بقلم د. أحمد لزعر*: من بين المواضيع التي تزعجني شخصيا موضوع دفاع بعض العلماء عن الدين الإسلامي عبر اللجوء إلى جعل هذا الدين وعاء لكل اكتشاف علمي جديد أو نظرية مستحدثة اجتماعية كانت أم اقتصادية أم سياسية، ونحن نفتخر فعلا بهذا الدين الذي جاء لينظم مجالات حياتنا ولينير الطريق للشعوب ويخرج هذه الأمة من الظلمات إلى النور، إلا أن الأمر الذي لا أستسيغه هو محاولة كثير من المنابر الإعلامية والشخصيات الفقهية إلصاق أي شيء بالإسلام، وقد حضرت مؤخرا إحدى الندوات التي تناولت النظرية الإسلامية للمحافظة على البيئة تناول فيها أحد المتدخلين كيف دعا الإسلام إلى الحفاظ على البيئة واستند بشكل كبير إلى حديث الحبيب المصطفى الذي يقول فيه "إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع ألا يقوم حتى يغرسها فليغرسها " مؤكدا خلال شرحه هذا الحديث على عمق نظرة الرسول الكريم إلى البيئة وأنه صلى الله عليه وسلم كان يدرك أهمية التشجير في الحفاظ على نظافتها وتوفير الأكسجين، ولا أدري من أين عرف النبي الكريم كيفية تحول ثاني أكسيد الكربون إلى أكسجين عبر عملية التفاعل الضوئي، لأنه حسب علمي المتواضع لم تكن للعرب آنذاك مختبرات علمية تحلل فيها هذه الأمور هذا بالإضافة إلى أن المفهوم من الحديث الشريف الذي نص عليه أغلب المحققين من المحدثين أن الفعل المذكور في متن الحديث يقوم على أساس عدم التكاسل والتهاون في العمل حتى ولو تعلق الأمر بالساعة التي هي فتنة كبرى وليس ما يذهب إليه بعض غلاة التأويل وهواة لي أعناق الآيات والأحاديث لخدمة أغراض ما أنزل الله بها من سلطان. إن الأمر الذي يدعو بعض دعاتنا وعلمائنا إلى السقوط في مثل هذه الزلات هو محاولتهم البرهنة على أن الدين الإسلامي دين كامل لا يشوبه نقص، ونحن نعتقد فعلا أن الإسلام دين كامل مع تقييد هذا الكمال وحصره في الجوانب الروحية والحياتية للأفراد والمجتمع وليس في جميع المجالات العلمية والسياسية والاجتماعية وغيرها من الميادين التي يتدخل فيها البشر تدخلا مباشرا، وأعود إلى الحديث عن الفسيلة التي أمر الرسول الأكرم بغرسها رغم قيام الساعة وأقول : إن الغاية من وراء هذا الأمر هي غاية نفعية لا غير ولو تبين له عليه الصلاة والسلام من بعد نموها أن ثمرها مر لأمر باقتلاعها من جذورها، مثلما أمر عليه السلام جنوده في إحدى غزواته بقطع آلاف الأشجار من النخيل لتسهيل الوصول إلى العدو، ويبدو أنه صلى الله عليه وسلم قد أحس في داخله ببعض الندم على هذا الفعل الذي قد يسبب في أزمة غذائية للمسلمين حتى نزل قوله تعالى مواسيا له:( ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزي الفاسقين ). سورة الحشر آية 5. إن الرسول الكريم وهو يدعو إلى غرس الأشجار والمحافظة على النظافة البدنية والروحية والبيئية وعدم إلحاق الضرر بالمحيط لم تخطر له عال بال تلك المشاكل التي يحدثها التلوث البيئي، وإنما كان يهدف من وراء ذلك إلى الحفاظ على الكليات طلبا للنفع العام، وليس عيبا ألا يعرف النبي الكريم هذه الأمور التي ظهرت بعد التحاقه بالرفيق الأعلى بأربعة عشر قرنا لأن نصوص الوحي متناهية وأحوال الناس والحياة غير متناهية ومحال أن يقاس ما هو متناه على ضده مما يجعل أمر ثقب الأوزون مثلا لا يشكل دليلا حول معرفة الرسول، لأن نصوص الوحي تحدد الكليات العامة أما الجزئيات فيكفلها الاجتهاد المغيب للأسف في حياتنا، كما لا يجب أن نخجل من عدم ورود بعض النظريات العلمية في القرآن أو السنة، فالإسلام منهج حياة يوجه سلوك الفرد إلى الطريق المستقيم ويؤطر حياته بمجموعة من الأوامر والنواهي التي ترقى بروحه إلى مدارج الكمال وليس نظريات علمية مجردة تتغير بتغير ظروف البحث ووسائله، وهو بالإضافة إلى ذلك قالب لا يحتمل أكثر من حجمه وكل زيادة مكانها خرج هذا القالب كيفما كان نوع تلك الزيادة، وإذا قلنا بأنه قالب فهذا يعني بأنه ليس وعاء يوضع فيه كل شيء وبمختلف الأحجام، لأن هذا العمل سيشوه منظره ويحمله ما لا يحتمل. -------- بقلم د. أحمد لزعر باحث في الأدب العربي والفكر الإسلامي