ليس من الغريب أن تصادف داخل المجتمع شبابا أو أناسا عاطلين عن العمل لكن المثير للاستغراب والدهشة حقا هو حين تصادف بشرا عاطلا عن التفكير. فبالرغم من أن الإنسان كائن مفكر أنعم عليه العلي القدير بنعمة العقل إلا أن هذا الأخير لا يجيد استغلال عقله والنتيجة عادة ما تكون فشله في تدبير حياته. والبطالة الفكرية هي كسل فكري ذريع يمنع الإنسان من التمتع بقدرته على التفكير وبالتالي يستمتع بحالة الجمود الفكري الذي لا ينقصه سوى بيوت العنكبوت وبعض الصراصير كدليل قاطع عن عدم فعاليته مند أمد بعيد. كما أن المقصود هنا بالبطالة الفكرية هي عدم تبني التفكير الإيجابي الذي من شأنه أن يغير مجرى حياة كل فرد منا, فلو استطاع الكائن البشري أن يركز على ما يريد تحقيقه في حياته لحقق كل الغايات المنشودة. وعلى عكس ما يعتقده الكثيرون بأن أكثر الشخصيات الناجحة و صاحبة المكانة الإجتماعية الرفيعة والمرموقة قد وصلت إلى ما هي عليه اليوم فقط من خلال العمل الجاد والكفاح هو اعتقاد خاطئ , فالعمل والشواهد الدراسية وحدها ليست كافية لجعل الفرد ناجحا ومتميزا إذا لم تقترن بالتفكير السليم. والتفكير السليم هو التفكير الإيجابي والفعال الذي لا يتطلب من الشخص سوى التركيز على النقط والجوانب الإيجابية في مختلف المواقف حتى الصعبة منها. وقد يقول قائل كيف يستطيع التفكير تغير حياتي والجواب يكمن أولا في تغيرك لطريقة تفكيرك وفي إيمانك ويقينك بقوته.وعندما يصبح الفرد مدركا لأهمية وخطورة تفكيره ومدى انعكاس طريقة أو أسلوب التفكير الذي يعتمده على حياته حينها فقط يستنتج فعالية الأمر ونتائجه السريعة الظهور. يخطئ من يخصص حيزا طويلا من الوقت وهو يفكر في مشاكله وفي فشله وفي مرضه جاهلا بأن المزيد من التفكير السلبي سيضاعف من وجود الأشياء السلبية وبتفاقم المشاكل , وبأنه عوض التركيز على الأشياء السلبية والإكثار من الشكوى والتذمر طيلة اليوم يجب أن يركز على أهدافه وأن يتخيل نفسه بصدد تحقيقها فلذلك تأثير مهم حيث سيجعله يجرب الحالة النفسية التي سيكون عليها ما إن يحقق كل ما يرغب ويطمح إليه. وهذه الحالة النفسية بدون شك ستكون حالة رضا وسعادة. الحقيقة أن معظم الأشخاص الذين يعانون من حالات اكتئاب سواء بسبب فقدانهم لعمل معين أو خسارة شخص عزيز أو مرض أو لأي سبب من الأسباب لا يعلمون بأن تفكيرهم في المشكل لمدة طويلة عوض تفكيرهم في الحل أو في تجاوز الأمر هو ما يسبب زيادة الإكتئاب أو الإحساس بالفشل والإحباط وبأن السبيل الوحيد و الأنجع لتغير وضعهم الحالي هو في تغير طريقة تفكيرهم أو رؤيتهم للأمور. وهنا تظهر قوة الفكر هذه القدرة العظيمة التي نتمتع بها جميعا والتي من شأنها تحقيق المعجزات. وقد تحدث الدكتور ابراهيم الفقي رحمه الله في كتابه "قوة التفكير" عن كيف يؤثر الفكر على الذهن والجسد والأحاسيس والسلوك وكيف يؤثر على الصورة الذاتية للشخص حيث قال " إن كل إنسان يرسم في داخله صورة عن نفسه في جميع أركان حياته, والصورة الذاتية قد تكون من أهم أسباب النجاح أو الفشل, وأيضا السعادة أو التعاسة وكل ذلك سببه الأفكار" . وهو محق تماما إذ أن كل ما في حياتنا يرتبط ارتباطا وثيقا بأفكارنا وبطريقة تفكيرنا فالنجاح والسعادة والهدوء النفسي والسلام الداخلي وتحقيق الأهداف والأحلام كلها مرتبطة بأفكارنا. فإن فكر الفرد بأنه يستحق كل ما ذكر وركز طاقته الفكرية عليه مع اعتماد مختلف وشتى الطرق لتحقيق ما يرجوه جنبا إلى جنب المحاولة المستمرة وعدم الخوف من المغامرة والتغير فسينجح لا محالة. كما قال برتنيس مالفورد "كل فكرة من أفكارك هي شيء حقيقي. إنها قوة." إن البطالة لا تعني فقط أن يكون الشخص عاطلا عن العمل بل الأخطر أن يكون عاطلا عن التفكير الإيجابي وعن الإنتاج والإبداع وأن يعتقد بأن وظيفة حكومية ما هي التي ستجعل حياته أفضل.