لماذا لا تكشفون حقيقة ما يقع داخل جمعية تصفية الدم بتازة؟ لماذا لا تستفسرون عن ما حل بمجلس رعاية العمل الاجتماعي والثقافي لمدينة تازة ؟ لماذا لا تكتبون عن هفوات و منزلقات المجالس المنتخبة بتازة؟ لماذا لا تفضحون مسيري الشأن المحلي و بعض رجال السلطات المحلية الذين أصبح هدفهم الأول والأخير تكديس الأموال على حساب بؤس الآخرين بتازة ؟ و لماذا تصمتون عن تقييم أداء الأحزاب السياسية بالإقليم التي لم تلتزم بما جاء في برامجها الانتخابية بتازة؟ و لماذا تجتنبون الحديث عن البرلمانين ممثلي إقليمتازة؟ ....تازة ...تازة...هل تخافونهم أم ماذا؟ كان هذا، كلام ورد على لسان أحد المواطنين، اتصل بي مؤخرا وهو يتساءل بحرقة لماذا لا نكتب عن أشياء كثيرة تشغل بال الرأي العام المحلي، و بالرغم من محاولتي امتصاص غضب المتصل بوضعه في الإطار العام الذي يحكم الصحافة بالشأن المحلي و يخول للصحفي ممارسة سلطته الرمزية، إلا أن ذلك لم يقنعني شخصيا حيث كنت متحفظا فيما قلت له، فقررت بعد هذه المكالمة أن أكتب شيئا أوضح فيه لماذا لا نكتب أو بمعنى أصح لماذا لا يمكننا أن نكتب؟ و ذلك من منطلق تجارب شخصية عايشتها بما يقرب من السنتين بالممارسة فيما يسمى بمهنة المتاعب، أو اضطلعت عليها من تجارب زملاء صحفيين لهم من الحنكة و المهنية ما يستدعي الاقتداء بهم... فأول جواب يحضر ببالي شخصيا، عندما يسألني أحد لماذا لا أكتب عن هذا الموضوع أو ذاك؟ فالصحافة علمتني الاستقامة في التفكير و القول، كما علمتني أن التزود بحيثيات الموضوع طريقي إلى كتابة حقيقة نسبية، باعتبار ما سأكتبه ليس بالحقيقة الكاملة لكن يُنتظر منه مُجانبة الصواب، كما علمتني أن الخطأ في هذه المهنة باهظ الثمن، إذ يبقى عالقا في أذهان الناس عكس الصواب الذي لا يتذكره أحد مهما كانت قيمته، كما علمتني بأن ليس كل ما يصل لعلمي ينشر !!! و الأهم من ذلك أنني لست كاتبا عموميا أو بائع حروف يعرض ما سيكتبه لمعدل الفائدة و لمؤشر مازي أو مادكس... أما ثاني مسألة فهي طبيعة العلاقة المركبة التي تربط الصحافة ببعض المسؤولين بتازة "إذ تشوبها نوع من الشبهات عند البعض" من جهة، و كذا نوع العلاقة المعقدة التي تربط بين الصحافة و المصادر من جهة أخرى، بالرغم من كون هاذين العاملين يتبادلان الكثير من التأثير و التأثر بحكم كون المصدر يكون في معظم الأحيان يمارس مسؤولية ما، و من هنا قد نقرأ مثلا في بعض الأخبار "أفادت مصادر موثوقة، مضطلعة، عليمة.." أو "وقد صرح مسؤول رفيع المستوى لم يرد الكشف عن اسمه" مع أن الجملة الأخير تضحكني لكون هل هناك مسؤول بتازة لا يريد كشف اسمه أو ذكر اسمه في خبر صحفي (...)؟ و بالتالي للرد عن سؤال لماذا لا أكتب أو نكتب؟ يفترض من الصحفي المستقل (؟) التوفيق بين الضوابط الصحفية المتعارف عليها و انشغالات الرأي العام و كذا انتظاراته البعيد كل البعد عن الأخبار التي تبتدىء بالجملة التقليدية (نظمت، ستحتضن....)، دون نسيان حلقة الوصل التي تخول للصحفي ممارسة دوره كسلطة رابعة داخل المجتمع من خلال كتابته و انتقاداته التي غالبا ما يكون الهدف منها بالأساس تنوير الرأي العام، و ليس إعطاء حق أو محو باطل، أو توجيه لوم أو أصابع الاتهام، لأن هذا من اختصاص الوكلاء العامون والقضاء. و عليه في غياب حلقة الوصل التي لا تعدوا أن تكون في صيغة شكاية، بيان، بلاغ، مراسلة، حكم قضائي... يبقى السبيل الوحيد أمام الصحفي الملتزم بالضوابط و الأسس الصحفية و خاصة القانونية منها هو البحث عن مصادر ( مسؤول) لإضفاء نوع من الشرعية عن ما سيكتبه تحت غطاء السلطة الرابعة، غير ذلك سنكون أمام خبر أو مقال إنشائي في قالب سردي يترك فيه العنان لمخيلة الكاتب الذي لا تبخل عنه قريحته الأدبية بمعطيات و أرقام لا تمت للحقيقة بصلة (...)، لكن بسلوك للصحفي لطريق المسؤولين (المصدر) تجده أمام: - الفئة الأولى: تؤمن بما يعرف بالتواصل البعدي، حيث ترفض أن تمد الصحفي بالمعلومات أو أن تجيب على تساؤلاته أو استفساراته، لكن بمجرد نشره الخبر أو المقال، تتصل به مباشرة لتخبره أنه قد تسرع نوعا ما فيما نشر، وقد كانت الابواب مفتوحة لطلب المعلومة الصحيحة... أو ترسل بيان حقيقة أو بيان توضيحي معزز بكل المعطيات و مختوم في أخره بجملة "لجنابنا الحق في طرق باب القضاء" بل قد تاخد زمام المبادرة و تطرق فعلا باب القضاء من اول فرصة لأنها أصلا لا تؤمن بحق الرد و الجواب و لا تبحث عنهما، ما دام هدفها محصور في سحب بساط المصداقية عن أخبار الصحفي و بالتالي الجريدة، و هذا النوع خطير جدا عن السلطة الرابعة و غالبا ما يجيد احترافه على السبيل الذكر لا الحصر أرباب المقاولات الكبرى، البرلمانيون، روؤساء الجماعات... - الفئة الثانية: لا تقل خطورة عن سابقتها، و هم فئة المسؤولين الباحثين عن تعديل موازين القوى لما يخدم مصالحهم الظرفية داخل النسق العام، حيث لا تتوانى على تسريب معطيات دقيقة في ظاهرها سبق صحفي لكن في باطنها رسالة مبيتة لجهات أخرى، بمعنى أنها قد تعمل على تسريب المعلومة كاملة للنشر، أو تكتفي بجزء منها و بالتالي لا تصلح أبدا للنشر، ليبقى الغرض منها فقط ابلاغها لعلم جهات أخرى في إطار البحث عن البقية و ما في ذلك تحذير و ترهيب (الصحافة دخلت على الخط)، وإذا لم يكن الصحفي فطنا في الحالة قد يتحول إلى "عميل" دون أن يدري، و هذا النوع تجيد احترافه السلطات المحلية بمختلق تلاوينها و كذا المنتخبة التي تحكمها دائما الحسابات السياسية، و للتدليل على ذلك كم من معطى سرب هذه السنة للصحافة الاليكترونية عن اجتماعات المكتب المسير و عن الأغلبية بالجماعة الحضرية و كان له أثر في تغيير بعض من نقط جدول الأعمال فقط...، و كم من مستشار استفاذ مما نشرته الصحافة و لم يسحب منه التفويض (تذكيرا قصة الكبش الفداء) أو لم تقبل استقالته (حديقة المرابطين)...و كم من معطى أريد به نزع القناع عن مؤسسة الباشا لصالح الجماعة و العكس صحيح، و كم من كرة أرادت الجماعة رميها في ملعب العمالة و العكس صحيح....أبعد من ذلك هل سبق لمؤسسة منتخبة أن أصدرت بيانا توضيحيا ينفي ما نشرته الصحافة خلال السنتين الماضيتين؟ حقيقة لا يمكنها ذلك، لعدة اعتبارات أهمها أن البيان سيكون كاشفا لعدة معطيات و أحداث وربما أرقام ستسغل فيما بعد من عدة سلطات من جهة، و تفادي الاصطدام المباشر مع السلطات المحلية في إطار كشف حقائق الأمور من جهة أخرى... الفئة الثالثة: هم فئة المسؤولين المترددين و الانتهازيين الذين لم يحددوا بعد مواقفهم اتجاه الصحافة، فتارة يعبرون عن انفتاحهم عليها عبر مدها بالأخبار و المعلومات، بل يبادرون أحيانا من تلقاء نفسهم من تقديم إفادات و تصريحات بل و أخبار حصرية، لكن بمجرد نشر ما يهمهم أو ما ينزع الغبار عن أسمائهم و سيرتهم الذاتية لذى السلطات العليا بالإقليم، يتنكرون لها، لتبقى علاقتهم بها مجرد "هك و خذ" إذ تتميز هذه العلاقة بنوع من المقايضة، و هذه الفئة تتجلى بكثرة في منصب المدراء، روؤساء الأقسام...لكن ما يميزها أنها مسالمة و لا تسعى لنيل من الأخرين و تغيير مجريات الأحداث بقدر ما تبحث عن موطأ قدم لها بين الكبار. الفئة الرابعة: هم المسؤولين الذين يصرون على أن يصموا أذانهم، كلما اتصل بهم صحفي أو طلب منهم معلومة تهم الشأن المحلي، لاعتقادهم الدفين أن الصحافة لا ياتي من ورائها إلا المشاكل و خاصة ان كانت من النوع الذي لا يجيد تعليب الحقائق بالبهتان و تقديمها للقراء او من النوع الذي لا يجيد التنفار و التصفاق، غالبا ما يكون نشطائها من أصحاب القرار بمعنى المسؤول الأول عن المؤسسة سواء كانت إدارية، حزبية، اقتصادية، منتخبة... لكن يبقى القاسم المشترك بين كل هاته الفئات انها لم تفهم بعد أهمية الصحافة في تسريع و تيرة الاصلاح و التنمية بالجهة، كما لم تفهم كون التواصل الايجابي مع ممثلي السلطة الرابعة بالإقليم كفيل بتوعية المجتمع و إخراجه من براثين الأمية و أنياب المفسدين بالإقليم، و بقناعة تامة يمكنني رغم تجربتي القصيرة التي لم تبلغ بعد درجة النضج ترديد ما قاله الزعيم المصري سعد زغلول "ما فيش فايدة". لهذه الأسباب، و أخرى، لا أكتب (نكتب) لأنني و بصراحة أؤمن بمقولة "صفي و شرب"، حيث أكتب ما يمليه علي ضميري حتى لا أخلط بين مهامي في نقل الأخبار ورغبتي في صناعتها، كما لا أنكر أنني من صانعيها في حالة جمع معلومات من مصادر موثوقة، و لا أستبعد أن تكون هذه المرة عن جمعية تصفية الدم بتازة لكن بعد 16 شتنبر و مناقشة النقطة الفريدة التي ستسلط الضوء عن مالية الجمعية بالتفصيل، لحين ذلك لن أكتب حتى لا أغير مجريات الأحداث أو أن أصيب قوما بجهالة.