انفجرت صدمة العفو عن مجرم متورط في جرائم هي من أخطر الجرائم في وقتنا الحاضر، جرائم تصوير واغتصاب إحدى عشر طفلا مغربيا. والعفو صدر بقرار ملكي. بمعنى أن الصدمة كانت أقوى مما تعودناه ونحن نتابع الأخطاء والهفوات الصادرة بين الحين والآخر، عن هاته الجهة أو تلك. فكيف وقع ما وقع؟ ومن وكيف وقع الاحتيال وانتزاع قرار العفو الذي أوقع المملكة في هذا الحرج ؟ فلو كان قرار العفو عن الجاني قرارا صادرا عن جهة أخرى تحت مستوى الملك، لقلنا إن مثل هذه القرارات معروفة في نظام سياسي لا يزال يبحث عن طريق الخلاص من بؤر الفساد المعشش في دواليب الإدارة. ولو كان القرار غير نهائي، لقلنا إن الأمل في تصحيحه ومؤاخذة المسئولين عنه باق. لكن صاحب القرار هو الملك، وطبيعة القرار نهائي لا رجعة فيه. فما العمل ؟ ليس لنا هنا سوى طرح التساؤلات. فقبل وصول اللائحة المقترحة للعفو إلى الملك، كيف عبر اسم ذلك المواطن جميع الأجهزة التي تمر منها اللائحة قبل وصولها للقصر؟ كم يكون عدد الموظفين والمسئولين والمراقبين واللجان والمحررين وغيرهم، من الذين مرت أمامهم الأسماء مرفوقة بالملفات، كل ملف فيه الاسم والنسب والتهمة والعقوبة ونسخ أحكام القضاء. وهذه الأخيرة تكون عامرة طافحة إلى حد التخمة بالتفاصيل وأدق التفاصيل. كيف يتعاقب جيش من الموظفين على كل ذلك و لايجد القصر من يشير إليه بخطورة المتهم وخطورة تهمه ؟ بلغة القانون وبتدقيق، فإن الجهاز الأول المسئول عن إعداد لوائح المستفيدين من العفو الملكي هي لجنة العفو. وهذه اللجنة منظمة بالظهيرالشريف رقم 1.57.387 المؤرخ في 6 فبراير 1958. وتتكون هذه اللجنة من مدير الديوان الملكي أو من ينوب عنه، والرئيس الأول للمجلس الأعلى أو من يمثله، والوكيل العام للملك لدى المجلس الأعلى أو من يمثله، ومدير الشؤون الجنائية والعفو أو من يمثله، والمندوب العام لإدارة السجون أو من يمثله، ويقوم بمهام كتابة اللجنة موظف تابع لوزارة العدل والحريات، وتبدي اللجنة رأيها في طلبات العفو والمقترحات، وترفعه إلى الديوان الملكي للبت فيه من قبل الملك. إذن هل هذه اللجنة هذه هي من ارتكبت الخطأ، وهذا خطير. لأنها تتكون من عدد كاف لا تخفى عليه خافية في أي ملف معروض عليها. فهي لجنة تعلم جيدا ماذا تفعل. زيادة على أن اللجنة دأبت على عرف معروف منذ تأسيسها، وهو استبعاد"اقتراح الأشخاص المدانين ببعض الجرائم الخطيرة كقضايا قتل الأصول وزنا المحارم وهتك عرض القاصرين والاغتصاب الجماعي والفساد المالي والعصابات الإجرامية والقضايا الإرهابية".، كما صرح وزير العدل والحريات المصطفى الرميد لجريدة الاتحاد الاشتراكي في عددها ليوم 20/06/2012. فلا مجال للسهو إذن. وعليه، تبقى مسؤولية اللجنة ثابتة قانونا. هذه المسؤولية يتقاسمها معه الجهاز الإداري التابع للديوان الملكي. هذا الجهاز، لا يفترض فيه الإهمال والتهاون. بل يفترض التمحيص والغربلة والتدقيق، قبل الإحالة على الغرفة الملكية. فمن قام إذن بتضليل الملك؟ هل هي اللجنة المكلفة بالعفو؟ أم هي التعليمات التي قد تكون طلبت منها تمرير الأسماء فقط ؟ أم هم موظفو الديوان ؟ أم ماذا ؟ نحن نعلم أن المعني بالأمر تطلب اعتقاله والتحقيق معه ومحاكمته، الكثير من المعانات والتعب، فليس سهلا اعتقال مواطن أجنبي ومحاكمته وإثبات تهم في حقه، هي من الخطورة بمكان. فكيف ذهب كل ذلك أدراج الرياح؟ كما أن كل تلك الإجراءات تتم كما هي العادة باطلاع تام من الأجهزة المختصة التابعة لدولته. وكانت هناك متابعة إعلامية وحقوقية وطنية ودولية لمسيرة هذا الملف، فالملف حضي بعناية خاصة حرصت فيها كل الأطراف على أن تمر كل الأمور وتصدر كل الأحكام سليمة. فلا مجال إذن للقول بأن هناك أخطاء مسطرية قد تكون ارتكبت في حق المعني بالأمر، وجاء العفو لتصحيحها. نحن لا نناقش قرار العفو الملكي، فهو قرار بين الملك والشخص المدان، و هو قرار لا يناقش. لكن نحن نناقش عمل الأجهزة التي تعاقب اسم المعني بالأمر، على مكاتبها بالدراسة والمناقشة والتعليق وإبداء الرأي، قبل وصول الاقتراح إلى الملك. فالملف له ضحايا هم أطفال جروحهم لم ولن تندمل أبدا، وعائلاتهم لا تزال تحت هول الصدمة، والجمعيات الحقوقية لم تكد تستريح من عناء الفضيحة، حتى هوى على الجميع نبأ الإفراج عن الجاني والتحاقه ببلده. بل حتى المواطنون الإسبان، لا أعتقد إلا أن يكونوا هم بدورهم صدموا لقرار العفو عن مواطنهم المتورط في جرائم ترتعد لها فرائصهم، ولا يتسامحون فيها. وحتى إن كان هذا الشخص مصابا بأمراض خطيرة، وأيامه معدودة كما قد يشاع، فقد كان يمكن تمتيعه بأقصى درجات الرعاية الطبية وهو في سجنه. بل وحتى البحث له عما يتيحه له القانون والمعاهدات الدولية، من مخارج مثل تنقيله إلى دولته لترعاه بنفسها وتتحمل مسؤولية ما بعد ذلك. من المسؤول عن هذا الموقف المحرج الذي وجدت المملكة نفسها فيه، وهي تواجه الإدانة من طرف الضحايا وعائلاتهم ومحاميهم وجمعيات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية والرأي العام الوطني والدولي؟ لا بد من كشف الغموض، وتحديد من وكيف تم الاحتيال لانتزاع قرار الملك ؟