ظهرت مؤخراً العديد من القنوات الفضائية الموجهة للأطفال، التي باتت تنافس بعضها البعض من حيث الشكل والجودة والمضمون، وأطفالنا يأخذون من هذه ومن تلك دون أدنى متابعة من الآباء على اعتبار أن الأطفال يشاهدون قنوات مخصصة للصغار، تعرض إما أناشيد أو رسوم متحركة، أو حتى بعض البرامج التعليمية، ثم يشتكي معظمهم أن الطفل بدأت تظهر عليه أعراض التوحد والانعزالية، أو العنف والاكتئاب والعصبية. عن هذه المشكلات تقول فاطمة من الجزائر – وهي أم لأربعة أطفال: "تواصلت مع أحد الأطباء النفسيين بسبب انطواء ابنتي الكبرى، وكانت نصيحته لي أن أغلق جهاز التلفاز تماماً إلا لمدة ساعتين أسبوعياً، وبالفعل قسمتها ما بين قنوات أناشيد الأطفال، والبرامج التعليمية التي تأتي في الفترة الصباحية، لكنه رفض الكارتون غير الهادف بشكل قاطع، وبالفعل عندما نفذت ما طلبه، وجدت أن ابنتي بدأت تتفاعل مع أخواتها بعد آن كان لها عالمها الخيالي الخاص مع أفلام الكارتون". ديزني وغزوها لأفكار الصغيرات أما ندين من الأردن فتقول: " مع دخول ابنتي المرحلة الابتدائية لاحظت تغيراً على بعض تصرفاتها، حيث بدأت تود أن تترك شعرها منسدلاً على ظهرها، وتهتم أن يكون مفروداً بلا تجاعيد، كما بدأت تناقشني في تغيير نوعية الملابس، بحيث تريد أن ترتدي الفساتين بلا بنطال ، وتتساءل لماذا لم يخلقها الله بشعر أصفر لامع، وعندما بحثت في الأمر وجدت أنها تتابع أفلام كارتون ديزني في المدرسة، وتود أن تكون مثل سندريلا وسنووايت، حاولت احتواء الأمر ببذل جهد معها في البيت بمتابعة سير الصحابيات، لكنني اكتشفت أن هذه الأفلام لها مفعول السحر في عقول الصغيرات، فلماذا لا تهتم الشركات الإسلامية بإنشاء أفلام كارتون – غير تافهة وعالية الجودة – لتناسب هذا السن وتكون بديلا لديزني! لأني اضطررت لتغيير المدرسة بسبب هذا الأمر". ويتفق معها أبو حامد من قطر حيث يقول: " الأناشيد تترك آثراً في سلوكيات الطفل منذ الصغر، فعندما يردد الطفل نشيد تعليم الصلاة، أو فضل الصوم ينشأ وقد غرست فيه هذه المعاني، التي قد تهتز بعض الشيء في فترة المراهقة لكنه يعود بعدها للقيم التي نشأ عليها، أنا منعت أفلام الكارتون تماماً في بيتي حيث وجدت أحد الأصدقاء يعاني من آثارها الخفية على الأبناء، فمثلاً هو غرس فيهم مبدأ حرمانية أي علاقة بين شاب وفتاة خارج إطار الزواج، في حين أن طفله تابع أفلام كارتون أباحت الصداقة بين الجنسين منذ سن صغير، وثبتت هذه القيمة فيه، وبالتالي دمرت كل القيم التي حاول الأهل غرسها". إعلام الطفل والضوابط الشرعية عرضنا هذه القضية على بعض المتخصصين لعرض تفاصيل القضية فيقول الدكتور وسام عبد الوارث- المدير السابق لقناة الحكمة الفضائية - والتي كانت تخصص ساعات في الظهيرة لفقرات الأطفال: من يريد أن ينشأ قناة فضائية يجب أن يضع في اعتباره ضوابط العمل الإسلامي الإعلامي، فلا يجب أن يكون عملنا الإعلامي مشابهاً للإعلام الغربي في إشكالياته التي تتنافي مع أخلاق المجتمع المسلم ، فالإعلام الغربي هدفه الأول والأوحد الثقل الإعلامي بغض النظر عن القيم الخُلقية للمجتمع، فقد كانت النتائج أن الإعلام حينما يبرز عورات المجتمع في الجرائم الخُلقية، والنتيجة أصبحت زيادة نسبة الجريمة وخرجنا بذلك من الإطارات الضوابط الشرعية. وقنوات الأطفال من المفروض أن يكون بها التفكير أعلي من أي قنوات إعلامية أخري في ضبط ما يتلقاه الطفل، لأن الطفل يعتبر الغراس السهل الذي يسهُل أن يغرس فيه أي فكر أو أي اتجاه أو أي معلومة فهو متلقي جيد متلقي تابع فأي شي يتلقاه قد يفكر في تقليده وتنفيذه، فيجب ان يفكر أصحاب القنوات الخاصة بالأطفال كثيراً قبل قيامهم ببث أي مواد للأطفال، فنحن مثلاً عندما كنا نقدم شيء للأطفال في قناة الحكمة كنا نقوم بفرزها فرزاً جيداً قبل أن نسمح بتقديمها في فقرة أطفال محدودة، فما بالكم في قناة تكون مخصصة للأطفال 24 ساعة، فمن الممكن أن يكون الطفل جالساً أمامها بحوالي 8 ساعات يومياً أو أكثر، فينبغي أن تكون بها ضبط أكبر، لكنني أري أن قناة المجد للأطفال أنجزت إنجازاً كبيراً في هذا المجال لكن يعيبُها فقط مسألة التشفير التي قد تجعل الأسر لا تستطيع الوصول إليها بسهولة، لكن الحقيقة أنها من القنوات التي أطمئن أن أترك أولادي يشاهدونها، أما بشكل عام من السمات التي يجب توافرها في قنوات الأطفال أن تهتم بكل ما يحدث في المجتمع، فلا تركز علي جانب الوعظ الديني فقط أو تركز على الأمور الشرعية فقط لكن ينبغي أن تعلمه كل ما هو مستجد في دنياه من التقنيات ومن العلوم والآداب الحديثة، بحيث يكون الطفل طفل متوازن، فلا يكون الطفل الذي يشاهد قنوات الأطفال المنضبطة عقليته محدودة الثقافة بينما الطفل الآخر الذي يشاهد قنوات الأطفال المنفتِحة يكون متعلم فيها وثقافته متنوعة فضلاً عن ما يتلقاه من أخطاء، لكننا نناشد أصحاب القنوات التي تقدم منهجاً أو محتوي خاص بالأطفال أن تجمع بين كل علوم الدنيا في إطار الضوابط الشرعية. الإعلانات ومخاطرها وعن مخاطر الفقرات الإعلانية في بعض قنوات الأطفال تضيف أستاذ طب نفس الأطفال د. حنان بوزيد: " هناك العديد من قنوات الأطفال التي لا تراعي نوعية الإشهار – الإعلان – الذي سوف يراه الطفل، فتجد فتيات يرقصن رقصاً مثيراً وبملابس لا تليق، أو نجد إشهاراً عن بعض أدوية التخصيب، أو أطفال الأنابيب، وغيرها مما هو غير مناسب للطفل، وبعض القنوات الأخرى تسعى من خلال خطة واضحة إلى تدعي الروح الاستهلاكية لدى الطفل، فهو من خلال هذا الإشهار يسعى لشراء كل الألعاب والمأكولات، ويرى أن والديه مقصرين في حقه عندما يظهر في الإشهار مجموعة كبيرة من الأطفال يلعبون بهذه اللعبة، في حين أن أهله لم يشتروها له. كما أن جلوس الطفل كثيراً أمام التلفاز في حالات كثيرة سببت زيادة الوزن، فهو يتناول كل ما هو غير صحي أمام التلفاز، وبالتالي لا يتناول وجباته الأساسية المغذية بشكل جيد." جواهر الشروق