ارتبط بزوغ مواقع التواصل الاجتماعي وانتشارها عالميًّا بتعزيز قيم الحرية والتواصل والحق في التعبير، وهو الارتباط الذي تأكد مع استخدامها في دعم حركات الرفض والاحتجاج، وتداول المعلومات، وكسر قيود الحجب والحظر، وفضح ممارسات الفساد، وغيرها من الاستخدامات التي جعلت من الحديث عن "مراقبة" محتوى مواقع التواصل الاجتماعي أمرًا مثيرًا للقلق والمخاوف. في المقابل، يرى البعض أن تلك المراقبة باتت ضرورة ملحة في ظل الاستخدامات غير القانونية لتلك الشبكات باستغلالها للاتجار في الممنوعات، أو القيام بأعمال النصب والاحتيال والتشهير ونشر الشائعات، فضلا عن استخدامها من قبل الحركات الإرهابية لأغراض الدعاية والتجنيد، وهو ما يستدعي تفنيد ماهية "مراقبة" محتوى مواقع التواصل الاجتماعي، والتمييز بينها وبين أعمال التجسس والتتبع والاستهداف، والضوابط اللازمة لمنع انحراف آليات تلك المراقبة، وتحولها إلى أذرع للقمع تحت لافتات حماية الأمن والاستقرار. مستويات المراقبة على الرغم من ارتباط مفردات "المراقبة" بالأجهزة الحكومية والأمنية، إلا أن الواقع يكشف عن عدة مستويات من مراقبة محتوى مواقع التواصل الاجتماعي، تبدأ بإدارات تلك المواقع نفسها، ثم المستخدمين الذين يتمكنون من الإبلاغ عن المحتوى الذي يرونه مخالفًا، أو لا يرغبون في وجوده لأسباب يحددونها، ثم المراقبة التي تمارسها أطراف خارجية حكومية أو غير حكومية، لأهداف متنوعة سياسية وأمنية واقتصادية ومجتمعية. فإدارات مواقع التواصل تمتلك سلطات رقابية واسعة على المحتوى المنشور عبر صفحات وحسابات مستخدميها، وهي الرقابة التي تمارسها وفق شروط الاستخدام التي يلزم الموافقة عليها إجباريًّا وبصورة مسبقة، والتي تختلف بدورها من موقع إلى آخر إلا أنها تتفق إجمالا على الحق في مراجعة المحتوى، ورفض أو حذف أي مضمون أو حساب يخالف سياساتها الآنية أو المستقبلية ودون الالتزام بتقديم إخطار مسبق. وقد أثارت مراقبة إدارات مواقع التواصل للمحتوى المنشور جدالات عديدة، لا سيما مع وجود "شبهات" سياسية إزاءها، ما دفع أكثر من 70 جماعة حقوقية أمريكية لتوجيه رسالة إلى إدارة فيسبوك يوم 1 نوفمبر 2016 يتهمونها فيها بفرض الرقابة على منشورات تُوثِّق لانتهاكات حقوق الإنسان، وهو ما جاء بعد حذف الموقع محتوى يُوثِّق لعنف الشرطة، وكذلك حذفه الصورة الشهيرة التي تعود إلى عام 1972 للطفلة الفيتنامية الهاربة من القصف الأمريكي بالنابلم من حساب رئيسة وزار النرويج "إيرنا سولبرج"، بزعم أن الطفلة "عارية". وعلى نفس الصعيد، قام موقع يوتيوب في الحادي عشر من أكتوبر 2015 بحذف قناة حركة حماس بناء على طلب من الخارجية الإسرائيلية، كما سبق أن أغلق موقع تويتر في 16 ابريل 2016 حسابًا للمتحدث الرسمي باسم كتائب القسام، وأغلق فيسبوك 90 صفحة تابعة لحركة المقاومة الفلسطينية مطلع عام 2017. كما سبق أن أعلن موقع تويتر عام 2012 أنه قد يُضطر لحجب بعض الرسائل إذا أجبرته تشريعات دولة ما على ذلك. ولم يجد موقع فيسبوك حرجًا في تطوير أداة رقابية تحذف المحتوى تلقائيًّا من صفحات المستخدمين بغرض رفع الحظر المفروض عليه في الصين منذ عام 2009، بما يفتح أمامه سوقًا إعلانية ضخمة تَحُولُ الاعتبارات السياسية دون وصوله إليها. ووفق تقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" في نوفمبر 2016، فإن فيسبوك لا يعتزم ممارسة الحجب بنفسه، ولكن سيتم ذلك من خلال طرف ثالث يمكّنه الموقع من المراقبة واتخاذ القرار بشأن ظهور تلك المشاركات من عدمه، بما ينقل مراقبة المحتوى إلى مستوى جديد من الرقابة المسبقة أو الفورية التي تتجاوز حدود المراقبة اللاحقة الموجودة حاليًّا. وإذا كانت تلك الممارسات تأتي على مستوى المواقع ومستخدميها، فإن هناك مستويات أخرى من المراقبة تتصل بأطراف ثالثة تُعنَى برصد ومتابعة المحتوى المنشور، وهو ما لا يقتصر على الجهات الأمنية فحسب؛ إذ باتت المؤسسات المحلية والدولية تخصص الإدارات والمراصد والفرق المعنية بمراقبة محتوى وسائل التواصل، بما يعنيه ذلك من متابعة ورصد وتحليل للاتجاهات، لما تحمله من أهمية بالغة لنشاطاتها. فالمؤسسات المجتمعية، مثل المدارس، على سبيل المثال، تُعنَى بمراقبة استخدام الطلاب للإنترنت، بما في ذلك الشبكات الاجتماعية، وهو ما يتم عبر تطبيقات معروفة مثل CompuGuardian وGaggle، وهي المراقبة التي تشوبها أيضًا بعض الانتهاكات والتجاوزات، كاستخدام تلك الأدوات لقمع الطلاب الذين يرصدون التجاوزات، وفقًا لما رصده تقرير للتحالف الوطني الأمريكي ضد الرقابة NACA. كما تقوم الشركات والكيانات الاقتصادية باستخدام تطبيقات وبرمجيات لمراقبة محتوى الإعلام الاجتماعي بغرض معرفة الاتجاهات والآراء والنقاشات التي تؤثر على تداول منتجاتها وصورتها، مثل تطبيقات snaptrends، لا سيما في ظل تأثير المعلومات المتداولة على اتجاهات الأسواق. مراقبة الحكومات إذا كانت هناك أطراف عديدة "تراقب" محتوى مواقع التواصل الاجتماعي، بمفاهيم الرصد والمتابعة والتحليل، فإن المراقبة التي تمارسها الحكومات تُثير الجدل بشأن أهدافها ومشروعيتها وضوابطها، لا سيما مع استخدام برمجيات للتجسس لقرصنة تلك المواقع، والحصول على بيانات شخصية تنتهك حقوق الأفراد وخصوصياتهم دون رقابة أو إذن قضائي. ويمكن تحديد عدة ممارسات تتبعها الدول لمراقبة محتوى التواصل الاجتماعي، بعضها مشروع، والآخر يدخل في نطاق التجسس غير القانوني، أبرزها: 1- إنشاء المراصد ووحدات المتابعة: إذ باتت الهيئات الحكومية، الأمنية وغير الأمنية، تهتم برصد وسائل التواصل الاجتماعي وما ينشر عليها، بغرض التعرف على توجهات الرأي العام أو الرد على الشائعات، وكذلك تتبع النشاطات غير القانونية (مثل: الدعاية الإرهابية، وممارسة الاحتيال، وغيرها)، وهي المراصد التي تمزج بين الجهود البشرية، وكذلك استخدام التطبيقات المتخصصة في جمع البيانات من وسائل التواصل. ومن نماذج تلك الوحدات، مرصد الفتاوى المتشددة الذي أنشأته دار الإفتاء المصرية لتتبع تلك الفتاوى والآراء المتطرفة والرد عليها. 2- استخدام تقنيات مراقبة المحتوى: وهي حلول تقنية وخدمات تنتجها شركات الاستشارات التكنولوجية تقوم برصد محتوى الإعلام الاجتماعي social media data mining، وجمع المعلومات عبر المنصات المختلفة، إلى جانب تحليل تلك المادة، واستخراج المؤشرات منها بشكل فوري وآلي عبر محركات تحليل النصوص text analytic engines. وعلى الرغم من مشروعية جمع البيانات العمومية التي ينشرها الأفراد بشكل علني على حساباتهم، إلا أن هذه التطبيقات تشهد توسعًا كبيرًا في الإنفاق الحكومي عليها، فضلا عن شبهات التمييز التي تشوب عملها بالتركيز على تتبع فئة معينة أو قطاع بعينه أو أعضاء حركة بأعينهم، بما قد يخالف الحقوق الدستورية أو القواعد القانونية. ورصدت دراسة لمركز "برينان" للعدالة بكلية القانون في جامعة نيويورك قيام المدن والمقاطعات ووكالات إنفاذ القانون في الولاياتالمتحدة بإنفاق 5.7 مليارات دولار على تكنولوجيا مراقبة الإعلام الاجتماعيSocial media monitoring technology لتتبع وأرشفة معلومات ملايين المستخدمين وأنشطتهم، وهو ما شابه بعض التجاوزات التي رصدها المركز، مثل قيام وزارة العدالة والشرطة في مدينة أوكلاند بولاية كاليفورنيا بمراقبة شخصيات بارزة في حركة "حياة السود لها قيمة" على تويتر. 3- عقد تفاهمات مع شركات مواقع التواصل: وهي الاتفاقات التي تعقدها الحكومات مع شركات مواقع التواصل، وتقدم بموجبها الأخيرة المعلومات بشأن أنشطة المستخدمين، ومن أشهر الممارسات في هذا الشأن، القانون الأمريكي لمكافحة استخدام الإرهابيين للإعلام الاجتماعي الذي تم تمريره في 16 ديسمبر 2015(Combat Terrorist Use of Social Media Act of 2015)، ويمنح الإدارة الأمريكية صلاحيات لمراقبة هذا المحتوى، وبناء تفاهمات مع الشركات المالكة لتلك المواقع بشأن الحصول على المعلومات. 4- تقديم طلبات كشف البيانات: إذ تقدم الحكومات لإدارات مواقع التواصل الاجتماعي طلبات بالكشف عن بيانات مستخدمين أو صفحات بعينها لأسباب أمنية أو جنائية، وهي الطلبات التي تتقدم بها هيئات تنفيذية أو تتم بناء على أحكام قضائية. وتظهر تقارير الشفافية الصادرة عن إدارات مواقع عالمية الإحصاءات الخاصة بتلك الطلبات، إذ كشفت شركة جوجل عن تلقيها 44 ألفًا و943 طلبًا حكوميًّا يتعلق بنحو 77 ألف حساب ومستخدم حول العالم خلال الفترة من 1 يناير إلى 30 يونيو 2016 فقط، كما أنها تلقت 4931 طلبًا حكوميًّا لإزالة المحتوى، منها 62% من جهات تنفيذية غير قضائية، وذلك في الفترة من يوليو إلى ديسمبر 2015، وجاءت تلك الطلبات لحذف 27 ألف مادة تشمل 6144 فيديو على يوتيوب و3808 تدوينات. وعلى الصعيد نفسه، أشار تقرير الشفافية الخاص بموقع تويتر إلى أنه تلقى 5195 طلبًا رسميًّا لإزالة المحتوى من 37 دولة في النصف الأول من 2016، منها 85% وردت من جهات تنفيذية مقابل 15% أوامر قضائية، وهي الطلبات التي تعلقت بنحو 21 ألف حساب، كما أنه تلقى في الفترة نفسها 5676 طلبًا حكوميًّا لإتاحة المعلومات الخاصة بأكثر من 13 حسابًا خلال نفس الفترة. وفي المقابل، كشف تقرير الشفافية لموقع فيسبوك عن تلقيه هو الآخر من يناير إلى يونيو 2016 أكثر من 59 ألف طلب حكومي للحصول على بيانات أو حجب محتوى يتعلق بنحو 87 ألف حساب حول العالم. 5- استخدام سياسات الإبلاغ: وذلك بالاستفادة من خاصية إبلاغ إدارة الموقع عن المحتوى المخالف لسياساته ومن ثم يتم حذفه. وعلى الرغم من أن تلك الخاصية موجهة للمستخدمين بشكل أساسي، إلا أن هناك اتهامات للحكومات باستخدامها لحذف المحتوى غير المرغوب فيه، من خلال ما يسمى باللجان الإلكترونية التي تشن هجمات من الإبلاغ الكثيف ضد حساب بعينه أو صفحة ما أو منشور معين، فضلا عن وجود برمجيات يمكنها القيام بتلك المهمة بشكل إلكتروني. 6- برمجيات التجسس والاختراق: وهي برمجيات القرصنة التي تحصل عليها بعض الحكومات والأجهزة الأمنية للتجسس على المستخدمين، بما يخالف حقوق الأفراد في الخصوصية، ويكون الكشف عنها بمثابة فضائح لتلك الإدارات. ومن أشهر الوقائع في هذا المجال، ما كشفت عنه تسريبات ضابط الاستخبارات الأمريكي السابق "إدوارد سنودن" عام 2013، بشأن استخدام وكالة الأمن القومي برنامج "بريسم PRISM" للتجسس الرقمي، والذي يسمح للوكالة بجمع البيانات مباشرة من خواديم تسع شركات كبرى (ميكروسوفت، وجوجل، وياهوو، وفيسبوك، وبالتوك، ويوتيوب، وسكايب، وأمريكا أونلاين، وآبل) بما في ذلك المراسلات الشخصية والاتصالات الصوتية، وذلك بدون مذكرة أو تصريح رسمي، وبدون الحاجة إلى إذن من هذه الشركات التي أنكرت صلتها بالمشروع، كما كشفت التسريبات عن استخدام بريطانيا هي الأخرى برنامج تجسس إلكترونيًّا متقدمًا يحمل اسم "تمبورا Tempora". وفي واقعة مماثلة، تم تسريب مراسلات شركة هاكينج تيم التي تعمل في مجال الاختراق والمراقبة في يوليو 2015، والتي كشفت عن توريدها تطبيقات قادرة على اختراق المحادثات والرسائل والحسابات لثلاثين دولة حول العالم. ومن أشهر البرمجيات في هذا المجال أيضًا، التقنيات التي تنتجها شركة بلو كوت الأمريكية، والتي تقوم بمراقبة تدفق البيانات عبر تقنية DPI التي تتيح إمكانات كبيرة للتجسس بما في ذلك حسابات مواقع التواصل وبرامج المحادثات مثل سكايب وواتس آب، وتقدم الشركة خدماتها لأكثر من 15 ألف عميل حول العالم تشمل حكومات وجهات خاصة. 7- الحجب الكلي والجزئي: ويمثل هذا الإجراء المستوى الأكثر تشددًا في فرض الرقابة على مواقع التواصل، سواء من خلال الحجب التام لمواقع التواصل على غرار إيران وكوريا الشمالية وكذلك الصين التي أنشأت مواقع بديلة لمواطنيها مثل يوكو وويبو، أو الحجب المؤقت المرتبط بأحداث معينة مثل حظر يوتيوب في بنجلاديش عام 2012 احتجاجًا على فيديو مسيء للرسول صلى الله عليه وسلم عام 2012، وحجب تويتر في تركيا عام 2015 إثر تداول صور لاحتجاز مسلحين للمدعي العام، وحظر فيسبوك في تايلاند إثر الانقلاب العسكري عام 2014، وكذلك اتجاه دول إفريقية (مثل: تشاد، والكونغو، وأوغندا) لحظر الإعلام الاجتماعي في فترات الانتخابات. إشكاليات وضوابط إن الطبيعة المزدوجة لاستخدامات مواقع التواصل الاجتماعي تثير المطالب بشأن مراقبة المحتوى المنشور عليها والأنشطة المتداولة عبر حساباتها، وفي الوقت ذاته تثير المخاوف بشأن انحراف تلك المراقبة إلى استهداف المعارضة السياسية وممارسة التمييز وانتهاك الخصوصية، لا سيما وأن جزءًا كبيرًا مما يتم تداوله عبر تلك الشبكات لا يدخل في نطاق المحتوى العام، وإنما يتضمن مراسلات خاصة وبيانات شخصية وأنشطة تصفح وبيانات جغرافية، وغيرها من المعلومات التي لا تدخل في نطاق تعريف "المكان العام"، وتستلزم مراقبتها موافقات قضائية. وعلى الرغم من تبرير المراقبة الحكومية لوسائل التواصل باعتبارها تدخل في حيز اختصاصات الأجهزة الأمنية من حيث اضطلاعها بحماية الأمن العام، إلا أن هناك عدة إشكاليات تعترض ذلك الدور، أهمها اعتبارات الخصوصية، كما سبق التوضيح، والتي تنقل أعمال المراقبة من نطاق الرصد والتحليل إلى نطاق التجسس والتعقب حال ممارسته دون إعمال الضوابط القانونية. وينقلنا ذلك لإشكالية أخرى تتصل بتعريف المصلحة العامة ومتطلبات الأمن القومي وغيرها من المتطلبات التي يتم استخدامها لتسويغ أعمال الرصد والمراقبة، والتي لا خلاف على أهميتها، إنما الخلاف يتبادر إلى تعريفها وتأطير حدودها، خاصة في المجتمعات التي تعاني فترات انتقالية أو استقطابات حادة. ويزيد من تلك الإشكاليات الحداثة النسبية لاستخدام تلك الوسائل في بعض المجتمعات، وتخلف الأطر القانونية بشأنها، وعدم وضوح مفاهيمها، خاصة مع التطور السريع لتقنياتها وأدواتها. هذا بالإضافة إلى الطبيعة العابرة للحدود لتلك الخدمات، وما يثيره ذلك من إشكاليات متنوعة، بل إن امتلاك شركات تقع في دول أخرى، لهذا الكم من البيانات والمعلومات حول مواطني الدولة يثير مخاطر أمنية كبيرة في حد ذاته. كل تلك الاعتبارات تضع حريات مواقع التواصل الاجتماعي على المحك، وتخضع مبادئ الديمقراطيات العالمية لاختبار حقيقي، خاصة في ظل الفضائح والتجاوزات التي يتم الكشف عنها من وقت لآخر، وتورط إدارات مواقع التواصل نفسها فيها، بل وقدومها على إقرار أدوات للمراقبة تتلاءم مع سياسات دول قمعية من أجل الوصول لأسواق جديدة وتحقيق أرباح اقتصادية، بما يتجاوز حدود الصورة الوردية لأدوارها في تحرير الشعوب ودعم قيم الحوار العالمي. وما بين مخاوف القمع وهواجس التهديدات الأمنية، تبدو مراقبة محتوى وسائل التواصل الاجتماعي أمرًا بديهيًّا، بل وضرورة واجبة لا يمكن إنكارها، إلا أنه يتحتم أن تتم في إطار تعريف دقيق يضعها في نطاق الرصد والتحليل الخاضع للرقابة والمساءلة والمكاشفة، ويحول دون انحرافها لممارسات تمييزية أو تجسسية، بما يحقق التوازن بين حرية استخدام مواقع التواصل الاجتماعي والحد من مخاطرها. على أن تحقيق هذا التوازن لا يمكن أن يتم بالاعتماد على نزاهة الأجهزة التنفيذية، والتزامها الذاتي بالقواعد القانونية والدستورية، وإنما يستدعي بناء منظومة متكاملة تجمع بين وضع قوانين ترسخ القواعد الدستورية الكافلة لحقوق الأفراد وحماية خصوصياتهم وترشيد الأداء الأمني، وتفعيل أدوات الرقابة والمساءلة البرلمانية من ناحية، والإشراف القضائي من ناحية أخرى. يتوازى مع ذلك إتاحة الفرصة أمام منظمات المجتمع المدني والإعلام برصد المخالفات وإدارة النقاش العام بشأنها، وصولا إلى منظومة متوازنة قوامها الشفافية وإنفاذ القانون وممارسة الضغوط المتبادلة، وهو ما تشوبه التجاوزات حتى في أعظم ديمقراطيات العالم، إلا أن الكشف عن تلك التجاوزات وإعمال قواعد المحاسبة بشأنها، يظل رهنًا بتفعيل أدوار القوى الفاعلة بالمشهد السياسي والمجتمعي لحماية إحدى أهم أدوات الديمقراطية التشاركية. *مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة