بزغ نجم أكاديميات كرة القدم بشكل ملفت في السنوات الأخيرة، وباتت تستقطب عددا من اللاعبين حديثي السن، تسعى إلى تكوينهم في فضاءات رياضية ملائمة ومختصة، ما جعلها أشبه بمراكز لتأهيل المواهب ومساعدتهم على تطوير مهاراتهم وصقلها في أفق الاحتراف في كبريات الأندية محليا وعالميا. قبل إحداث هذه المراكز "الأكاديميات" كان اكتشاف المواهب الشابة يتم ب"الصدفة" أو خلال تنظيم دوريات الأحياء، التي تشكل فرصة للمدربين لمتابعة براعم في أوج حماستها، وغالبا ما كانت تقام في فضاءات غير مؤهلة داخل الأحياء السكنية، التي شهدت بروز لاعبين تمكنوا في ما بعد من الالتحاق بأندية وطنية عريقة، ومنهم من نجح في انتزاع مكان له في صفوف المنتخبات الوطنية المغربية. في خضم التطور الذي كانت تشهده مراكز كرة القدم عبر العالم، بدأت فكرة إنشاء أكاديميات بالمغرب مختصة في تكوين اللاعبين الصغار تتجسد على أرض الواقع مع بداية العشرية الأخيرة، رغم أن فكرة إحداثها بدأت محتشمة. ونجحت هذه الأكاديميات في استقطاب عدد كبير من اللاعبين الصغار الراغبين في تطوير مهاراتهم كما نجحت في تعويض غياب الفضاءات الرياضية في الأحياء (قبل إحداث ملاعب القرب)، وتمكنت من أن تضطلع بدور أكبر وأكثر أهمية من دور الأندية في مجال التكوين القاعدي. كما شدت بعض الأكاديميات في السنوات الأخيرة انتباه الأندية، حيث زاد اهتمام عدد من الفرق بالمواهب التي تم تكوينها داخل هذه المؤسسات، ما جعلها تحرص على التعاقد مع عدد من اللاعبين الصغار القادرين على تطوير مهاراتهم داخلها . ولعل أن من بين أسباب نجاح كرة القدم المغربية الاهتمام البالغ الذي توليه الجامعة المغربية لكرة القدم للمنتخبات الوطنية بكل فئاتها وتواصل العمل على المدى القريب والمتوسط والبعيد لتحضير أجيال المستقبل ومن أبرز ما تم تحقيقه في إطار استراتيجيتها لتطوير كرة القدم الوطنية هو إحداث أكاديمية محمد السادس لكرة القدم. تعد الأكاديمية مشروعا يروم النهوض بكرة القدم وتطويرها من خلال انتقاء وتكوين لاعبين موهوبين، يشكل بعضهم اليوم العمود الفقري للمنتخب المغربي لكرة القدم الذي تأهل إلى المربع الذهبي لمونديال قطر ولأول مرة في تاريخ كرة القدم العربية والإفريقية. وليس منتخب الكبار فقط من استفاد من ثمار هذه المعلمة الكروية، بل أيضا منتخبات الصغار، ولعل أبرز مثال تواجد تسعة لاعبين من خريجي أكاديمية محمد السادس في صفوف منتخب فئة أقل من 17 سنة الذي أبدع وأمتع في نهائيات كأس إفريقيا للأمم بالجزائر، وبلغ مباراتها النهائية منزعا بذلك احترام المتابعين والمتخصصين . والواقع أن هذا النجاح الباهر ،الذي حققته كرة القدم الوطنية سواء في قطر أو في الجزائر، ليس وليد الصدفة، بل هو ثمرة عمل دؤوب يسهر عليه القائمون على الشأن الرياضي والمؤسسات ذات الصلة من أجل تطوير البنيات التحتية الرياضية، فضلا عن الحكامة في التسيير. ففي مارس 2010 أشرف الملك محمد السادس على تدشين أكاديمية محمد السادس لكرة القدم، بغية المساهمة في تكوين واكتشاف ممارسين لرياضة كرة القدم من مستوى عال، من خلال وضع نظام تربوي يجمع بين الرياضة والدراسة. وقد جرى بناء وتجهيز الأكاديمية وفق معايير تجعلها تضاهي مراكز التكوين المهنية الأوروبية ذات الصيت العالمي، وذلك بغية الاهتمام بشباب المغرب ومنحهم الظروف الملائمة لتلقي تكوين رياضي علمي يخول لهم ممارسة نشاطهم في أكبر الأندية الكروية بالمغرب وأوروبا على حد السواء. وبعد 12 سنة من العمل نجحت الأكاديمية فعلا في تكوين وإنتاج لاعبين من المستوى العالي يلعبون اليوم للمنتخبات الوطنية لكرة القدم ذكورا وإناثا والتي حققت أفضل الإنجازات إفريقيا وعربيا ببلوغها نهائيات المونديال. ويعتبر كل من اللاعب يوسف النصيري المحترف في نادي إشبيلية الإسباني ونايف أكرد لاعب ويستهام يونايتد الإنجليزي وعزالدين أوناحي الذي يلعب في نادي أولمبيك مارسيليا الفرنسي من أبرز خريجي الأكاديمية، ناهيك عن كل ألمع عناصر منتخب أقل من 17 سنة الذين ترعرعوا في أحضان هذه المؤسسة على غرار عبد الحميد آيت بودلال وطه بنغوزيل ومروان ريان بياض وحمزة كوتونو وآدم شاكير و فؤاد الزهوني وسعيد الرافعي وحاتم الموس و حمزة المتوكل.