منذ إستئناف العلاقات المغربية الإسرائيلية سنة 2020، يعرف المغرب وإسرائيل دينامية جديدة من العلاقات في مختلف المجالات، أساسها الثقة والإلتزام المتبادل. لقد شكل قرار إستئناف العلاقات قرارا إستراتيجيا تاريخيا ،فمنذ ذلك اليوم ونحن نشاهد تطورات إيجابية كبيرة بين البلدين، زيارات لمختلف المسؤولين الإسرائيليين للمغرب، ولم تقتصر فقط على الجانب العسكري(لأول مرة، الجيش الإسرائيلي يشارك في مناورات "الأسد الأفريقي" 2023،ويذكر أن إسرائيل شاركت في نسخة 2022 من "الأسد الأفريقي"، كمراقب عسكري دولي، دون مشاركة جنودها في التدريبات) والأمني، من خلال تبادل الزيارات بهدف تحديث الترسانة العسكرية وتبادل الخبرات والتعاون الأمني في مجال محاربة الإرهاب ومختلف أنواع الجرائم،بل شملت أيضا مجالات أخرى سنذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: * زيارة وزيرة النقل الإسرائيلية وتوقيعها لإتفافيات مع نظيرها المغربي ؛ * زيارة وزيري الداخلية والصحة وتوقيعهما مذكرة تفاهم مع نظيرهما المغربيين؛ * زيارة مستشار الأمن القومي الإسرائيلي للمغرب ؛ * توقيع مذكرة تفاهم بين وزير الصناعة المغربي ورئيس مجلس إدارة شركة الصناعات الفضائية، إذ تم التركيز على التعاون الجوي والفضائي؛ * توقيع اتفاقيات بين الوكالة الوطنية للزراعة المائية والشركة الإسرائيلية AGRIGO إذ سيتم فتح مزرعة سمك بالقرب من مدينة طنجة بمبلغ 10 مليون أورو وذلك بحضور وزير الفلاحة المغربي؛ * زيارة وفد من جامعة حيفا وتوقيعه مذكرة تفاهم مع جامعة عبد المالك السعدي في شخص رئيسها السيد بوشتى المومني، في إطار التعاون الاكاديمي، وسيشمل : العلوم البحرية، وفي ميادين الزراعة المائية المستدامة، والتكنولوجيات البحرية والبحوث الإيكولوجية؛ * تعاون بين المغرب والإتحاد الأوروبي وإسرائيل لمواجهة التحديات الراهنة من قبيل تدبير المياه، البحث العلمي، والتنمية؛ * حجم التبادل التجاري بين المغرب وإسرائيل بلغ 55.7 مليون دولار سنة 2022؛ * مشاركة إسرائيل في المتلقى الدولي للفلاحة بمكناس في شهر ماي 2023 والتعبير عن تطوير الشراكات في ميدان الزراعة والفلاحة بين المغرب وإسرائيل بإستخدام التكنولوجيات الحديثة ؛ * مشاركة وزير الخارجية المغربي في قمة النقب سنة 2022 ومن المرتقب تنظيم القمة الثانية بالمغرب وستكون فرصة لبناء دينامية جديدة للسلام، دون أن ننسى بأن المملكة المغربية الشريفة تبذل جهدا كبيرا في إيجاد حل للقضية الفلسطينية، فصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده ما فتئ يدعم حل دولتين تعيشان جنبا إلى جنب وإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية في حدود 1967؛ * الشراكات تعدت القطاع العام ووصلت للقطاع الخاص، فإتحاد العام لمقاولات المغرب أبرم شراكات مع الهيئة الإسرائيلية للمشغلين وأرباب الأعمال لتحقيق التعاون بين المقاولات المغربية والإسرائيلية ؛ * توقيع مذكرة تفاهم بين البرلمان المغربي الإسرائيلي (الكينست) ،بهدف التعاون وتبادل الخبرات في مجال التشريع والعمل البرلماني ، فالتجربة البرلمانية المغربية نموذج يحتذى به لاسيما أن دستور 2011 أعطى للمؤسسة التشريعية مكانة مهمة،فترتيب المشرع الدستوري المغربي للأبواب لم يكن عشوائيا أو من محض الصدفة، فترتيب البرلمان في الباب الرابع بعد الباب الثالث للمؤسسة الملكية يعتبر نقطة قوة لهذه المؤسسة التشريعية، بل أكثر من ذلك أنها تحظى بالعناية المولوية الملكية السامية،فجلالة الملك حفظه الله ورعاه هو من يترأس انطلاق الدورة التشريعية يوم الجمعة الثانية من شهر أكتوبر من كل سنة، وبالتالي هناك حرص ملكي فائق على توجيه العمل البرلماني، كما أن دستور 2011 أكد بأن جلالة الملك يمكنه أن يطلب من البرلمان قراءة جديدة لأي مشروع أو مقترح قانون وبالتالي حرص المؤسسة الملكية على جودة التشريعات، كما أن البرلمان المغربي له شراكات متعددة مع جل برلمانات العالم ،كل هذا جعل منه محطة اهتمام من نظيره الإسرائيلي للإستفادة منه، وبالتالي قام البرلمان المغربي بإحداث مجموعة للصداقة المغربية الإسرائيلية ويأتي هذا تماشيا مع الفصل 69 من الدستور الجديد في إطار الديبلوماسية البرلمانية. إن العلاقات المغربية الإسرائيلية المتميزة ليست وليدة اللحظة،فالمغرب كان عبر التاريخ أرضا للتعايش والتسامح والحوار والإنفتاح،كما أن الدستور الجديد في ديباجته أكد أن العبرية تعتبر من روافد الهوية المغربية، كما تمت إعادة تأهيل وتطوير دور العبادة والأحياء والمقابر، علاوة على عمليات تنظيم للطائفة اليهودية المغربية عبر مؤسسات من قبيل المجلس الوطني للطائفة اليهودية المغربية، ولجنة اليهود المغاربة بالخارج، ومؤسسة الديانة اليهودية المغربية، كل هذه الإجراءات وغيرها، التي لقيت ترحيبا واسعا من لدن المجتمع الدولي، تجعل من المغرب فضاء للسلم الذي يعانق العالمية، مع الدعوة إلى الحوار وقيم التسامح والتعايش والعيش المشترك. إن المغرب سيظل متمسكا بالقضية الفلسطينية وقراره بإستئناف العلاقات مع دولة إسرائيل يعتبر قرارا سياديا لا دخل لأحد فيه، فنحن دولة كاملة السيادة ولا يحق لأحد أن يتدخل في شؤوننا، ولعل بلاغ الديوان الملكي الذي صدر في شهر مارس من هذه السنة خير جواب على جميع من يحاول تزييف الحقائق وتشويه صورة المغرب، خير جواب للأحزاب السياسية التي تتخذ من القضية الفلسطينية كمادة تجارية تستخدمها لأغراض إنتخابية وكذلك خير جواب لأعداء وحدتنا الترابية الذين يهدفون لزعزعة استقرار المغرب، إذ أكد البلاغ الصادر عن الديوان الملكي أن موقف المغرب من القضية الفلسطينية لا رجعة فيه، وهي تعد من أولويات السياسة الخارجية لجلالة الملك، أمير المؤمنين ورئيس لجنة القدس، الذي وضعها في مرتبة قضية الوحدة الترابية للمملكة. وهو موقف مبدئي ثابت للمغرب، لا يخضع للمزايدات السياسوية أو للحملات الانتخابية الضيقة. وسنختم بمتقطف من الرسالة الملكية الموجهة إلى المشاركين في أشغال المؤتمر البرلماني الدولي حول "حوار الأديان" : لنتعاون من أجل مستقبل مشترك "، والذي كان منعقدا بمراكش يوم الثلاثاء 13 يونيو 2023،حيث قال جلالة الملك أسماه الله وأعز أمره :" تحرص المملكة المغربية على أن تظل نموذجًا للدولة التي يتعايش على أرضها، في أخوة وأمان، معتنقو الديانات السماوية، وذلك وفاء منها لتاريخها العريق في التنوع والتعددية الدينية والثقافية التي ميزت الكيان المغربي منذ قُرون. فعلى هذه الأرض تعايش ويتعايش المسلمون واليهود والمسيحيون منذ قرون. وأرض المغرب هي التي استقبلت آلاف الأشخاص من المسلمين واليهود الذين فروا من الاضطهاد الديني من شبه الجزيرة الإيبيرية، خلال القرنين الخامس عشر والسادس عشر، ووفرت لهم الحماية الكريمة. ويذكر التاريخ المعاصر لجدّنا جلالة المغفور له الملك محمد الخامس طيب الله ثراه، الرعاية والحماية التي أحاط بها آلاف الأشخاص من معتنقي الديانة اليهودية، الفارين من اضطهاد حكومة فيشي المتحالفة مع النازية. وقد واصل والدنا المنعم، جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني، طيب الله ثراه، طيلة فترة توليه عرش أسلافه المنعمين، نفس النهج بالعناية بالمواطنين المغاربة معتنقي الديانة اليهودية، وظل حريصا على ترسيخ قيم التعايش والإخاء بين كافة المغاربة من مسلمين ويهود. ويسجل التاريخ لجلالته أيضا أنه بادر – رحمة الله عليه – باستقبال قداسة البابا يوحنا بولس الثاني عام 1985، في أول زيارة يقوم بها قداسته لبلد إسلامي. وبعد أربعة وثلاثين عاما على هذه الزيارة التاريخية، استقبلنا، في مارس 2019، قداسة البابا فرنسيس، بابا الفاتكان، الذي دعوناه إلى زيارة رسمية للمغرب، إيمانا منا بنُبل الحوار بين الأديان، وبأهمية توجيه جهود السلطات الدينية لخدمة السلم والتعاون والأخوة البشرية. ومن جهة أخرى، حرصنا منذ تولينا العرش، على تعزيز روح الأخوة والتعايش والتعاون والتلاحم بين المغاربة، يهودًا ومسلمين، باعتبار ذلك من الركائز الأساسية للحضارة المغربية. ويزخر النسيج العمراني للمدن المغربية بصور ذات دلالات عظيمة، حيث تنتصب المساجد والبيَع والكنائس غير بعيدة عن بعضها البعض. ولا يتعلق الأمر فقط بضرورات التعمير التي فرضت هذا الجوار، وإنما يتعلق بأبعاد روحية وإنسانية وحضارية متأصلة في المجتمع المغربي، وبقيمة التسامح التي تميز مجتمعنا. حضرات السيدات والسادة، إذا كان الإسلام دين الدولة، فإن دستور المملكة يؤكد على أن "الدولة تضمن لكل واحد حرية ممارسة شؤونه الدينية". وكما نؤكد دائما، وبصفتنا ملكا للمغرب وأميرا للمؤمنين، فإننا مؤتمنون على ضمان حرية ممارسة الشعائر الدينية، ومؤتمنون على حماية اليهود والمسيحيين المغاربة القادمين من الدول الأخرى الذين يعيشون على أرض المغرب". *باحث بسلك الدكتوراة بكلية الحقوق بطنجة