والشمس تدنو لتتوسط كبد السماء مرسلة شواظا لاهبا، بلغت درجته نحو 30 درجة أو يزيد، تتوزع مجموعة من النساء في فضاء ساحة 20 غشت بمقاطعة السواني، محتميات من هذا القيظ القاتل وسط مساحات الظل التي توفرها بعض الشجيرات المتناثرة في هذا المكان الذي يعاني من حالة إهمال مستمرة، لم تتوقف في إثارة حفيظة سكان المنطقة. في مواجهة مقهى شعبي بنفس المكان، إمرأتان تبدو من سحنتيهما معالم بؤس واضحة، وترتديان جلبابين في حالة رثة، غالبية المارة لا يسترعيهم منظر هاتين السيدتين، اللتان كانتا تقفان في انتظار شيء ما، رواد المقهى وبعض المارة فقط من يعرفون ما تبحث عنه المرأتان اللتان كانتا تراقبان الشارع بعيون زائغة وهما تلتفتان يمينا ويسارا. بعد قرابة ساعة من الانتظار، تقف سيارة سوداء بالمكان، تقدمت نحوها السيدتان بخطى متسارعة، لكنهما لم تتمكنا من بلوغ نافذة السائق الذي هو رجل في حدود الستينات من العمر، بعد أن سبقتهما نساء أخريات سرعان ما تجمعن حول العربة، "شي خدامة أسيدي" بصوت واحد تخاطب جميع النسوة سائق السيارة الذي لن يتردد كثيرا ليطلب من إحداهن الصعود، فيما تعود الباقيات أدراجهن حاملات على وجههن علامة خيبة انضافت إلى سحنة البؤس الواضحة في محياهن. سيدة ثلاثينية اختارت الإنزواء منفردة في زاوية من الساحة وقد بدا عليها تعب ملحوظ جعلها ترخي رأسها فوق ركبيتها، مشهد لم يثر هو الآخر أي من المارة سواء من الراكبين أو الراجلين، لكنه شجعنا على التقدم نحوها، إسمها "أمينة" وتنحدر من مدينة "مشرع بلقصيري"، ذلك هو ما أخبرتنا عنه بعد نجاحنا في إقناعها بالحديث إلينا، من أجل الوقوف على بعض جوانب الحياة اليومية لخادمات العمالة المنزلية اللواتي عنوانا لظاهرة مستفحلة بساحة 20 غشت. معاناة يومية بدت تجلياتها واضحة على تقاسيم وجه "أمينة" وجسدها النحيف، وهي المعاناة التي تحكي محدثتنا عن بعض تفاصيلها بمزيج من الألم والحسرة، " راجلي هادي عامين وهو غايب ومخلي ليا جوج عيالات"، تشرح أمينة بنبرة باكية السبب الرئيسي الذي دفعها لامتهان هذا العمل، قبل ان تستطرد موضحة بانها لا تملك حرفة تغنيها عن الوقوف في هذا المكان في انتظار باحث عن خادمة قد ياتي او قد لا يأتي. وعن ظروف قيامها بالأعمال المنزلية التي تنجح بالظفر بها، تكشف "خادمة الموقف"، أنها تضطر إلى القيام بأعمال شاقة تفوق طاقتها مقابل أجر زهيد لا يكاد يسد حاجياتها وحاجيات طفليها. ليست مشقة العمل وحدها التي تؤرق بال "أمينة"، وإنما النظرة التي يرمقها المجتمع بها إلى جانب التحرشات التي تتعرض لها، تظل من أكثر ما يزيد من عمق جراحها. تزايد أعداد الباحثات عن عمل منزلي، أصبح مدعاة تذمر واستياء عارمين في صفوف المواطنين من سكان المنطقة. ويؤكد هؤلاء المواطنين في شكايات موجهة إلى المسؤولين في مناسبات عديدة، أن فضاء ساحة 20 غشت لم يعد موقفا لعاملات البيوت فقط، ولكنه صار موقفا لعاملات من نوع آخر، يتسترن في جلباب طالبات العمل المنزلي لغرض آخر. وفي هذا السياق يصرح "محمد سمير بروحو"، رئيس مجلس مقاطعة السواني، أن ظاهرة الدعارة المقنعة، صارت من بين المظاهر التي تعيق إعادة تأهيل ساحة 20 غشت، ويؤكد"بروحو" في معرض تصريحات ل"طنجة 24"، أن هذا الأمر يحتاج إلى تدخل السلطات العمومية من اجل منع الوافدات من اتخاذ هذا المكان للبحث عن العمل أو أشياء أخرى. ويبرز رئيس المقاطعة، أنه يعتزم وبموازاة مع إصلاح الساحة على شاكلة ساحات أخرى بالمدينة، مطالبة السلطات المحلية بمنع الوافدات من اتخاذ المكان للبحث عن العمل، مع توفير حراسة حراسة كفيلة بالحفاظ على الجمالية المنشودة لهذا الفضاء الذي يشكل متنفسا لساكنة المنطقة في ظل ندرة المساحات الخضراء بتراب مقاطعة السواني.