من يشاهد عبد الله إيشيكي ذو الأحد عشر ربيعا يتنقل بين مقاعد سينما (روكسي) الحمراء خجولا باحثا عن شيء أو شخص ما, يخاله طفلا تائها عن والديه, والحقيقة غير ذلك فهو أصغر ممثل تستضيفه الدورة التاسعة للمهرجان المتوسطي للفيلم القصير بطنجة. وحده الحظ كان وراء تواجد عبد الله, بطل فيلم "مختار" (2010) للمخرجة السويسرية من أصل مغربي حليمة ورديغي, الذي عرض أمس ضمن المسابقة الرسمية للمهرجان, بين مواهب شابة تلج عالم الفن السابع من بوابة الفيلم القصير, ورواد جاؤوا لمعرفة جديد الصناعة السينما المتوسطية, وجمهور أبهره الأداء التلقائي لهذا الطفل. بات عبد الله, القادم من قرية إيمسوان الواقعة بين الصويرة وأكادير, وبتوجيه من المخرجة الشابة حليمة ورديغي, أيقونة مهرجان مخصص للسينمائيين الشباب, واستطاع بأدائه لدور (مختار) راعي الماعز الصغير أن يشد إليه أنظار الجمهور الذي تتبع "مختار", بل وكل من وصله خبر هذا الصبي الموهبة. وبالعودة إلى فيلم "مختار" لم يكن عبد الله مختارا للعب هذا الدور, لكن الأقدار شاءت أن تشاهد المخرجة الطفل على الطريق وهو يلعب خلف إحدى التلال دور مخرج سينمائي أمام أقرانه, آمرا إياهم وصارخا مقلدا ما شاهده وبلكنته الخاصة "سلانص" ثم "آكشن" فوقفت تنظر إليه بإعجاب واندهاش كبيرين. "هذا الطفل خلق للسينما" تقول المخرجة حليمة الورديغي في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء, وبنوع من الفخر والاعتزاز "مكثت أنصت إليه (عبد الله) وهو يلعب دور المخرج أمام أطفال القرية , ثم ناديته وأخبرته أننا سنشتعل سويا, فاعتلت الدهشة والفرحة معا محياه", ليتأكد أثناء التصوير أنني لم أكن مخطئة في الحكم عليه. أما بطل الفيلم (16 دقيقة) الطفل عبد الله فأكد, من جانبه, في دردشة مع الوكالة أن عالم السينما الجديد والوقوف أمام الكاميرات "لم يرهبه" في شيء, مضيفا أنه حرص على تطبيق توجيهات ونصائح المخرجة, وأن سعادة كبرى كانت تغمره عند الانتهاء من كل مشهد من مشاهد هذا العمل القصير. واعترف عبد الله, في بوحه الطفولي التلقائي, بأن المخرجة نصحته في اللقطة الأخيرة من الفيلم, التي كانت حبلى بالعواطف والأحاسيس, بالتفكير في اللحظة التي سيغادر فيها بعد انتهاء التصوير ورحيل الفريق الذي قضى معه لحظات جميلة, وبأنه بكى لسماع ذلك وبكت معه حليمة ورديغي وراء كاميرتها. وقالت حليمة إنها "تجرأت" على جعل طفل في مقدمة فيلمها القصير, وأنها مستعدة لتكرار تجربة "حياتها" هذه مستقبلا, التي تجسد التواطؤ الجميل والبريئ الذي تم بينها وبين عبد الله, والذي سمح ل "مختار" أن يعرض في العديد من المناسبات كالمهرجان الدولي لسينما المرأة بسلا, وأن يتوج في الكثير من المهرجانات كالمهرجان الدولي للفيلم بفلاديفوستوك ومهرجان (أوف-كورت) بتروفيل. وأما بخصوص سبب اختيارها للفيلم القصير, قالت حليمة ورديغي أن "الفيلم القصير هو التحدي الذي يواجه كل مخرج سينمائي, والمتمثل في اختزال رؤية وقصة في فيلم قد لا تزيد مدته عن 15 دقيقة, على أن يتضمن فكرة واحدة تتكشفت بعد مرور عدد من المشاهد". وأما عن قصة "مختار", المستوحاة من قصة حقيقية, فتحكي عن مختار الراعي الصغير الذي سيعثر على بومة صغيرة عند قدم شجرة حيث كان يرعى ماعزه, فيحملها إلى بيت الأسرة, التي تعيش في وسط يعتبر البوم نذير شؤم, وسيقف مختار بين والده, وهو رجل قليل الكلام يؤمن بالخرافات, وجدته المسنة والمتعبة التي لا يمكن إقناعها بأن الابوم طير كغيره من الطيور.