت في مراكش مؤخرا إلا إشارة بسيطة لما يمكن أن يقع، ومن الواجب على حكومة بن كيران التقاط الإشارة والتحرك لاحتواء الأوضاع قبل فوات الأوان.
وفي الأخير نقول بأن أفضل سيناريو هو أن تتضافر جهود الحكومة والمعارضة لما فيه خير المغرب، فالوقت ليس وقت الصراع بل وقت العمل.
فالشعب يريد... حكومة قوية بصلاحيات واسعة، ويريد معارضة بناءة تؤازر الحكومة إن أحسنت وتقف لها بالمرصاد إن أساءت. الشعب لا يريد مغامرة مجهولة العواقب بمستقبله.