تناط بالشرطة في كل المجتمعات مجموعة من الصلاحيات لأغراض إنفاذ القانون والحفاظ على النظام العام. ومن الحتمي أن ممارسة موظفي الشرطة لأي من الصلاحيات المخولة لهم تؤثر تأثيرا فوريا ومباشرا على حقوق وحريات المواطنين. ولقد أجاز القانون لرجال الشرطة حمل السلاح واستخدامه باعتبارهم أكثر الفئات التي تناط بها القيام بالإجراءات المادية لتنفيذ الأحكام الجنائية وأوامر التحقيق، وهي أعمال تنطوي على سلب الحريات وتقييدها، وتنفذ قسرا، لذلك أقام المشرع المغربي توازنا بين كفالة الحريات الشخصية للمواطنين وبين أداء الواجب الوظيفي لرجال الشرطة. فطبقا للمعايير الدولية، والتي نجد انعكاسا لها في التشريع المغربي، فإن حدود ونطاق استخدام الشرطة للسلاح تتميز بالصرامة الشديدة، ولا يكون اللجوء إليها إلا في حالات محددة على سبيل الحصر، وإذا توافرت مبررات مشروعة لذلك، مثل : * لا تستعمل الأسلحة النارية إلا في حالة الدفاع الشرعي عن نفس ومال المواطن أو عن الشرطي المتدخل نفسه من خطر وشيك كالموت أو الإصابة البالغة. * أو استخدام السلاح لمنع استمرار جريمة بالغة الخطورة تتضمن تهديدا بالغا للحياة. * أو إستخدام السلاح لإلقاء القبض على شخص يمثل خطرا ويقاوم سلطة رجل الشرطة، أو منعه من الهرب. غير أن إستخدام رجل الشرطة للأسلحة النارية ينبغي أن يحاط بقدر كبير من القيود والضمانات: * لا تستعمل الأسلحة النارية لرجال الشرطة إلا في الظروف القصوى. * لا يجوز إستخدامها إلا في الحالات التي يثبت فيها قصور التدابير الأقل خطورة. * لا يجوز لرجال الشرطة إستخدام القوة والأسلحة النارية المفضية للموت عمدا إلا حين يتحتم إستعمالها بصورة صارمة لحماية الحياة. * يجب على رجل الشرطة أن يعلن أنه من الشرطة. * أن يفصح رجل الشرطة بوضوح عن اعتزامه استعمال الأسلحة النارية. * على رجل الشرطة أن يتيح المهلة الكافية لمراعاة ذلك، إلا إذا كان ذلك من شأنه تعريض رجال الشرطة للخطر أو التسبب في تعريض الأخرين للموت أو للإصابة بجروح بالغة، أو تبين بوضوح أن ذلك لا جدوى منه ولا يتفق مع ظروف الحادث. * كما يجب على رجل الشرطة عند إستعماله للأسلحة النارية تقديم المساعدة والإسعافات الطبية إلى جميع ألمصابين وإبلاغ أقرباء أو أصدقاء المتضررين بما حدث لهم، وتقديم تقرير كامل وتفصيلي بالحادث مع إجراء تحقيقات عند الطلب أو الاقتضاء. * كما أن هناك واجب ملقى على الرؤساء بالإبلاغ عن جميع وقائع استخدام القوة أو الأسلحة النارية ومراجعتها. وتقع على الرؤساء المسؤولية عن أعمال أفراد الشرطة الخاضعين لقيادتهم إذا كان هؤلاء الرؤساء على علم أو كان ينبغي أن يكونوا على علم بالإساءات ولكنهم لم يتخذوا أي إجراءات ملموسة بشأنها. * كما أنه لا يجوز لرجال الشرطة التدرع بأوامر عليا لتبرير إرتكاب أعمال غير مشروعة، ويجب عليهم الامتناع عن تنفيذها وإلا عوقبوا بصفتهم فاعلين أصلين والرؤساء بصفتهم مشاركين بالأوامر الصادرة عنهم. * يجب التفرقة بين استخدام السلاح بسبب وأثناء العمل وفي مأموريات القبض والضبط وبين استخدامه في الحالات الشخصية التي ليس لها علاقة بالعمل مع تشديد العقوبة في الحالة الثانية. * حظر استخدام السلاح او حمله إلا بعد اجتياز دورة تدريبية متقدمة في الرماية، وخضوع أفراد الشرطة للكشف الطبيي المنتظم للتأكد من ثباتهم الانفعالي عند مواجهة مواقف قد تثير غضبهم تجاه الآخرين. إن إستخدام القوة من طرف رجل الشرطة لا يكون إلا لأداء الواجب أو للدفاع عن النفس وهما حالتين من حالات أسباب التبرير والإباحة المنصوص عليها في الفصل 124 من القانون الجنائي، غير أنه لكي يعتبر الشرطي في حالة دفاع شرعي صحيح لزمه أن يستخدم قدرا من القوة أو العنف يكون متناسب مع جسامة الإعتداء، وكل عنف غير متناسب مع حجم الخطر يكون محلا للعقاب، وبالتالي يكون إطلاق النار على المتظاهرين الذين لا يحملون أسلحة غير متناسب وتنتفي معه شروط قيام حالة الدفاع الشرعي. إن الهدف من استعمال السلاح من طرف رجال الشرطة ينبغي دائما أن يروم إعاقة المجرم وشل حركته لغرض إيقافه فقط كإصابته في الرجل مثلا. أما إذا تعلق الأمر بإصابة قاتلة في الرأس أو الصدر، فإننا نكون أمام حالة تجاوز رجل الشرطة لمهامه -أي يمس بمبدأ التناسب-، لأن الجهة الموكولة لها إيقاع العقوبة هو القضاء وحده وليس الشرطة. وفي هذه الحالة يخضع للمساءلة الجنائية لتقوم قرينة بسيطة على انتفاء حالة الدفاع الشرعي لمصلحة الشرطي الذي عليه أن يهدم هذه القرينة بكل وسائل الإثبات، ويثبت أنه كان في حالة دفاع شرعي صحيح عن النفس أو المال – نفس ومال المواطن أو عن الشرطي نفسه-، وبأنه لم يجد وسيلة أخرى لحماية نفسه أو حماية الآخرين غير اللجوء إلى قتل المجرم المسلح، بمعنى أن يكون فعل الشرطي لازما وضروريا لدرء الاعتداء. وهذا بديهي لأنه إذا كان لرجل الشرطة وسيلة أخرى غير رد العدوان بالقوة ولم يلجأ إليها فإنه يكون مسؤولا إن هو التجأ إلى القتل أو العنف بدل الاستفادة من تلك الوسيلة. أما إذا ثبت أتناء التحقيق مع الشرطي أن القتل كان عمدياً وغير ضروري لدرء خطر حال غير مشروع فإننا هنا أمام حالة إعدام بدون محاكمة، فالحق في الحياة كقيمة إنسانية لا يستثنى منه المجرم، كما أن الجريمة لا تحارب بالجريمة. لذلك يتم تكييف اعتداء الشرطي على المجرم بكونه جريمة قتل عمد، فالسلاح الوظيفي هو جهاز لتطبيق القانون وليس لاقتراف الجرائم. ولتبرير حالة الدفاع الشرعي لابد أن يوجه ضد إعتداء غير مشروع، وهنا يطرح تساؤل كببر هل يجوز الدفاع الشرعي ضد الشرطي الذي يمثل السلطة العامة عندما يتخطى الحدود التي يقررها القانون؟ هناك ثلاثة أراء مختلفة: الرأي الأول: إذا كان من الواجب على الفرد الامتثال للأشخاص الذين يمثلون السلطة العامة، فإن ذلك مقصور على الأوامر والأفعال التي تتماشى مع ما يقضي به القانون، ومن ثم فإن إساءة إستعمال رجل السلطة لهذه الأخيرة لدرجة إرتكابه لجرائم في حق الأفراد فإنه يخول لهؤلاء اللجوء إلى إستعمال حق الدفاع الشرعي. الرأي الثاني: رغم عدالة ومنطقية الحل الأول فإنه قد يؤدي إلى الإخلال بالنظام العام، فظهر اتجاه أخر متطرف بدوره،قال بضرورة الامتناع أو الإمساك عن مقاومة رجل السلطة العامة مطلقا، بمعنى أنه لا يجوز مطلقا استعمال حق الدفاع الشرعي ضد رجل السلطة العامة مهما كانت أعماله غير قانونية والقضاء المغربي يميل إلى الأخذ بهذه النظرية. الرأي الثالث: توفيقي يفرق بين كون عدم مشروعية الاعتداء ظاهرة فتجيز فيها للشخص حق الدفاع وبين كونها غير ظاهرة وعندها لا يجوز له الدفاع ضد اعمال رجال السلطة العامة. *أستاذ بكلية الحقوق طنجة