لا أحد ينكر بأن العقد مصدر من مصادر الالتزام. ولقد عرفته المادة 1101 من القانون الفرنسي العقد " بأنه اتفاق يلتزم بمقتضاه شخص أو عدة أشخاص نحو شخص أو عدة أشخاص بإعطاء شيء أو بفعله أو بالامتناع عن فعله " وبمعنى أخر توافق إرادتين أو أكثر على إحداث أثر قانوني معين. وكما هو معلوم أن جل التشريعات الوضعية قد أقرت بأن العقد مصدر عام للالتزام. ومن المصادر الأخرى للالتزام في قانون الالتزامات والعقود المغربي: التصريحات الأخرى المعبرة عن الإرادة أو بعبارة أوضح الإرادة المنفردة – أشباه العقود – الجرائم وأشباه الجرائم، وفقا للفصل الأول .وكان المشرع المغربي اعتد بالإرادة المنفردة كمصدر للالتزام إلى جانب العقد،. ويأتي تساؤلنا حول الإرادة هل تستطيع أن تنشئ الالتزام؟ وعن أنواع الالتزامات الناشئة عن الإرادة المنفردة؟ وجاء في المادة 311 من نفس القانون أنه "الوصية عقد يوجب حقا في ثلث مال عاقده يلزم بموته". وعليه فإنه يمكن لمالك العقار أن يوصي لفائدة شخص آخر (موصى له) بجزء من ماله (عقاره) دون أن يتعدى المال الموصى به ثلث مجموع المال المملوك له. للإجابة عن هذه التساؤلات اعتمدنا في تقسيمنا على فقرتين نتحدث في الأولى عن تمييز الإرادة المنفردة عن بعض المفاهيم المشابهة أما الفقرة الثانية تتمحور حول الإرادة المنفردة في ق ل ع. الفقرة الأولى: تمييز الإرادة المنفردة عن بعض المفاهيم المشابهة بالرجوع للمادة 4أعلاه وبالرجوع إلى المقتضيات الخاصة للعرض التصرفات. يتبين أن المشرع قد حدد مبدأ عاما بمقتضاه أعطى للأطراف حربية الاختبار في اللجوء إما إلى المحررات الرسمية أو إلى المحررات الثابتة التاريخ أو إلى المحررات العرفية إذا نص عليها قانون خاص وقي الوقت الذي قد قرر بعض الاستثناءات على هذا المبدا، حيث فرض على الأطراف اللجوء إلى التوثيق الرسمي دون غيره، ليقيد يذلك هذه الحرة ولما كانت الإرادة مصدر للالتزام فإنها قد تشترك أو تختلف عن بعض المفاهيم المشابهة كالعقد (أولا) والتصرف (ثانيا) مما ارتأينا للبحث عن أوجه الاختلاف والتشابه إن اقتضى ذلك. أولا: تمييز الإرادة المنفردة عن العقد الفرق بين العقد والإرادة المنفردة نجد أنه في العقد تتفق الإرادتان على إنشاء الالتزام وتوافق هاتين الإرادتين يكون لازما من أجل إنشاء الالتزام بينما في الإرادة المنفردة نجد أن وجود إرادة واحدة تكفي لإنشاء الالتزام من هنا يتبين لنا أن الذي ينشئ الالتزام ليست الإرادة، وإنما الذي ينشئها هو توافق الإرادتين الذي يتحقق باقتران الإيجاب بالقبول كما يتبين أن الإرادة المنفردة وإن كانت لا تستطيع أن تنشأ التزاما فإنها في كثير من الحالات تنشئ اثارا قانونية متعددة، ولكن هناك خلاف ينحصر فيما إذا كانت الإرادة المنفردة تكفي لوحدها من أجل إنشاء الالتزام أو لابد من العقد من أجل إنشاء الالتزام؟هذا السؤال يمكننا أن نجيب عليه من خلال المدرستين الفرنسية والألمانية فالمدرسة الفرنسية ترى أن العقد هو المصدر الوحيد للالتزام الناشئ عن الإرادة، أما الإرادة المنفردة فلا يمكن أن تكون مصدرا للالتزام رغم أنها يمكن أن تنشئ اثارا قانونية، في حين أن المدرسة الألمانية تذهب إلى اعتبار الإرادة المنفردة تصلح لأن تكون مصدرا أصليا للالتزام، وأن الالتزام يمكن أن ينشأ في ذمة الشخص بإرادته المنفردة دون توقف على قبول صادر من شخص اخر . ثانيا: تمييز الإرادة المنفردة عن التصرف يقصد بالتصرف القانوني اتجاه الإرادة إلى إحداث أثر قانوني سواء كان هذا الأثر إنشاء حق أو نقله أو إنهائه، والتصرف القانوني قد يصدر بإرادة واحدة أو بإرادتين. أما الإرادة المنفردة فإن الأثر القانوني المترتب عنها يتحقق بمجرد تدخل الشخص الملتزم وحده، وبالتالي فإننا نقصد بالتصرف القانوني مختلف مصادر الالتزام ذات الطبيعة الإرادية التي تتمثل في الإرادة المنفردة والعقد . والإرادة المنفردة تكون مصدرا للالتزام كلما تبين أن صاحب هذه الإرادة يكون ملزما بمجرد التعبير عن إرادته في الالتزام دون توقف على صدور القبول من الطرف الاخر، بمعنى أن التصرف الذي ينشأ بالإرادة المنفردة يتحقق به الالتزام بإرادة المدين وحدها في غياب تدخل إرادة الدائن . الفقرة الثانية: الإرادة المنفردة في قانون الالتزامات والعقود إن كان المشرع الفرنسي لم يعتد بالإرادة المنفردة كمصدر منشئ للالتزام وإنما فقط في ترتيب أثارها القانونية كما سنجسد لاحقا ذلك، فان المشرع المغربي قد خالف ذلك واعتد بالإرادة المنفردة في حالات معينة كمصدر استثنائي للالتزام في ق ل ع في فصول متفرقة. من بينها الإيجاب الملزم، الاشتراط لمصلحة الغير (أولا) والوعد بالجائزة (ثانيا). أولا: الإيجاب الملزم والاشتراط لمصلحة الغير سنتناول دراسة الإيجاب الملزم الوارد في الفصل 29 كصورة مجسدة للإرادة المنفردة (1) والاشتراط لمصلحة الغير (2). 1-: الإيجاب الملزم كما هو معلوم بأن الإيجاب هو التعبير عن إرادة شخص يعرض على غيره أن يتعاقد معه. وقد يكون الإيجاب موجها إلى شخص معين كما لو عرض زيد بيع عقار يملكه إلى عمرو. وقد يكون موجها إلى أي شخص كان من الجمهور كما في عرض تاجر بضاعة في محله مكتوبا ثمنا عليه .كل ما سلف ذكره يحيل على أن الإيجاب وسيلة لإبرام العقد إثر قبول الطرف الثاني المتعاقد. ولما كان الأصل في الإيجاب أنه غير ملزم إلا في الحالات الاستثنائية من بينها الفصل 29 من ق ل ع حيث نص " من تقدم بإيجاب مع تحديد أجل للقبول بقي ملتزما تجاه الطرف الآخر إلى انصرام هذا الأجل، ويتحلل من إيجابه إذا لم يصله رد بالقبول خلال الأجل المحدد ". وقد جاء في قرار صادر عن المجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا) ( ينص الفصل 29 من ق. ل .ع على أن "من تقدم بإيجاب مع تحديد أجل للقبول يبقى ملتزما تجاه الطرف الآخر إلى انصرام هذا الأجل ويتحلل من إيجابه إذا لم يصله رد بالقبول خلال الأجل المحدد " و ينص الفصل 24 من نفس القانون على "أن العقد الحاصل بواسطة رسول أو وسيط يتم في الوقت و المكان الذين يقع فيهما رد من تلقى الإيجاب للوسيط بأنه يقبله" ولهذا تكون محكمة الموضوع قد خرقت الفصلين المذكورين بسوء تطبيقها لهما عندما رفضت التصريح بصحة البيع رغم أنه ثبت لديها توصل الوسيط بقبول عرض البيع خلال الأجل القانوني) .ونستشف من الفصل أعلاه أن الموجب يبقى مقيدا بإيجابه أي التزامه، إلا أن هذا الإيجاب الصادر من الموجب إن كان في حد ذاته رسالة إلى التعاقد إلا أنه يشكل أولا وقبل كل شيء إرادة المنفردة للموجب، حيث يبقى ملتزما طيلة الفترة التي حددها. لأن من شأن إخلاله بالمدة المتفق عليها أن يؤدي إلى المطالبة بالتعويض في حالة موافقة القابل الإيجاب الملزم.وقد ذهب في نفس الاتجاه المذهب المالكي إلى أنه إذا صدر الإيجاب كان ملزما لصاحبه ولا يبطل إلا بإعراض الآخر عنه، أو بانتهاء المجلس ما لم يكن محددا له مدة أطول، وذلك لأن الموجب قد أثبت للطرف الأخر حق القبول، ومن ثم يكون الموجب مقيدا في تصرفه حتى يتنازل الطرف الآخرعن حقه .في حين رأت النظرية التقليدية أن الإيجاب الملزم يمكن تأسيسه على وجود عقد أولي ينعقد بصدور الإيجاب مقترنا بتحديد زمن يتقيد الموجب فيه ببقائه على إيجابه وبقبول من وجه إليه الإيجاب ذلك قبولا مفترضا تقضيه طبيعة المعاملة والإقدام عليها . أما الزمن فيحدده العرف أو عبارة الموجب إن اقترنت بذلك، وبذلك لا يستطيع الموجب أن يعدل عن إيجابه حتى لا يخل بالتزامه الناشئ عن هذا العقد .ومرورا بالتشريع المقارن، خصوصا التقنين المدني الفرنسي لعام 1804 نجده قد سكت عن بيان حكم مثل هذا الإيجاب، ولكن اختلف الفقه الفرنسي التقليدي من معارضي نظرية الإرادة المنفردة في تحديد الأساس القانوني للقوة الملزمة للإيجاب في مثل هذه الفرضية وظهرت نظريتان - العقد التمهيدي، والمسؤولية التقصيرية: أ-العقد التمهيدي، في نظر أنصار هذه النظرية هو عقد مؤقت ومن ثم ملزم على غرار بقية العقود يهدف إلى الإعداد والتحضير لإبرام عقد نهائي. ونظرا إلى انه عقد فهو يتطلب توافر إرادتين متطابقتين. وفي الإيجاب الملزم هناك قبول ضمني من الموجه إليه بمدة تفكير في هذا الإيجاب يؤدي هذا القبول الضمني إلى انعقاد عقد تمهيدي محله التحضير لإبرام عقد نهائي يمكن أن ينعقد أو لا ينعقد، ومن ثم يلتزم الموجب في الإيجاب الملزم بالبقاء على إيجابه خلال تلك المدة استنادا إلى هذا العقد التمهيدي الذي ينعقد بينه وبين الموجب إليه هذا الإيجاب . ب-المسؤولية التقصيرية: خلافا لأنصار العقد التمهيدي اتجه أنصار المسؤولية التقصيرية إلى أن رجوع الموجب عن إيجابه محدد المدة يستوجب تعويض القابل لان من شأن ذلك أن يلحق ضررا بالقابل. 2- الاشتراط لمصلحة الغير: يقصد بالاشتراط لمصلحة الغير تعاقد يتم بين شخصين أحدهما يسمى المشترط والآخر الواعد أو المتعهد يشترط فيه الأول على الثاني أن يلتزم هذا الأخير، إزاء شخص ثالث أجنبي عن التعاقد ويسمى المنتفع فينشأ حق مباشر يستطيع أن يطالب به المتعهد . وقد نظم المشرع المغربي في ق ل ع الاشتراط لمصلحة الغير في الفصلان 34 و35 حيث أجاز الاشتراط لمصلحة الغير. وقد صدر قرار عن محكمة النقض جاء فيه" الاشتراط لمصلحة الغير ينتج أثره مباشرة لمصلحة الغير، وتكون له الصفة في أن يقاضي باسمه الملتزم بتنفيذ ما التزم به متى كان سببا لاتفاق أبرم معاوضة أو سببا لتبرع لمنفعة الواعد ". والاشتراط لمصلحة الغير حلله كثير من الفقهاء إلى عملتين: أولاهما، العقد المبرم بين المشترط والمتعهد، والثانية، التزام المتعهد المبني على إرادته المنفردة. فالعملية الثانية ليست عقدا كما في نظرية الإيجاب المعروض، بل التزاما مبنيا على الإرادة المنفردة يتحمله المتعهد لمصلحة المنتفع دون أن تتدخل إرادة هذا الشخص في ذلك. فحقوق المنتفع ليس مصدرها عقد الاشتراط بل إرادة المتعهد المنفردة وهذه الإرادة بدورها نتيجة للتعاقد وتستند إليه .في حين اعتبرت النظرية التقليدية الاشتراط لمصلحة الغير لا يحتاج في تبريره الالتجاء إلى نظرية المنفردة لأنه لا ينشأ إلا من عقد يتم بين المتعهد والمشترط، لذلك فلا يطبق على نشأته الإرادة المنفردة، وكل ما يلاحظ عليه أن فيه خروجا على قاعدة نسبية أثر العقد التي تقضي بأن تقتصر آثارها على أطرافها .أما في فرنسا فقد اختلف الفقه حول طبيعة الاشتراط لمصلحة الغير، فظهرت عدة نظريات تحاول أن تفسر هذه الطبيعة، وهذه النظريات كالآتي: أ-نظرية الإيجاب: يرى أنصار هذه النظرية أن الاشتراط لمصلحة الغير يتكون من عقدين، العقد الأول هو بين المشترط والمتعهد وبموجبه ينشأ حق للمشترط نحو المتعهد، في حين أن العقد الثاني هو عبارة عن حوالة حق، وهو بين المشترط والغير وهو المنتفع، إذ المشترط يتقدم بإيجاب للغير يتضمن تنازلا عن حقه الذي نشأ من العقد الأول، والغير يقبل الإيجاب . ب- نظرية الفضالة: رأى بعض الفقهاء ومنهم " لابي" و"دومولوب"و"بلانيول" أن الاشتراط لمصلحة الغير هو من متعلقات الفضالة، فالمشترط في نظرهم عندما يتعاقد مع المتعهد إنما يعمل لحساب المنتفع لا لحساب نفسه، ويدير مصالح الغير لا مصالحه الشخصية. وما قبول الغير الذي يتطلبه القانون لينتج الاشتراط أثره النهائي إلا بمثابة إقرار رب العمل لأعمال الفضولي. لذا كان لقبول الغير أثر رجعي ينسحب إلى اليوم الذي أبرم فيه العقد بين المشترط والمتعهد، وترتب عليه اعتبار المنتفع متعاقدا مباشرة مع المتعهد، إذ من المبادئ العامة أن الإقرار يقلب الفضالة إلى الوكالة . بالمقابل يذهب أنصار الإرادة المنفردة (أمثال "سطارك" و"جوسران") بوصفها مصدرا للالتزام إلى أن الاشتراط لمصلحة الغير هو من تطبيقات نظرية الإرادة المنفردة، وذلك لأن حق المنتفع مصدره إرادة المتعهد المنفردة. ومع ذلك فان التزام المتعهد نحو المنتفع معلق على شرط فاسخ وهو عدم لجوء المشترط إلى نقض الاشتراط قبل قبول المنتفع الاستفادة من الاشتراط . ثانيا : الوعد بالجائزة وأركانه: يعتبر الوعد بالجائزة الصورة النموذجية للتعبير عن الإرادة الصادرة من طرف واحد، لذلك نجد مجموعة من القوانين الغربية والعربية نصت عليها، بحيث نجد أن المشرع الألماني ينص المادة في 657 من قانونه المدني على أن " كل من يعد بجائزة بطريقة الإعلان العام للقيام بعمل أو على الخصوص الحصول على نتيجة، يلتزم بإعطاء تلك الجائزة "ونص المشرع الايطالي في قانونه لسنة 1989 على أن " من وجه وعدا للجمهور بجائزة يعطيها لمن يوجد في مركز معين أو يقوم بعمل معين يلتزم بذلك الوعد متى صار علنيا" أما بالنسبة للتشريعات العربية نجد أن المشرع الجزائري نص في القانون المدني على أنه "من وجه وعد بالجائزة للجمهور يعطيها، وعين له أجل بإعطاء الجائزة لمن قام بهذا العمل، ولو قام به دون النظر إلى الوعد بالجائزة" . المشرع المدني الأردني نص بدوره على هذه المؤسسة القانونية واعتبارها من صور التعبير عن الإرادة المنفردة ،أما المشرع المغربي فقد تناول بدوره هذه المؤسسة القانونية من خلال ظهير الالتزامات والعقود، الذي من خلاله خص له خمسة فصول من الفصل 14 إلى الفصل 18، بحيث نجده ينص في افتتاحه لتنظيم مؤسسة الوعد بالجائزة على أن " بأنه مجرد الوعد لا ينشئ التزاما "، هذا ما يجسد بأن الإرادة المنفردة إذا ما كانت مجردة من التنظيم التشريعي لا يرتب عليها القانون أي أثر، بالتالي فالتصرف الانفرادي من حيث مصدره هو أقرب إلى القانون الذي يشكل مصدره المباشر .وقد اتجهت أغلب التعاريف الفقهية إلى اعتبار أن الوعد بالجائزة هو عبارة عن إعلان يقوم به الواعد، يتضمن التزاما منه بإعطاء جائزة لمن يقوم بعمل معين، عليه فان الوعد بالجائزة هو تصرف قانوني من جانب واحد ينتج أثاره متى قامت أركانه . وللوعد بالجائزة تجليات كثيرة في الواقع العملي، كمن يقوم بوعد بجائزة لمن يقوم باختراع معين، أو صناعة شيء معين، أو العثور على شيء ضائع، الوعد بالجائزة يأخذ طابعين، إما طابعا تبرعيا، إذا كان العمل الموعود بالجائزة عنه لايستفيد منه الواعد، أو طابعا معاوضيا، هو عكس الحالة الأولى، بحيث يكون العمل الموعود بالجائزة عنه يستفيد منه الواعد، كمن يجد شيء يريده الواعد .كما أن الوعد بالجائزة له شروط وأركان نذكر منها ،التعبير عن الإرادة،المحل في الوعد بالجائزة و السبب كركن للوعد بالجائزة، والوعد بالجائزة المحدد المدة ثم الوعد بالجائزة غير محدد المدة، حيث تتقادم دعوى الوعد بالجائزة ب مرور15 سنة من عدم القيام بالعمل الذي تم الوعد من أجله، هذا ما نستقرئه من خلال القواعد العامة المنظمة للتقادم، بحيث ان الفصل 387 من ق ل ع ينص على أنه " كل الدعاوى الناشئة عن الالتزام تتقادم بمرور خمسة عشر سنة.وفي الأخير تجب الإشارة إلى أن المشرع المغربي من خلال تنظيمه لمؤسسة الوعد بالجائزة تطرق إلى حالة انجاز أشخاص متعددون في وقت واحد الفعل الموعود بالجائزة من اجله ، في هذه الحالة نص المشرع المغربي على أن الجائزة تقسم فيما بينهم، أما إذا تم انجاز العمل في أوقات مختلفة، فان المنطق الذي انسجم معه المشرع المغربي، ان الجائزة تكون لأسبقهم تاريخا.أما عن التصرفات القانونية الناقلة للملكية العقارية منها ما يصدر عن ارادتين ولا يتم تكوينه الا باتفاقها، كعقدة البيع والهبة والمبادلة، ومنها ما يصدر من جانب واحد كالوصية والوقف أ- عقد البيع: عرف عقد البيع من قبل الكثير من الأساتذة منهم من كان تعريفه صحيحا وشاملا ومنهم من كان قريبا من تعريف الشارع، فقد عرفه الأستاذ إسماعيل غانم:" بأنه عقد يقصد به الطرفان أن يلتزما أحدهما وهو البائع بنقل ملكية الشيء أو حق مالي في مقابل التزام الطرف الثاني وهو المشتري بثمن نقدي كما عرفه الأستاذ السنهوري بأنه" عقد ملزم للجانبين إذ هو يلزم البائع بأن ينقل للمشتري ملكية شيء أو حق مالي آخر ويلزم المشتري أن يدفع مقابلا لذلك ثمنا نقديا غير أن المشرع الجزائري عرفه على أساس آثاره حيث أن جوهر العقد هو التراضي على ترتيب هذه الآثار وتعريف العقد إنما يكون بيان عناصره لا آثاره، كما أن المشرع نص على التزام كل من البائع والمشتري على نقل الملكية والحق المالي مع أن البيع يتضمن أحيانا. اشتراطا لمصلحة الغير حيث يلتزم البائع بنقل الملكية إلى شخص ثالثا بعينه المشتري ورغم ما تبين فان تعريف المشرع جيد من حيث إيراده للخاصيتين الأساسيتين لعقد البيع كما أن لهذا التصرف القانوني عقد البيع عدة مسائل منها. ب- عقد الهبة: الهبة عبارة عن عقد يبرم بين شخص يسمى الواهب الذي يتبرع بماله لشخص آخر يسمى الموهوب له دون مقابل وطبقا للمادة 206 من قانون الأسرة تعقد الهبة بالإيجاب والقبول وتتم بالحيازة، مع مراعاة أحكام التوثيق بالنسبة للعقارات والإجراءات الإدارية الخاصة ببعض المنقولات، كما لهذا التصرف عدة مسائل نذكر منها:-مسألة هبة ملكية الرقبة دون حق الانتفاع ، حيث قد يلجأ بعض المواطنين إلى مكاتب التوثيق لإبرام عقد هبة منصبة على عقار معين مشترطين في ذلك الاحتفاظ بحق الانتفاع طيلة حياتهم خوفا مما قد يعود عليهم هذا التصرف من الضرر، ويعرض مستقبلهم إلى الخطر بسبب أقدامهم على التخلي عن أملاكهم بدون مقابل لفائدة غيرهم وعليه من باب الاحتراز يلتمسون من الموثق، حيث أن المادة 202 ق. الأسرة عرفت الهبة بأنها " تمليك بلا عوض " فان عقد الهبة يؤدي إلى نقل الملكية أي ملكية الرقبة، وحق التمتع كما نصت المادة 206 من نفس القانون على أركان الهبة وهي ، الإيجاب القبول، الحيازة و الشكل الرسمي وباختلال أي شرط منها تبطل الهبة فانه إذا كانت الهبة منصبة على حق الانتفاع دون الاحتفاظ بملكية الرقبة فهي باطلة ومستبعدة تماما. وعليه فان الشخص الذي يقدم على إبرام عقد هبة عقار ويحتفظ بحق الانتفاع به طيلة حياته يعتبر تصرفه باطلا، لأن من أركان الهبة الحيازة إلا أن هناك استثناء من هذه القاعدة فيما نص عليه القانون وذلك باستثناء الشخص لنفسه بطريقة ما حيازة الشيء المتصرف فيه والانتفاع به مدة حياته وذلك باعتبار التصرف وصية وهو ما أكدته المحكمة العليا ضمن قراراتها. ت- عقد المبادلة: هي عقد يلتزم بموجبه كل من المتعاقدين أن ينقل للآخر على سبيل التبادل ملكية مال ليس من النقود، والكثير من العقود التي تقدم للمناقشة أمام المحاكم ترد في شكل عرفي خاصة بالنسبة لعقارات الزراعية الريفية والمحاكم تتصدى لها بالرفض أي رفض إخضاعها لعملية التوثيق وافراغها في قالب رسمي. لكن تأسيسا لنص المادة من مواد القانون المدني التي أكدت على أن أحاكم عقد البيع تسري على عقد المبادلة فانه يجب أن تتم كل عقود المبادلة في شكل رسمي عن طريق الكتابة الرسمية ث- عقد الوصية: هي تصرف في التركة مضاف الى ما بعد الموت ويلحق هذا التصرف عدة شكليات وتتمثل في:- تحرير عقد الوصية بحضور شاهدي عدل يتمتعان بالأهلية الكاملة ولا صالح لهما في الوصية ولا تربطهما بالموثق أو المتعاقدين لأن الحكمة من الشهادة هو فهم ما يدور في مجلس العقد من كلام وشروط حتى يمكن أداء الشهادة عند الاختلاف. -إضفاء صبغة الرسمية على عقد الوصية واجب لأنها تسري عليها أحكام الشكلية ككل التصرفات القانونية الأخرى. -شهر الوصية يعد من مصلحة الموصى له لكي تكون حجة على الكافة وذلك من أجل المصلحة وتحقيقا لاستقرار المعاملات لكي يكون الموصى له على بينة من مدى صيرورة الشيء الموصى به خالصا من عدمه، لهذا من الضروري أن يتدخل المشرع بنص خاص يوجب فيه شهر الوصية ما دام أن المصلحة وأصول التعامل تقضي بذلك. ج- الوقف: هو حبس العين عن التملك على وجه التأييد والتصدق بالمنفعة العامة على الفقراء أو على وجه من وجوه البر والخير. ح- الواقعة المادية: ليست الإرادة وحدها القادرة على نقل الملكية العقارية بين الأفراد بل أن الواقعة المادية هذه المكانة كذلك دون تدخل إرادة الفرد فالواقعة المادية يرتب عليها القانون أثرا بغض النظر أن تكون الإدارة قد اتجهت ألي أحداث هذا الأثر، وهي تحدث إما بفعل الطبيعة أو بفعل الإنسان. ومثالها لوفاة: فهي واقعة مادية طبيعية يرتب عليها القانون أثرا وهو انتقال أموال الهالك(العقارية منها والمنقولة إلى ورثته طبقا لنص المادة 15 من الأمر 75/74 المؤرخ في 12/11/1975 المتضمن إعداد مسح الأراضي العام وتأسيس السجل العقاري) غير أن الملكية عن طريق الوفاة يسري مفعوله من يوم وفاة أصحاب الحقوق العينية لكن إذا أراد أحد الورثة التصرف في كل أو جزء من المال الشائع يجب عليه استصدار " شهادة توثيقية" من الموثق لكي يكون تصرفه نافذا إعمالا لنص المادة 91 من المرسوم 76- 63 المؤرخ في 25/03/1976 المتعلق بتأسيس السجل العقاري : (كل انتقال أو إنشاء أو انقضاء الحقوق العينية العقارية بمناسبة أو بفعل الوفاة ضمن الآجال المحددة في المادة 99 يجب أن يثبت بموجب شهادة موثقة)، والمادة 39 من نفس المرسوم عندما يتم إشهار شهادة موثقة بعد وفاة تثبت الانتقال المشاع للأملاك باسم مختلف الورثة أو الموصى لهم فانه يؤشر على بطاقة العقار بأسماء جميع المالكين على الشيوع بالحصة التي تعود لكل واحد منهم عندما يكون ذلك مبين في الشهادة الشفعة: هي رخصة تجيز في بيع العقار الحلول محل المشتري في أحوال معينة نصت عليها إحدى مواد القانون المدني الجزائري وهي في حقيقة الأمر تعتبر واقعة مركبة لأن فيها تصرف إرادي من جانب التشييع وان كان المبرر لها سببا ماديا أي واقعة طبيعية وهي الشيوع، غير أنها (الواقعة الطبيعية ) لا تكسب الملكية بذاتها، وانما الذي يكسب الملكية في الشفعة هو إعلان رغبة الشفيع وهذا تصرف قانوني. خ- الاستيلاء: وهو سبب لكسب ملكية شيء لا مالك له، وذلك بمجرد حيازته بنية تملكه، كما أنه لا يرد إلا على الأشياء التي لا مالك لها حسب ما جاء في نص مادة من مواد القانون المدني تعتبر ملكا من أملاك الدولة جميع الأموال الشاغرة التي ليست لها مالك وكذلك أموال الأشخاص الذين يموتون من غير وارث أو الذين تهمل تركتهم. د- الحيازة: وهي وضع اليد على عقار مع مرور مدة التقادم المكسب للملكية فيؤدي إلى امتلاك واضع اليد له ووضع اليد هنا واقعة يرتب عليها القانون أثرا هو كسب الملكية العقارية طبقا لما نص عليه المشرع الجزائري الالتصاق (الالتحاق): -يعتبر الالتصاق طريق لاكتساب الملكية العقارية، عندما يتحدد شيء مملوك لشخص معين بشيء مملوك لشخص آخر بصفة تبعية، وطبقا لقاعدة الأصل يتبع الفرع، فان ملكية الشيء الفرعي تكون لمالك الشيء الذي التصق به على أن يعوض مالك الأصل مالك الفرع طبقا للمادة 788من القانون المدني . يتضح مما تقدم أن تنظيم المشرع المغربي لنقل الملكية وخاصة لعقدي الهبة والصدقة ضمن مدونة الحقوق العينية يعد خطوة محمودة في إطار إصلاح الترسانة القانونية، وهذا التشريع وإن جاء متأخرا إلا أنه حسم في العديد من النقاشات الفقهية والتضارب القضائي. وقد ارتأينا بعد دراسة جوانب هذا الموضوع أن نضع بعض المقترحات التي استنتجناها من تنظيم المشرع لعقدي الهبة والصدقة وهي كالآتي: -يجب على المشرع ضبط حالات الاعتصار بتنظيم محكم -يجب الإقرار من لدن المشرع أن رابطة الزوجية هي مانع من موانع الاعتصار سواء أثناء سريان رابطة الزوجية أو بعد انحلالها. ونشير في هذا الأخير أنه في حالة وجود نقص في التشريع أو عدم وجود نص يطبق على النزاع سواء تعلق بالهبة أو الصدقة، فيرجع إلى ما جرى به العمل في مذهب الإمام مالك وإلى الاجتهاد الذي يراعى فيه تحقيق قيم الإسلام كما ورد في المادة 400 من مدونة الأسرة .