ندوة بباريس تناقش الموقف الفرنسي من قضية الصحراء المغربية    حموشي يرأس وفد المغرب المشارك في الدورة 92 للجمعية العامة للأنتربول باسكتلندا (صور)    عدد سكان جهة الشمال يفوق 4 ملايين وعمالة طنجة تضم حوالي مليون ونصف نسمة    انطلاق الدورة الرابعة من أيام الفنيدق المسرحية    وزارة الصحة المغربية تطلق الحملة الوطنية للتلقيح ضد الأنفلونزا الموسمية    ما هي انعكاسات عودة ترامب للبيت الأبيض على قضية الصحراء؟    هذا ما قالته "كامالا هاريس" في خطابها الأول بعد الهزيمة في السباق الانتخابي    الركراكي يكشف عن لائحة المنتخب لمواجهتي الغابون وليسوتو    ياسين بونو بين كبار اللعبة في متحف أساطير كرة القدم بمدريد    الحكومة تقرر توحيد تدبير أنظمة التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    وزيرة: عدد المستفيدين من برنامج الدعم المباشر للسكن إلى غاية 5 نونبر الجاري بلغ 28 ألف و458 مستفيد    الإضراب يشل المستشفيات ونقابات الصحة تلوح بتصعيد غير مسبوق في حال عدم استجابة الحكومة للمطالب    جديد المهرجان الدولي للفيلم بمراكش    صَخرَة سيزيف الجَاثِمَة على كوَاهِلَنا !    الحكومة تصادق على تعيينات في مناصب عليا    التنسيق النقابي للأطر الصحية يتوعد الحكومة بالتصعيد احتجاجاً على خرق اتفاق يوليوز            انتخاب السيدة نزهة بدوان بالإجماع نائبة أولى لرئيسة الكونفدرالية الإفريقية للرياضة للجميع …    في بلاغ للمكتب السياسي .. وضوح رؤية جلالة الملك في قضية الصحراء مكَّن بلادنا من تأمين مضامين سوسيواقتصادية للسيادة على التراب    ندوة وطنية بمدينة الصويرة حول الصحراء المغربية    مورو يدشن مشاريع تنموية ويتفقد أوراشا أخرى بإقليم العرائش    البنيات التحتية الأمنية بالحسيمة تتعز بافتتاح مقر الدائرة الثانية للشرطة    منصف الطوب: هذا ما تحتاجه السياحة لتواصل صورتها اللامعة    مؤشرات إيجابية نحو إنهاء أزمة طلبة الطب واستئناف الدراسة    استعدادات المنتخب الوطني: الركراكي يعقد ندوة صحفية وحصة تدريبية مفتوحة للإعلام    بنسعيد يزور مواقع ثقافية بإقليمي العيون وطرفاية    بوجمعة موجي ل"رسالة24″ : يجب تعزيز الرقابة وحماية المستهلك من المضاربين    ضبط عملية احتيال بنكي بقيمة تتجاوز 131 مليون دولار بالسعودية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    سفير أستراليا في واشنطن يحذف منشورات منتقدة لترامب    كلميم تطلق تشييد "مركب لالة مريم"    نجم منتخب أوروغواي السابق دييغو فورلان يحترف التنس    شخصيات رياضية تكرم محمد سهيل    قانون إسرائيلي يتيح طرد فلسطينيين    جدري: القطاعات التصديرية المغربية كلها تحقق قفزة مهمة        تظاهرات واشتباكات مع الشرطة احتجاجا على فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية    وزارة الصحة تطلق الحملة الوطنية للتلقيح ضد الأنفلونزا الموسمية    خبراء أمراض الدم المناعية يبرزون أعراض نقص الحديد    أولمبيك مارسيليا يحدد سعر بيع أمين حارث في الميركاتو الشتوي    محكمة تونسية تقضي بالسجن أربع سنوات ونصف على صانعة محتوى بتهمة "التجاهر بالفاحشة"    بعد رفعه لدعوى قضائية.. القضاء يمنح ميندي معظم مستحقاته لدى مانشستر سيتي    التّمويل والصّيانة تحديات تحاصر أجرأة مشاريع برنامج التنمية الحضرية لأكادير    300 ألف تلميذ يغادرون المدرسة سنويا .. والوزارة تقترح هذه الخطة    إعطاء انطلاقة خدمات مركز جديد لتصفية الدم بالدار البيضاء    إحصاء 2024 يكشف عن عدد السكان الحقيقي ويعكس الديناميكيات الديموغرافية في المملكة    مزور: المغرب منصة اقتصادية موثوقة وتنافسية ومبتكرة لألمانيا    دراسة: أحماض أوميغا 3 و 6 تساهم في الوقاية من السرطان    انطلاق الدورة الثالثة عشرة للمهرجان الدولي لسينما الذاكرة المشتركة بالناظور    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    "مهرجان سينما الذاكرة" يناقش الدبلوماسية الموازية في زمن الذكاء الاصطناعي    برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بالسيدا يعلن تعيين الفنانة "أوم" سفيرة وطنية للنوايا الحسنة        كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    وهي جنازة رجل ...    نداء للمحسنين للمساهمة في استكمال بناء مسجد ثاغزوت جماعة إحدادن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



برامج الأحزاب لا تطبق فلم تصلح ؟ - عبد القادر الزعري
نشر في طنجة 24 يوم 16 - 07 - 2012

برامج الأحزاب السياسية المقدمة للرأي العام قبل دخول الحكومة تكون نعما سماوية تبشر الجميع بجنة لا ظلم فيها و لا خصاص، لكن عندما توزع الحقائب و يأتي وقت الجد تصبح الأمور ضبابا و غبارا، و تتلاشا الأحلام تدريجيا فإذا الحصيلة الحكومية أعمال روتينية و تدبير الأمر الواقع بالقناعة و الصبر و ما قسم الله.
لا نقصد هنا زعماء أحزاب المعارضة فهؤلاء لهم عذرهم أمام الناخبين و القواعد، تتحول مهامهم من التبشير و بيع الوعود إلى اقتناص كل الفرص للتشنيع بالحكومة و تبخيس منجزاتها و تكبير الهفوات و تضخيم الأخطاء. نقصد بأمر انحدار الشعارات نحو لا شيء، الأحزاب التي تتسلم المهام الحكومية و تتقاسم الحقائب و تنتشي بالسلطة و نشوة الحكم.
هذه الأحزاب ذات البرامج الواعدة و التي لا يمكن لأي عاقل إنكار جاذبيتها و تأثيرها في النفوس، تعرف جيدا أن ما يطبق من برامج بعيد كل البعد عما يطرح أثناء الحملات الدعائية، لكنها و بعقلية و صولية تستثمر مشاعر المواطنين لاقتناص الأصوات و تحقيق المكاسب و المواقع، فالصراع السياسي و السياسة عموما لا مكان فيها للأخلاق، و الغاية تبرر الوسيلة، و لكل زمان حديث . السياسة حربائية من جهة كونها تلاعب بالألفاظ و استغلال للظروف و الانقلاب على الوعود بذريعة الظروف.
السبب الأساسي في الانقلاب على الوعود و البرامج هو آلية التحالف المفروضة على كل حزب سياسي يريد الوصول إلى الحكومة. فالحكومة تمنح للحزب أو التحالف الذي يحوز على أغلبية مقاعد البرلمان، و من هنا يبدأ مسلسل التنازل و الإجهاز على الوعود و البرامج.
فالتحالف يقتضي الدخول في مفاوضات و مساومات بين الأحزاب السياسية، و هذه الأخيرة تساوم بعدد المقاعد المحصل عليها و تطالب بحصتها من عدد الحقائب الوزارية، فأول شرخ يصيب برنامج الحزب هو أن التشكيلة الحكومية لا تسمح له إلا بعدد من الحقائب يوازي عدد مقاعد البرلمان. و الحزب السياسي يفقد أهم أداة لترجمة برامجه.
بعد الاتفاق على عدد الحقائب المحصل عليها يأتي دور البرنامج الحكومي. فهو برنامج الأحزاب المكونة للتحالف و لا يمكن لأي حزب أن يحلم بفرض كل آراءه ونواياه و ما وعد به.
إن التحالف يعني التخلي المسبق على مجموعة من البرامج و الاستعداد مقابل ذلك لقبول ما تفرضه الأطراف الأخرى المتحالفة. التحالف يعني نسيان تلك اللهجة التي يخاطب بها الحزب السياسي أنصاره و المتعاطفين معه. التحالف يعني طلاق مرحلة كاملة بشعاراتها و أحلامها و حماستها، و بداية مرحلة اخرى لا يربطها بالمرحلة السابقة إلا عدد الأصوات التي تسجل لصالح الحزب.
سياسة التحالف تفرض على الحزب السياسي التخلي على كثير من مطالبه و برامجه، و الاكتفاء بالحد الأدنى مما لا خلاف عليه بين باقي مكونات التحالف، لأجل هذا يكون قادة الأحزاب السياسية على درجة كبير من المرونة و التلون و الرخاوة أثناء المفاوضات و صياغة برنامج الحكومة، عكس حالة الصرامة و التحدي التي يقابلون بها الرأي العام أوقات الدعاية و مناسبات حصد الأصوات قبل الانتخابات.
بعد التصويت على برنامج الحكومة، ليس الحزب، يكون كل وزير محتاجا إلى مساعدة الجهاز الإداري الذي يرأسه، أي لا مناص له من تحالف من نوع خاص مع الموظفين، إذ لا يمكن لأي وزير القفز على ما يوفره هؤلاء من قوة مجسدة في قدرتهم على التنفيذ و التأثير في القرار بمالهم من معلومات و إحصائيات و دراسات حاسمة، و هذا التحالف الداخلي يجعل كل وزير تحت تأثير جهازه و مرؤوسيه خصوصا ذوي المواقع الهامة و الحساسة.
على أرض الواقع و تطبيقا لما سبق يمكن القول بأن سياسة التحالف التي فرضت على حزب الإسلاميين، أفرغت جميع شعاراته من مضامينها بالتدريج.
فهو تنازل حينما احتاج لأحزاب سياسية أخرى، و تنازل حين صياغة البرنامج الحكومي، و تنازل حين اصطدم وزراءه بييروقراطية عاتية و مقاومات معششة في كل قطاع و مؤسسة.
فالبرنامج الحكومي مثل أي برنامج سابق و لا اختلاف إلا في بعض التفاصيل، كما أن شعارات مكافحة الفساد تكسرت على صخور بعضها ظاهر و أكثرها خفي مما دفع وزراء الحزب الإسلامي إلى التراجع.
السياسة تعلم الأحزاب السياسية الاستعداد الدائم للجديد و المفاجئ و التلون مع كل جديد و تبرير كل تراجع للخروج أمام الرأي العام بمظهر العاقل و الواقعي.
إن زعيم الإسلاميين ربما كان على علم مسبق باستحالة ما و عد به المواطنين، و لأجل ذلك ظل يطالب بتحالف خاص بينه و بين رجال القصر لكي تمر الأمور بخير. هذا التحالف كان من نتائجه تخلي الزعيم الإسلامي عن كثير من اختصاصاته الدستورية. حاجته إلى العون و المساعدة أدت به إلى الرجوع إلى الحلف درجات مقارنة مع قائد حكومة التناوب لسنة 1998.
في عالم السياسة لا شيء مجاني أو لوجه الله، كل طلب لعون طرف آخر له مقابل، و المقابل هو المبادئ و التنازلات. السياسي له استعداد دائم للتنازل يوازيه استعداد دائم للتبرير، السياسي البارع هو الذي يجمع بين استعداده للتنازل و مهارته في تبرير تنازله.
قمة التنازلات ما نشاهده اليوم من تحالفات غريبة الأطوار تجمع بين إسلاميين و رفاق ورثة الشيوعيين، بين هؤلاء و بين آخرين من اليمين، الدرس الأبسط هو أن الايديولوجية لا توجد إلا في الأوراق المذهبية لكل حزب. اليمين و اليسار و إخوة الإسلام على قلب واحد- ظاهريا- لا يجمعهم غير الخير و الإحسان.
حاجة الأحزاب السياسية إلى التحالفات تجعل من الصعب بل من المستحيل تصديق أي حزب سياسي في ما يبشر به مع إطلالة كل موعد انتخابي، و تجعل جميع المبادئ و البرامج مجرد نوايا لا تصلح إلا لاصطياد الدعم الشعبي و اقتناص الأصوات.
إن إسناد قيادة الحكومة لأي حزب سياسي لا يعني إلا حاجة النظام السياسي لتزويق وجه ديمقراطية شكلية ظاهرها تداول مكونات الساحة السياسية على الحكم ، و باطنها تدبير الأمور على عادتها كما هي و الحفاظ على الأمر الواقع مع إفساح المجال لبعض التفاصيل المتلونة و التي لا تصلح إلا للتضخيم و الاستهلاك الإعلاميين.
لقد شجع القصر منذ الاستقلال على تشرذم الأحزاب و تفجيرها وبلقنة الخريجة، و ها هو يجني الثمار، إذ لا تمايز و لا تباين و لا حدود واضحة بين اليمين و اليسار و الوسط إلا أمام أجهزة الإعلام.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.