لم يعد مستبعدا ولا حتى مستهجنا في واقع تمدرسنا الحالي أن يفاجأ التلميذ – وقبله المدرِّس- بركام من الأخطاء المعرفية والمنهجية في الكتاب المدرسي، ذلك الكتاب الذي تصدره وزارة، ويكتبه فريق بحث مختص، ويُدَرَّسُ في ربوع دولة ! والأستاذ كل مرة يمرّر بصره على تلك الأخطاء يحاول أن يكفّ بصيرته عنها، وأن يخرس فضوله العلمي عن التعمّق في شأنها...ولربما منعه من بيانها للتلميذ اشتغاله بضبط جيوش أفراد القسم وقد اصطفت أمامه، ثم مسؤوليته عن تبليغ الكم الهائل من المعارف التي قد سُطِّرَت بين يديه. ولكن المتأمّل في كمّ هذه الأخطاء ونوعها يجعله يتحيّر ويخجل إلى حدّ العضّ عن الأنامل، أيظهر عيوب الكتاب إلى التلميذ على هون، أم يدسّها لهول وقعها عليه ؟! وللإشهاد على صدق ما أقول أقدّم للقارئ الكريم هذه المراجعة العلمية لكتاب (منار التربية الإسلامية للسنة الأولى بكالوريا/جميع الشعب) وهي مراجعة قصدت منها التنبيه على بعض ما شابه من أخطاء معرفية ومنهجية دون سواها من الاختلالات التربوية والانزلاقات الفكرية. ولنبدأ بكلمة شكر وتقدير وامتنان للجنة التأليف الموقّرة، فإنها – بلا ريب - بذلت في صوغ محتويات هذا الكتاب – من جمله الأوّل إلى إخراجه الفني – من الجهد الفكري والبدني ما لا يعلمه – بعد الله تعالى - إلا هم، وكل ابن آدم خطاء . وما أود أن أشير إليه هنا إنما هو جزء من كل، ووقوف عند جليّ الأخطاء لا ما يقبل منها التأويل. أولا: على المستوى المعرفي: الخلط بين المصطلحات والمفاهيم: ومثاله: الخلط بين مصطلحي التواصل والحوار، وهو خلط بيّن الظهور بالغ الأثر، خاصة وأن كل واحد من المصطلحين جُعِل الجزء الأهم من عنوان درس مستقل، الأول (قيم التواصل وضوابطه، ص: 12) والثاني (من أساليب الحوار في القرآن الكريم والسنة النبوية، ص: 21) والمتأمل لعبارات الدَّرْسَين المدقق في معانيهما يتحصّل لديه أن الكتاب ينظر إلى مصطلحي التواصل والحوار بثلاثة منظورات متناقضة، وهي: - النظر الأول: أن التواصل والحوار مترادفان. ويشهد لهذا الإطلاق في الكتاب أمور منها: 1. 1. الأول: تعريف التوصل بأنه (نشاط شفهي أو كتابي، يتم بتبادل الأفكار والآراء والمعلومات عن طريق الإرسال والاستقبال، بواسطة نظام من الرموز متعارف عليها...بحيث تؤدي إلى حدوث نوع من التفاهم بين الطرفين مما يترتب عليه تعديل السلوك.ص:13)[1] ثم تعريف الحوار بأنه ( تفاعل لفظي أو غير لفظي بين اثنين أو أكثر بهدف التواصل وتبادل الأفكار وتكاملها. ص: 22) فإذا نظرنا إلى صدر التعريفين نلمح تكلّف لجنة التأليف في تغيير الكلمات، وتمحّلها في تجنّب تكرارها، عسى بذلك أن تحصّل بعض وجوه المفارقة – ولو شكليا- بين التواصل والحوار، وهو تكلّف لا يُغني وما ينبغي...ولعل الجدول الأتي يوضح بعض هذه التقابلات الموهمة للتباين، الناطقة بالتقارب إلى حدّ الترادف: التواصل الحوار - نشاط. - شفوي. - كتابي. - بين الطرفين. - حدوث نوع من التفاهم. - تفاعل. - لفظي. - غير لفظي. - بين اثنين أو أكثر. - بهدف التواصل. 1. الثاني: العبارة الواردة في خانة أحلل، ص:23، وهي ( أستنتج قيم الحوار وضوابطه من الحديث.) وهي عبارة مشعرة بأن الذي سيقوَّم – وهو التلميذ طبعا – قد اطّلع على قيم الحوار وضوابطه، غير أن واقع الكتاب يحوي خلاف ذلك؛ لأن ما درسه التلميذ هو قيم التواصل وضوابطه، أما الحوار فقد عرض الكتاب لأهم أسسه ومرتكزاته وأنواع أساليبه...وعليه فلا يُفْهَمُ من هذا الإطلاق إلا حصول الترادف بين التواصل والحوار. 2. الثالث: السؤال الذي جاء عقب العبارة المذكورة ص:23، وهو (يشير الحديث إلى بعض العوائق التي تحول دون تحقيق أهداف الحوار، فما هي؟) والذي درسه التلميذ واستقرّ في خلده هو "عوائق التواصل" لا " عوائق الحوار" وهذا إقرار بترادف المصطلحين، إذ لا يصحّ هذا الإطلاق إلا باصطحاب معنى الترادف.
- النظر الثاني: أن التواصل وسيلة والحوار غايته. ويشهد لهذا النظر أن الكتاب المدرسي قد ذكر من أهداف التواصل (إنشاء علاقة تسمح بالحوار، ص:13) - النظر الثالث: أن الحوار وسيلة لتحقيق التواصل. ويؤكد هذا النظر كون الكتاب المدرسي قد ذكر من أهداف الحوار (تحقيق التواصل والتفاهم، ص: 22) ! كما تم التصريح بهذه العلاقة الوسيلية عند تعريف الحوار اصطلاحا، فقد جاء في الكتاب أنه (تفاعل لفظي أو غير لفظي بين اثنين أو أكثر بهدف التواصل وتبادل الأفكار وتكاملها. ص: 22) والحاصل أن الإطلاقات الثلاثة المذكورة يبعد بعضها عن بعض إلى حدّ التعارض والتناقض، ولا يستطيع الأستاذ الجمع بينها إلا بأحد أمرين: الأول: أن يغيّر في بعض مادة الكتاب المعرفية، وهو أمر متعذر لتوحّد الاستحقاقات الجهوية في المادة. الثاني: التكلف في تأويل بعض العبارات، وهو تكلف يلمحه النجباء من التلاميذ، ولا ينبغي أن يرتضيه الأستاذ. الثالث: بيان الصواب، والسير على وفق ما في الكتاب، وهو أمر يعثر مسيرة الدروس، ويفقد التلميذ ثقتة بمحتوى الكتاب المعرفي جملة، إن لم يشوش على حصيلته التعليمية.
توريث من لا يرث: (ص، 116) ذُكر أصحاب السدس، ومنهم بنت الابن، جاء في الكتاب (وتأخذه إذا اجتمعت مع البنت الواحدة ) وهي قاعدة صحيحة، ولكن الخطأ وقع عند التمثيل لها؛ حيث ورد في المثال (بنتان، بنت ابن، زوج) وهو مثال خاطئ؛ لأن بنت الابن لا ترث مع وجود المتعدد من البنات لاستيفائهن 3/2، فتحجب حجب استغراق، والصواب أن يكون المثال كما يلي (بنت، بنت ابن، زوج) فتأخذ البنت النصف، وبنت الابن السدس – تكملة للثلثين – والزوج الربع.
عدم استيفاء الشروط اللازمة: ومن ذلك ما وقع في (ص: 116) حيث ذكر من أصحاب السدس (بنت الابن)، وجاء في شرط ميراثها له أن تكون (مع بنت واحدة، وأن لا يكون معها ابن ابن في درجتها...) وهذا الشرط الأخير غير صحيح، بل فيه تضييق، والصواب أن يقال (...في درجتها أو أسفل منها درجة.)
الخطأ في التمثيل: ومن ذلك ما وقع في (ص: 116) حيث ذكر من أصحاب السدس (الأم) وأن شرط ميراثها له ( وجود فرع وارث، أو جمع من إخوة أشقاء أو لأب أو لأم، وارثين أو محجوبين.) وهذا صحيح، ولكن وقع الخطأ في التمثيل حيث ذكر (أب – ابن – زوجة) ولم تذكر الأم التي هي محلّ الدرس، والصواب ( أم – ابن – زوجة)
الخطأ في التعريف: مثاله (عقد الإجارة ) (ص: 88): حيث جاء في الكتاب أنه (عقد على منافع شيء أو أشياء، مدة معلومة، بعوض معلوم.) وهو تعريف للكراء، لأن الإجارة خاصة بأفعال الآدميين، والشائع استعمالها على منافع الأشخاص دون سائر الذوات، وهو رأي جمهور الفقهاء الحنفية والمالكية وأكثر الشافعية والحنابلة. وقد خصص المالكية لفظ الإجارة بعمل الأشخاص، وعبروا عن الإجارة الواردة على الأعيان بالكراء، فقالوا: الإجارة تطلق على منافع من يعقل، والكراء يطلق على العقد الوارد على من لا يعقل.
الخطأ في التصنيف: مثال 1: (ص:75) حيث ورد في عبارة (...العقود العوضية والتبرعية والوصايا وتوزيع التركات) مما يشعر بأن الوصايا ليست تبرعات..؟ والصواب خلاف ذلك. مثال 2: (ص:94-95) حيث ذكر (الوقف) و (العارية) ضمن عقود الهبات – وهي التي يقع فيها التنازل عن ملكية الشيء- مع أن كلا منهما تبرع بمجرّد المنفعة !! الأوّل على وجه الدوام والثاني على وجه مؤقت، فيكون الصواب ضمّهما إلى جنب عقود التفضّل.
ثانيا: على المستوى المنهجي: الإسهاب في موضع الإيجاز: الأصل في الكلام الإيجاز، ولا ينحى به المتكلم جهة الإسهاب إلا لحاجة؛ كتوضيح المشكلات، وإظهار المزيات، وتخصيص العمومات، وتقييد المطلقات...ونحو ذلك مما هو معلوم في قوانين اللغة وأدبياتها. ويفهم من هذا أن الإطناب لغير داع معقول تأنفه العقول الراجحات وتملّ سماعه الآذان المصغيات. ومن أمثلة ما وقع من ذلك في الكتاب ما يلي: - أشكال التواصل: حيث تم تقسيمها (ص:14) إلى ثلاثة أشكال هي: التواصل بين الأفراد/ التواصل مع الجماعات المحدودة/ التواصل الجماهيري. ثم تم التطرق إلى بعض تفاصيل كل نوع على حدة، وذكر نماذج له...مع أنها أشكال معلومة بالضرورة، مألوفة بالبداهة، فلا حاجة إلى الخوض في تفاصيل لا ينبني عليها عمل، لأنها في هذا المقام – مقام التعليم – لا تعدو أن تكون كلفة للتلميذ ومسؤولية للأستاذ، وقد نظم ابن مالك في جواز الحذف عموماً قاعدة كليّة فقال: وحذفُ ما يُعلَمُ جائزٌ كما تقول: [زيدٌ]، بعدَ [مَن عندكما] - أنواع وسائل الإعلام: فالمفترض في التلميذ الذي يدرس في السنة الأولى بكالوريا أنه على علم بالتصنيف الكلاسيكي لوسائل الإعلام " السمعية البصرية، ثم السمعية، ثم المقروءة." وبذلك تزول الحاجة إلى هذا ومثله. شدة الاختصار عند الحاجة إلى البيان: ومن ذلك ما ورد في الكتاب (ص:104) خانة أدعم مكتسباتي، حيث ذكرت (الحقوق المتعلقة بالتركة) بشكل موجز، وبلغة قانونية صِرْفَة[2]، والحقّ أن النص المَسُوق أحوج إلى البيان في ذاك المكان، وهذا متنه: " تتعلق بالتركة حقوق خمسة تخرج على الترتيب التالي: 1. الحقوق المتعلقة بعين التركة. 2. نفقات تجهيز الميت بالمعروف. 3. ديون الميت. 4. الوصية الصحيحة النافذة. 5. المواريث بحسب ترتيبها في هذه المدونة." (ص:104) فالتلميذ يسمع لأول مرة بالحقوق المتعلقة بعين التركة ! فوجب بيان ذلك...وديون الميت على نوعين هما "ديون الله تعالى وديون العباد" فوجب بيان المراد منهما، وأمثلتهما، وأيهما أولى بالإخراج من الآخر عند التزاحم...ووصف الوصية بالصحيحة النافذة مفتقر إلى بيان شروط صحّتها وأحوال إنفادها... والحاصل أن موضوع الحقوق المتعلقة بالتركة أنسب له أن يجعل موضوع درس مستقل من الدروس التطبيقية. - (ص: 116) حيث ذكر الجد، ثم قيل ( إذا كان مع إخوة أشقاء أو لأب، وكان الثلث أوفر له.) فالتلميذ لا يعلم معنى ( الثلث أوفر له )، ولا هو درس باقي أحوال الجد في الجملة، ولا أُمِدّ بقواعد معرفة الحظ الأوفر للجد...فكيف يفهم ما سيق له من الكلام حول ذلك ؟ السكوت عن البيان في معرض الحاجة إليه: ذُكر من أهداف التواصل (التأثير في الآخر، ص: 14) والحق أن يقال (التأثير في الآخر أو التأثر به)؛ لأن الذي يتواصل مع الناس إما أن يكون قصده التأثير في الآخر، وإما أن يكون مراده التأثّر به؛ كمن يسأل العلماء، أو يصاحب الفضلاء، أو يجالس الأتقياء، أو يتتبع سيّر الحكماء...فإن قصده بالأصالة التأثّر بهم لا التأثير فيهم. وقد يكون القصد التأثير والحاصل منه التأثر، والعكس واقع أيضا. عدم ضبط المصطلحات: - (ص: 129) في خانة أركب (ماتت امرأة عن جدتين وثلاث أخوات شقيقات...) فوجب تقييد لفظ الجدتين بالجهة والدرجة؛ كأن يقال مثلا ( أم أم – وأم أب ) أو ( أم أم أم – وأم أب ) أو ( أم أم- وأم أب أب ) ونحو ذلك من العبارات المقيدات، لأن الجدة القريبة من جهة الأم تحجب البعيدة من جهة الأب، والعكس لا يقع صحيحا. عدم تناسب الأمثلة وسياقات الدروس: مثال 1: (ص: 93.) حيث استهل درس العقود التبرعية بنص من نصوص الإرث، وهو الجزء الأخير من الآية 12 من سورة النساء ( وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة...) وهو نص مشوق مشوش، مشوق لدروس الإرث، ومشوش لعملية التعلم؛ وذلك لما يتضمّنه من معارف دقيقة لعلم الميراث، مع أنه لم يُسَق لهذه الغاية، بل لتحصيل عقدين من العقود التبرعية الواردة فيه وهما (الوصية والدَّيْن). وهو أمر ممكن تحقيقه بالرجوع إلى رحاب نصوص الشريعة -قرآنا وسنة- وتحصيل ما يناسب من النصوص المختصرة البيّنة الفائضة بأنواع العقود التبرعية، وفي هذا متسع للأمر الأول.
مثال 2: ليس عيبا منهجيا أن يعرض الكتاب للتلامذة واقعة افتراضية لإشهادهم على (أركان الإرث) فيعرفونها نظريا وعمليا في آن واحد، وهي (الوارث، والمُورث، والشيء الموروث)، ولكن من غير المناسب أن يُساق لهذا الغرض مثال يتضمّن (أصل) المسألة، و(سهام) الورثة، بل وأكثر من ذلك أن يكون في المسألة (ردّ)...وكل هذه المصطلحات –المتجسدة في صورة أرقام- تُعْتَبَرُ عنصرا مشوشا للسير الطبيعي للدرس، وهو تشويش يزداد كلما ازداد تركيز التلاميذ وعلت درجة نباهتهم، مما يضع الأستاذ أمام خيارين اثنين هما: الأول: إشباع نهم التلاميذ المعرفي؛ ويكون ثمن ذلك - بالضرورة - التأخر في إنجاز مراحل الدرس. الثاني: إسكاتهم بأدب –إن لم يتحوّل إلى إخراس- ، مع بقاء بال التلميذ مشغولا، وهو ما كان تلافيه ممكنا لو حسُن اختيار المثال منذ البدء، كأن يساق النموذج الآتي مثلا: توفيت أم وتركت ابنا وبنتا، وخلفت 300000 درهما. فكان للابن منها ضعف أخته " فأخذ الابن 200000 وأخذت البنت 100000. دون وضع ذلك في جدول مزين بأصل المسألة، وسهام الورثة، وأرقام عول أو ردّ.
مثال 3: كما في النص (ص:103) وهو أول نص من الدعامات التربوية في دروس الإرث، حيث ورد فيه ذكر أشياء لم يدرسها التلميذ بعد، ويفترض فيه عدم العلم بها لأنها من خواصّ علم الفرائض، ومن ذلك: - ذكر أنواع من الإخوة: كما في عبارة (أخوات من أب وأم، وإخوة وأخوات لأب). - ذكر فرض من فروض الإرث الستة (الثلثين). - ذكر ما يومئ إلى التعصيب: كما في عبارة (...وما بقي فللذكور دون الإناث) فكيف يذكر ذلك لتلميذ لم يدرس بعد أنواع الإخوة ( الأشقاء، ومن الأب فقط، ومن والأم فقط) ومن منهم من أصحاب الفروض ؟ ومن من أصحاب التعصيب ؟ ولا علم له بمعيار قوة الترتيب، ولا من أين جيء بالثلثين، ولا بأسباب الإرث ص104، ولا بأركانه ص:105، ولا بشروطه ص:105-106، ولا بموانعه ص:106، ولا أنواع الورثة ص:114، ولا الفروض ولا أصحابها ص: 116...وهلم جرا. سوء الترتيب: - تأصيل الفريضة: حيث جعل الدرس الخاص بتأصيل الفريضة آخر درس من الدروس التطبيقية تحت عنوان ( الأنظار الأربعة، ص:129) مع أن صفحات الكتاب قبل ذلك طافحة بالعديد من المسائل المؤصلة !!!
تقويم ما لم يعلّم: (ص: 119) حيث جاء في خانة أقوم تعلماتي: أستخرج أصل الفريضة، ثم أحدد أسهم الورثة في المسائل التالية: - زوجة وأبا وبنتا. - زوجة وأبا وابنا. - أما وأبا وابنا. فلا يستقيم السؤال والتلميذ لم يدرس بعد (الأنظار الأربعة) التي تستخرج بها أصول الفرائض، كما أنه لا يدري معنى (الأسهم) بعد، فكان الصواب أحد أمرين: إما أن يؤجل هذا التقويم إلى ما بعد الدراسة النظرية المستوفية للموضوع، وإما أن يبدّل عنوانه إلى (أستعد) بدل (أقوم تعلّماتي) كما في الكتاب، على أنه استعداد سيكون فيه – على المتعلم – كلفة ومشقة. تفريق ما حكمه الجمع: وفيه مسائل نذكر منها – في قضايا الإرث – العول والردّ والتصحيح، والوصية الواجبة، والتنزيل، ولنمثل لبعضها: * أولا: العول. حيث ذكرت له ثلاث مسائل متفرّقة، الأولى في (ص: 125)، والثانية في (ص: 129-130)، والثالثة في (ص: 130). دون ذكر التعريف الاصطلاحي للعول، ولا سبب تسميته، ولا أحوال وقوعه، ولا الحكمة التشريعية المرجات من ورائه... * ثانيا: الردّ. حيث ذكرت له مسألتان متفرّقتان، الأولى (ص: 105)، والثانية (ص: 134)، وما ذكرناه عن العول يصحّ تنزيله على الردّ بالتمام. * ثالثا: التصحيح. وقد وردت فيه مسائل عدّة، منها المنكسر على حيّز واحد كما في (ص: 128)، ومنها المنكسر على ثلاثة حيّزات كما في (ص: 129-130 وص: 131) والصواب أن ينتقل بالمتعلم من المبسط إلى المعقّد، ومن المنفك إلى المركّب وفق منهج تعليمي تصاعدي تراكمي؛ فلابد من ذكر الانكسار في مسألة واحدة، ثم مسألتين اثنتين، ثم ثلاث مسائل، مع التنبيه على أن ما فوق الثلاث من الانكسارات المحتملة حكمه حكم الانكسار في ثلاثة مواضع، وعلى أن يُشْفَعَ كل مثال بذكر قاعدته الناظمة له، دون الغفلة عن إتباعه في موطنه بالتطبيق المناسب. والصواب في القضايا الثلاث ( العول والرد والتصحيح) أن يجمع شتات كل واحدة، ويجعل له درس تطبيقي خاص، مثل " العول والرّد وتطبيقاتهما" في الأولى والثانية، و" تصحيح المسائل المنكسرة وتطبيقاته." في الثالثة. ومثل هذا الذي ذكرنا يصدق على (الوصية الواجبة.) و ( التنزيل.) فيقاسان عليها تجنبا للإطالة. الإيهام بالوقوع في الأخطاء والأوهام: ومن ذلك ما جاء في درس الاختلاف وآدابه وتدبيره، وبالضبط عند الحديث عن (آداب تدبير الاختلاف)، فقد تمّ تقسيمه إلى قسمين، تدبير الاختلاف في العقيدة، ثم تدبيره في الاجتهاد. وخلاصة ما ذَكَرَهُ الكتاب (ص: 34-35) ما يلي: من آداب تدبير الاختلاف في العقيدة. من آداب تدبير الاختلاف في الاجتهاد. - الاعتراف بحق الآخر الاختلاف. - اعتماد الوسائل السلمية في التواصل مع الآخر. - التسامح مع المخالف. - الاحتكام إلى القرآن الكريم والسنة النبوية. - الإخلاص لله تعالى والتجرد من الأهواء. - القبول بالحق والتحرر من التعصب. - إحسان الظن بالآخرين. - ترك الطعن والتجريح. - التعاون في القضايا المتفق عليها.
وظاهر هذا التصنيف يوحي بأن المسلم ليس له أن يعترف لأخيه المسلم بالحق في الاختلاف، ولا أن يعتمد معه الوسائل السلمية في التواصل، ولا أن يتسامح معه !! ومن جهة أخرى يوهم ظاهر التصنيف بعدم لزوم إحسان الظنّ بالمخالف في العقيدة، ولا التعاون معه -ولو في القضايا المتفق عليها- وجواز طعنه وتجريحه...!! وهذا كلّه خلاف ما صرّح به القرآن ونطق به خير الأنام عليه الصلاة والسلام... وتمتد آثار الإيهام المذكور إلى أن تشمل (عملية التقويم)، لأنه يفقدها صفة الضبط، ويصيّرها قابلة للتأويل، ولنفترض لذلك سؤالين اثنين، ثم نناقشهما: السؤال الأول: تأمّل الوضعية الآتية ثم أجب عن السؤال بعدها: بينما أنت ووالدك يوما مع على متن القطار كان جليسك بالجنب شابا فرنسيا مسيحيا، فداولته الكلام، وسألك عن الإسلام، فاتفقتم على أشياء، واختلفتم في أخرى... - السؤال: اذكر واحدة من الآداب التي سخّرتها في تدبير اختلافك معه. - جواب مفترض: من الآداب التي عوّلت عليها في تدبير اختلافي معه هي: التعاون في القضايا المتفق عليها. تعليق: هذا الجواب المفترض مرفوض – بحسب تصنيف الكتاب –، لأن التلميذ ذكر واحدة من آداب تدبير الاختلاف في الاجتهاد في معرض الحديث عن سبل تدبير الاختلاف في العقيدة. والجواب في واقع الحال صحيح، لأن التعاون في القضايا المتفق عليها يشمل الموافق في الملة والمخالف أيضا. فكيف يصنع الأستاذ. السؤال الثاني:( ولنفترض أنه سؤال مباشر.) - املأ الجدول بما يناسب: من آداب تدبير الاختلاف في العقيدة. من آداب تدبير الاختلاف في الاجتهاد. - ............................... - ............................... - ................................... - ................................... - جواب افتراضي: من آداب تدبير الاختلاف في العقيدة. من آداب تدبير الاختلاف في الاجتهاد. - ترك الطعن والتجريح. - التعاون في القضايا المتفق عليها. - اعتماد الوسائل السلمية في التواصل مع الآخر. - التسامح مع المخالف. - تعليق: فحسب ظاهر الكتاب يكون التلميذ قد عكس الإجابة بالتمام، فيعتبر الجواب – بمعيار الكتاب دوما- خاطئا !! وواقع الأمر أن التلميذ لم يجانب الصواب، لأن ما ذكره لا يخالف مقاصد ومكارم شريعة الإسلام بحال من الأحوال، بل يخدمها ويسير على وفق نسقها.
بقلم الدكتور هشام تهتاه. البريد الإلكتروني: [email protected] ------------------------------------------------------------------------ [1] - وهو تعريف قابل للاختصار كما ترى. [2] - لأن النص مصور عن فصول مدونة الأحوال الشخصية المغربية.