تعتبر مرحلة ما بعد البكالوريا فترة حاسمة في حياة التلاميذ، الذين تنتابهم أحاسيس القلق والخوف من المستقبل، ويؤرقهم هاجس التوفق في اختيار الدراسات العليا المناسبة التي تمكنهم من تحقيق مسار دراسي ناجح يتلاءم مع مؤهلاتهم وطموحاتهم. وتتحكم في هذا الاختيار عدة معايير، يتعين توفرها قبل الولوج إلى الدراسات العليا والتخصصات المرغوب فيها، وأهمها المعدل الذي حصل عليه التلميذ في امتحانات البكالوريا، والنجاح في اختبارات الولوج لمؤسسات التعليم العالي. وتختلف رؤية كل تلميذ بخصوص مستقبله الدراسي، بين من يتوفر على قناعة ورؤية مسبقة لما ستكون عليه آفاقه المهنية، وبين من لم يحسم بعد في مساره الدراسي الذي يسعى إلى أن يكون متلائما مع التغيرات التي طرأت على سوق الشغل، وحتى يصبح حلم الحصول على عمل بعد سنوات الدراسة قريب التحقق. وتتعدد الأطراف المتدخلة في عملية اختيار التلميذ للشعبة التي يرغب في مواصلة الدراسة بها، ولاسيما الأسرة التي قد يكون دورها إيجابيا أو سلبيا في بعض الأحيان في توجيه أبنائها نحو تخصصات معينة، والأساتذة الذين تكون لهم دراية تامة بنقاط الضعف والقوة التي يمتلكها التلاميذ ويوجهونهم وفقها. يقول التلميذ (م. ب) الحاصل على البكالوريا في العلوم الاقتصادية بميزة حسن، إنه أودع ملف ترشيحه بالعديد من المدارس والمعاهد العليا لكنه لم يحسم بعد في اختياره، حيث يفضل القيام بدراسات عليا في مجال يتلاءم مع متطلبات سوق الشغل، مؤكدا أنه يتعين الإعداد لهذه المرحلة الحاسمة في المسار الدراسي للتلميذ قبل السنة الختامية للبكالوريا حتى يكون قادرا على حسم اختياره. من جهتها، اعتبرت التلميذة (ا.ب) الحاصلة على البكالوريا في العلوم التجريبية بميزة مستحسن، أن شغفها منذ سنوات بالأنفوغرافيا قادها للحسم في اختيارها، حيث لم تتردد في التخصص في هذا المجال الذي سيسمح لها بإبراز موهبتها والإبداع، مؤكدة أن التصميم الغرافيكي أضحى من أكثر التخصصات المطلوبة. وفي إطار الجهود التي تبذلها الوزارة الوصية من أجل مساعدة التلاميذ في مرحلة ما بعد البكالوريا على حسن اختيار الدراسات العليا التي تتناسب مع مؤهلاتهم وتتماشى مع تطلعاتهم، أكد المسؤول عن الوحدة المركزية للتوجيه المدرسي والمهني بوزارة التربية الوطنية، السيد عبد المجيب لمرابط، أن الوزارة تضع رهن إشارة التلاميذ عددا من أطر التوجيه التربوي الذين يتواصلون معهم طيلة السنة الدراسية من أجل مواكبتهم في اختياراتهم وتوضيح مختلف الآفاق لما بعد البكالوريا. وأضاف المسؤول التربوي في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن المراكز الجهوية للتوجيه المدرسي والمهني في كل أكاديمية جهوية تنتج مجموعة من الدعائم الإعلامية، التي تتقاسمها مع المؤسسات التعليمية وهي عبارة عن ملصقات ومطويات ودلائل من أجل إخبار التلاميذ بكل المستجدات في ما يخص التواريخ والشروط بعد إصدار مؤسسات التعليم العالي للمذكرات المنظمة للمباريات. وأشار في هذا الصدد، إلى أن الوزارة بصدد وضع اللمسات الأخيرة على بوابة وطنية للتوجيه ستقدم جميع المعطيات الخاصة بآفاق ما بعد البكالوريا، الخاصة بالتعليم العالي والتكوين المهني وكل ما يتعلق بالدراسة بالخارج بما فيها منح التعاون والمساطر المعتمدة وما يخص معادلة الشهادات. وسيقدم الموقع الذي بلغ مراحل جد متقدمة في انتظار العمل به، انطلاقا من الدخول المدرسي المقبل، هذا المحتوى التوجيهي وفق مقاربة جديدة تساعد على الوصول إلى المعلومة بطريقة سهلة. وعلى صعيد آخر، ظهرت في السنوات الأخيرة العديد من المبادرات التي يقودها شباب سواء بشكل فردي في العالم الافتراضي على منصات التواصل الاجتماعي ك"الفايسبوك" و"اليوتوب" أو بشكل جماعي في الواقع على غرار ما تقوم به بعض جمعيات المجتمع المدني التي تقوم بأنشطة خاصة بالتوجيه التربوي. فقد أخذت هذه الجمعيات على عاتقها إعلام وتوجيه ومساعدة الشباب الراغبين في الالتحاق بالكليات والمعاهد والمدارس ومراكز التكوين، بالإضافة إلى كل ما يهم تهييء مستقبلهم الدراسي والمهني داخل المغرب وخارجه، وذلك من خلال تنظيم لقاءات تحسيسية لفائدة أمهات وآباء التلاميذ، ومساعدة التلاميذ على إعداد ملفات ترشيحهم للمباريات، وضمان حصولهم على المعلومة، وتنظيم رحلات لاجتياز المباريات الكتابية أو الشفوية لفائدة المقبولين في مختلف مؤسسات التعليم العالي. والأكيد أن التوجيه المدرسي، باعتباره وظيفة للمواكبة وتيسير النضج والميول وملكات المتعلمين واختياراتهم التربوية والمهنية، يضطلع بدور حاسم في إنجاح المسار الدراسي للتلاميذ وتمكينهم من بلوغ أهدافهم بخطى ثابتة.