بشكل يومي وطوال ساعات النهار، لا يخلو فضاء ساحة 20 غشت في مقاطعة السواني بمدينة طنجة، من نساء "الموقف" اللواتي يختارن هذا المكان من اجل اصطياد زبائن محتملين باحثين عن أداء خدمات معينة في المنازل والبيوتات. هن نساء وفتيات من مختلف الأعمار اضطرتهن الظروف الاجتماعية والاقتصادية القاسية إلى امتهان هذا العمل طلبا لأجر زهيد "لا يسمن ولا يغني من جوع". أغلب هؤلاء النسوة والفتيات اللواتي يقصدن فضاء ساحة 20 غشت أو فضاءات أخرى في مدينة طنجة لعرض خدماتن، إما أرامل أومطلقات أو أمهات عازبات، ينتظرن ساعات طويلة في انتظار زبون يصطحبهن إلى المنزل من أجل تقديم خدمات من قبيل تنظيف الملابس والزرابي وغسل الأواني، وكذلك خدمات من نوع آخر، وهو النوع الذي بات مبعث صورة نمطية لحقت جل عاملات الموقف، "حيث يعتقد الجميع أن كل امرأة تقف في الشارع بحثا عن لقمة حلال هي "امرأة عاهرة"، هكذا تعبر "رحيمة" عن معاناتها اليومية أمام نظرات المارة وسلوكات الزبائن، وأيضا رجال الشرطة. معاناة يومية وتوضح "رحيمة"، وهي مطلقة في الثلاثينات من العمر، أنها اعتادت على الوقوف بشكل يومي في هذا المكان – ساحة 20 غشت- لمدة طويلة ، لعلها تثير انتباه رب أو ربة منزل ممن يرغبون في الاستفادة من خدمات منزلية مقابل ثمن لا يتعدى بضع دراهم لا تكاد تكفي لتغطية حاجيات الحياة اليومية. وتؤكد "رحيمة" أنه لا بديل لها عن امتهان هذه المهنة، فهي زيادة على كونها مطلقة وفقيرة، ليس لديها صنعة أو حرفة أو حتى مستوى دراسي يؤهلها لاحتراف عمل ما يكفيها الوقوف في هذا المكان واستجداء عطف الزبائن. وتعرب "رحيمة"، عن معاناتها المتكررة خلال قيامها بالأعمال المنزلية، حيث تجد نفسها أمام أشغال شاقة فوق طاقتها وعلى مدى ساعات طويلة، وفي الأخير – تقول "رحيمة" - يكون ثمن كل هذا تعويض مالي زهيد لا يكفي لسد حاجياتها وحاجيات أطفالها. ومن جهتها، تشتكي " لطيفة" من المضايقات التي تتلقاها كل نساء "الموقف" بساحة 20 غشت بشكل يومي. فبدءا من النظرات الدونية والتحرشات الصادرة من بعض المارة، انتهاء بالمطاردات الأمنية المتكررة لهن من طرف عناصر الأمن التي تشن بين الفينة والأخرى حملات ضد ظواهر "البغاء" والفساد في شوارع المدينة. وترى "لطيفة"، أنه وأمام التزايد الذي تعرفه أعداد نساء "الموقف"، أصبح الأمر مبعث إزعاج لسكان الأحياء المجاورة وأيضا للسلطات العمومية التي لا تتوانى في إبعادهم خصوصا بعض المناسبات التي ترغب خلالها في تلميع وجه المدينة. بعضهن "عاهرات" "حوتة تخنز الشواري"، بهذه الجملة عبرت "لطيفة" عن استيائها "الشديد" من الاتهامات الموجة لنساء "الموقف"، والمتمثلة في التستر تحت غطاء البحث عن عمل في البيوت، من أجل ممارسة الدعارة مع الباحثين عن اللذة العابرة. وهي اتهامات ترى فيها عاملة "الموقف" ظلما وجورا في حق معظم النسوة اللواتي أرغمتهن عوادي الزمن على الوقوف في هذا المكان. حقيقة كون بعض نساء "الموقف" من ممتهنات البغاء، لا تخفى على البادي والغادي، فمشهد بعضهن يبدو جليا وهن يتفنن في الغمز والإيحاءات الجسدية التي يرمين من خلالها لفت انتباه باحث محتمل عن اللذة العابرة. سلوكات تتسبب في كثير من الأحيان في خلافات ومشاجرات مع بقية نساء "الموقف" اللواتي يرين أن هذه التصرفات تشوه سمعتهن وتعرضهن لمتاعب كبيرة. وتقر "لطيفة" بأن الكثير من زميلاتها في هذا "الموقف" يتواجدن في هذا المكان لأغراض "مشبوهة"، بل إن هناك من ذوات السوابق العدلية في الفساد والدعارة، لكنها تستدرك قائلة "لكن أغلبية ديال النسا الله يحسن العون جاو لهنا غير باش يدبرو لوليدتهم لقمة حلال". هي معاناة متعددة الأوجه، تتكبدها هؤلاء النسوة بشكل يومي، فلا حماية قانونية ولا تعويض عن حوادث شغل، لكنهن يظلن مضطرات إلى الخروج كل يوم إلى "الموقف" صيفا وشتاء، تحت وطأة الفقر والحاجة.