بعد أزيد من قرنين من الزمن رزحت فيهما مدينة طنجة تحت قوى الاحتلال المختلفة، جاء السلطان العلوي الحديدي المولي إسماعيل، ليضع حدا لهذا الاحتلال الظالم، فنادى إلى الجهاد لطرد المحتل الإنجليزي الذي سيطر على المدينة بعد البرتغاليين. فلبى نداء السلطان رجال المناطق الشمالية قاطبة، ابتداء بقبائل الريف مرورا بالمتطوعين من مناطق أخرى متفرقة ووصولا إلى فحص طنجة، وكان من بين الرجال الذين تطوعوا للجهاد رجل من بني حسان يدعى محمد الحاج البقال الذي نزل إلى طنجة بعد تطوعه رفقة أخيه الحاج الغزواني للانضمام إلى جيش الريف المرابط خارج أسوار المدينة. حاصر المجاهدون طنجة بقيادة علي بن عبد الله الريفي الذي ولاه المولى إسماعيل قيادة الجيش، وحتى لا تثبط معنويات المجاهدين قام محمد الحاج البقال -نظرا لتفقهه في الدين- بالرفع من عزيمة المجاهدين بذكر فضائل الجهاد في الإسلام ومكانة المجاهدين عند الله سبحانه وتعالى. بعد حصار دام قرابة خمس سنوات، تيقن الإنجليز أن المغاربة عازمون على تحرير طنجة مهما كلفهم ذلك من ثمن، فاضطروا إلى الاستسلام والرحيل عن المدينة، تحت ضربات المجاهدين العنيفة، فتم تحرير طنجة وإعادتها إلى حضن المغرب والإسلام وذلك في سنة 1684 م. معركة التحرير هذه كان لها الفضل في شهرة العديد من الرجال، من أبرزهم نجد محمد الحاج البقال الذي تبين فيما بعد أنه ينتمي إلى سلالة شريفة تربطه بالمولى إدريس الأول عبر الشيخ علال الحاج البقال مؤسس زاوية الحرائق بين قبيلة غزاوة والأخماس. هذا النسب الشريف لمحمد الحاج البقال، إضافة إلى تمكنه من العلوم الدينية والفقهية ساهما في جعله من الأشخاص ذوي المكانة الرفيعة لدى سكان طنجة، فاشتهر بينهم بعد استقراره بالقرب من الجامع الكبير، بعمامة خضراء كانت مشهورة لدى أهل العراق آنذاك فأطلقوا عليه لقب "سيدي بوعراقية". وقبل وفاته سنة 1717 م، أوصى بتحبيس جميع أملاكه للفقراء وللأعمال الخيرية، كما أوصى بدفنه في المكان الذي يوجد به ضريحه الآن المعروف بضريح "سيدي بوعراقية"، وعندما توفي أصبح ضريحه هذا مزارا للعديد من ساكنة طنجة للتبرك به باعتباره أحد أولياء الله الصالحين حسب الاعتقاد الذي ساد بين الساكنة. ومما ساهم أيضا في الرفع من مكانة وشهرة هذا الضريح، قيام السلطان العلوي مولاي الحسن الأول بتفقده أثناء زيارته لمدينة طنجة سنة 1889 م، فصار أحد أشهر المزارات في المدينة، كما ابتدع السكان تقليد الاحتفال باليوم السابع للمولد النبوي الشريف باعتباره اليوم الذي تم فيه فتح طنجة، بتحميل الهدايا إلى هذا الضريح في موكب بشري يجوب أهم شوارع طنجة. وتجمع المصادر على أن "سيدي بوعراقية" الذي ولد بقبيلة بني حسان ينتمي إلى أسرة شريفة عرفت بالصلاح والإصلاح، فهو محمد الحاج البقال بن عبد الله الحاج بن عيسى بن محمد الحاج ابن علال الحاج المتصل نسبه بالمولى إدريس الأول، وجده عيسى توفي بمدينة تطوان وضريحه مشهور هناك، كما أن جده محمد الحاج أسس زاوية فاس، وجده الآخر علال الحاج أسس زاوية الحرائق كما سبق ذكره. وتجدر الإشارة إلى أن تقليد الاحتفال بسابع المولد النبي الشريف بحمل الهدايا إلى هذا الضريح كان قد تم إيقافه في فترة الحماية الدولية بسبب قيام نشطاء الحركة الوطنية آنذاك باستغلال الاحتفال لرفع شعارات تطالب بالاستقلال، وظل كذلك إلى أن تم إحياء هذا التقليد من جديد سنة 2008، ليستمر بعد ذلك إلى يومنا هذا، باستثناء سنة 2011، التي أدت خلالها ظروف أمنية ارتبطت بحراك 20 فبراير، إلى إلغاء الموكب المذكور. (*) صحفي متدرب