حقق المهرجان الدولي ماطا الذي تنظمه جمعية الغمرة للثقافة والتنمية بقرية أحد الغربية في دورته الخامسة نجاحا باهراً وإقبالاً كبيرا. والذي ابتدأ من يوم الأربعاء 25 ماي بعملية تويزا والذي اختتم يوم 30 ماي بحملة تحسيسية حول البيئة وذلك بجمع النفايات التي خلفها المهرجان، وقد عرفت هذه الدورة إقبالا فاق كل التوقعات من حيث عدد الزوار الوافدين على المهرجان، وقد أعربت اللجنة المنظمة عن ارتياحها لما حققته الدورة الحالية حسب البرنامج المعد سلفا. وقد عرف اليوم الأول تجسيدا فعليا لعملية تويزا مع تراث "ماطا"، الذي استضافته إعدادية النهضة خلال الافتتاح، من خلال انطلاق موكب "العمارية" مصحوبة بفرقة الحصادة والخيالة إلى جانب نساء الحقل وجموع غفيرة من الجمهور ، توجهوا نحو أحد حقول القمح المجاورة للموقع الأثري زليل، لتبدأ بذلك عملية التنقية الأعشاب الضارة من طرف نسوة القرية، وعلى إيقاعات الموسيقى الجبلية، ونغمات الغيطة والطبل التي تتميز بها المنطقة، مرفوقة بالشعر والأهازيج، زاولت فرقة الحصادة عملية الحصاد الحقيقي في إشارة قوية إلى قيمة العمل الجماعي التضامني ما بين الساكنة خاصة منهم الفلاحين، وبمجرد انتهاء عملية التنقية وعملية الحصاد، سلمت النساء دمية "ماطا" لأجود الفرسان، لتعطى الانطلاقة للمتنافسين على الدمية "العروس" في استعراض جميل أعجب به المتفرجون من داخل القرية وخارجها. أما يوم الخميس ثاني أيام المهرجان شهد استعراض لوحات فنية مختلفة قدمها شباب المنطقة الشمالية، حيث قدم "أيوب عطية" عرضا فنيا متميزا، نال إعجاب الحاضرين، وتفاعل معها جمهور المنصة الرسمية بأحد الغربية حوالي 10 كيلومتر عن مدينة أصيلة الساحلية. وبهذا العرض يكون الفنان الشاب استطاع أن يقدم أغاني مستوحاة من موضوعات مغربية ، بقالب "بوب أرنبي" الذي يجمع بين ما يسمى ب"الموسيقى السوداء" و"الموسيقى الشعبية الغربية" التي كانت تميز أداء "مادونا" و "مايكل جاكسون"..، كما عرف اليوم الثاني مشاركة مواهب ماطا شباب. ومن اللافت خلال المهرجان تنوع في الفئات العمرية من الجمهور الوافد للاستمتاع بما يقدمه المهرجان، حيث لم يمنع كبر سن عدد من نساء ورجال إلى جانب فتيان المنطقة، من الحضور والانتشاء بلحظات مباشرة مع نجوم في بداية الطريق وفنانين قدموا من دول أوروبية، حيث أتحفت وأمتعت الفنانة البلجيكية "آن فييريل" وعازف القيتار "بيير ديبييزم" في ثنائيات موسيقى "الفولك" الجماهير الحاضرة من خلال روائع تعود بنا إلى القرن 19 حيث كانت تقدم في "مقاهي المسرح" ببلجيكا والمعروفة لدينا باسم "المقاهي الأدبية"..، حيث قامت بأداء مقطوعة موسيقية غنائية بالعربية والفرنسية لقصة أسطورية من التراث الجبلي الشمالي معروفة ب"عمتي غويلة"، وجدير بالذكر أن موسيقى "الفولك" أو ما يسمى ب"أغاني الشعوب" هي موسيقى متوارثة جيل عن جيل من خلال الذاكرة الجماعية المتجدرة في الثقافة الشعبية، وعادة لا يتم تدوينها. كما عرف يوم الجمعة 27 ماي تنظيم مسابقة في العدو الريفي إضافة إلى اختتام نهاية دوري في كرة القدم، وكذا أمسية شعرية، في حين تميز اليوم بأداء رائع أبدعته مجموعة أبناء زرياب للطرب الأندلسي، تلاه عرض فني للطقطوقة الجبلية برئاسة أحمد الكرفطي، حيث كان للجمهور موعد مع عرض لأفلام مغربية في الهواء الطلق من طرف قافلة المركز السينمائي المغربي. وفي إطار فعاليات المهرجان الدولي ماطا نظمت يوم السبت 28 ماي ندوة دولية حول موضوع التحفيظ العقاري بالعالم القروي، اشكاليته الواقعية ومقتضياته القانونية أطرها الدكتور عبد الله اشركي أفقير بحضور أساتذة باحثين، محافظين عقاريين، قضاة وخبراء من داخل المغرب وخارجه وآخرون. وفي كلمته حول المشكلات العملية التي يطرحها قانون التحفيظ بالمغرب ركز الدكتور احمد الوجدي أستاذ بكلية الحقوق بطنجة وتطوان، متحدثا عن ظهير 1913 المتعلق بالتحفيظ العقاري والإشكالات العملية التي تطرحها نصوصه، وبعض القوانين الأخرى التي لها علاقة بالتحفيظ العقاري والعقار بصفة عامة. من جهته ناقش الدكتور محمد بنيعيش مستشار بالمجلس الأعلى للقضاء في مداخلته الضمانات القائمة أثناء مباشرة عملية التحفيظ وكذا الضمانات التي تنشأ للحق العيني العقاري بعد التحفيظ بالإضافة إلى الضمانات التي تتولد عن وجود أصول عقارية للحقوق العينية. في السياق ذاته ركز عمر المزكلدي محافظ عقاري بطنجة على مسطرة التحفيظ بالعالم القروي والعراقيل والصعوبات التي تعترضه، سواء في مرحلتها الأولى أو الأخيرة. وأكدت الخبيرة الاسبانية "آنا خوليا جونزاليس شانجيز" في مداخلتها على أهمية السكن القروي باعتباره تراثا مهما بقرى وبوادي شمال المغرب، كما استعرضت شريطا مصورا حول البناء التقليدي في قرى الشمال، وفي ختام هذه الندوة تم تكريم الخبيرين القانونيين الدكتور عبد سلام فيغو والدكتور عبد الخالق أحمدون، وتجدر الإشارة إلى أن هذه الندوة كانت مصحوبة بالترجمة الفورية لتسهيل التواصل. وفي مساء اليوم الرابع، ضمن فعاليات المهرجان شهد تنظيم أمسية فنية متميزة، شاركت فيها فرق موسيقية وأصوات غنائية محلية، وطنية ودولية، كالمطرب الشاب أيوب الحومي، المطربة القادمة من الشرق ريم، مجموعة الهيب هوب "من كال"، فيما أدت مجموعة أنطونيو كراسكو (إسبانيا) مقطوعات من تراث الفلامنكو، لترتقي بعد ذلك المنصة الشاعرة الصاعدة كوثر البكاري، والتي جعلت من تلك اللحظة صورة من صور التناغم الكلماتي والموسيقي. بدورها الأغنية الملتزمة كانت حاضرة بقوة حيث أتحفت مجموعة السهام، الجمهور الحاضر، وألهبت المجموعة حماس الكل من خلال عدة مقاطع رائعة: نفديك يا شهيد، حورية، القطار، باغي نهبل وغيرها، التي نالت النصيب الأوفر من إعجاب وتفاعل كبيرين، حيث تجلى ذلك في مشاركة الجماهير الحاضرة في الغناء مع المجموعة الفنية، ونادى الجمهور طويلا باستمرار السهام على المنصة وأدائها لمزيد من أغانيها، تعبيرا عن بهجته وانسجامه خلال هاته السهرة، التي استمرت إلى ساعات متأخرة من الليل. وفي اليوم نفسه استمتع الجمهور بعرض فني لفرقة "طنجة كرو" وعرض فكاهي أداه ياسين البقالي، إلى جانب عرض من فن السرك قدمه تلامذة إعدادية النهضة بأحد الغربية والإمام الأصيلي بمدينة أصيلة من تأطير الرائد في فن السرك "بوغييل" من فرنسا. فيما شهد اليوم ما قبل الأخير، تقديم عدة عروض موسيقية ترتبط بشكل وثيق بالتراث الموسيقي الجبلي بصفة عامة وأحد الغربية على وجه الخصوص، وذلك من خلال رقصة الحصادة، تلاها عرض لمجموعة "ربيع جبالة"، بالإضافة إلى عرض آخر قدمته مجموعة لحسن بن علالات من تاونات. في نفس اليوم كان للجمهور موعد مع مسابقة أو لعبة "ماطا" التي شهدت مشاركة أجود الفرسان والخيل - التي تم تلقيحها من طرف أخصائيين من وزارة الفلاحة - بمنطقة أحد الغربية وعدد من قرى جهة طنجة تطوان، وقد عرفت هاته المنافسة حضور جماهير غفيرة من ربوع المملكة وخارجها، تزامنا مع ذلك تم تنظيم معرض للمنتجات اليدوية المحلية والإقليمية. وفي اليوم الأخير قام منظموا المهرجان بحملة لجمع النفايات والتحسيس بأهمية البيئة والفضاءات الطبيعية، إضافة إلى زيارة الأماكن الأثرية بمنطقة أحد الغربية، خاصة "زليل" ثاني أقدم مدينة أثرية بالمغرب بعد "وليلي". وبعد أيام ممتعة عاشها عشاق المهرجان الدولي ماطا أسدل الستار يوم الاثنين 30 ماي، على فعاليات النسخة الخامسة، ليضرب بذلك موعدا للجميع في السنة المقبلة. الرجوع إلى قسم هذا الخبر خبر قديم