يستحضر كثير من الطنجاويين، بغصة كبيرة عاشوراء زمان، كأنهم يتحدثون عن حكاية غير قابلة للتصديق، ثم ينغمسون في حاضرهم المثقل بضغوطات الحياة..تغيرت المدينة المطلة على البحرين، بفعل الضغط الديموغرافي باعتبارها جاذبة لهجرات ديموغرافية، فاندثرت الكثير من عاداتها وطقوسها، وانحسر سكانها الأصليون في زوايا ضيقة، وأصبحوا أقلية تمارس ثقافتها في نطاق محدود، ففقدت المدينة فيما فقدت طقوس عاشوراء وليالي الأنس فيها. أما اليوم، ككل المناسبات، فان النشاط التجاري مازال هو الطاغي على سواه للاحتفاء بهذه المناسبة، فمنذ بداية شهر محرم، تظهر طلائع عاشوراء في المحلات التجارية التي تغير من نشاطها، لتبكر في عرض ألعاب الأطفال من مزامير ومسدسات مائية وأجهزة إلكترونية أو الدمى والبنادر والطعارج وغيرها من اللعب، الشيء الذي جعل الأصدقاء الصينيين يتجاوبون مع المناسبة، فأغرقوا الأسواق المحلية بلعب تباع بثمن بخس. فيما تعرض محلات أخرى حلويات وسكاكر مختلفة الأشكال، وأنواع كثيرة من الفواكه الجافة المعروفة عند الساكنة ب" الفاكية" وهي خليط من اللوز والجوز والتمر وغيرها من المكسرات. ليوم عاشوراء طقوس مبرمجة تخص الساكنة التي تستهلها بزيارة المقابر، وتوزيع الصدقات على الفقراء والمساكين بعد الترحم على أمواتهم. و هو مناسبة أيضا لممارسة شعيرة الصيام عند البعض فترى الأسواق مكتظة لشراء مايلزم لإعداد وجبات الافطار والأكلات احتفالا بهذا اليوم ك "التريد" وهوعبارة فطائر مسقية بمرق الدجاج والزبيب و"القديد" وهو لحم عيد الأضحى مجفف تم ادخاره خصيصا لهذه المناسبة علاوة على "الكسكس" . زيارة العائلة والأقارب من بين أهم العادات التي تحافظ عليها الأسرة الطنجية في هذا اليوم المبارك، دون إغفال شراء بعض الهدايا للأطفال و إدخال البهجة على قلوبهم، كما أن هذا اليوم كفيل بأن يجعل بعض الجمعيات توجه اهتمامها للأطفال الأيتام، فتشرع في زيارة الدور والمؤسسات الخيرية الخاصة بهم، مع جلب الهدايا التي ساهم المحسنون في شراءها فضلا عن تنظيم أنشطة وحفلات موازية لهذه المناسبة. ومقارنة بالماضي، تغيرت طقوس وعادات هذا اليوم ويبرز ذلك في تصريح لجدة مسنة : " كنا نبكر لزيارة المقابر فنترحم على موتانا ثم نشتري " البرادات" وهي جرات المياه صغيرة الحجم يتم توزيعها على الأطفال كصدقة". و بنبرة مفعمة بحنين لعاشوراء زمانها تسترسل الجدة : " وفي ليلة عاشوراء يتم اعداد مائدة خاصة لهذا اليوم يترأسها "الكسكس باللية" وهو كسكس مرفق بذيل أضحية عيد الأضحى" . و تضيف المصرحة أن يوم عاشوراء كان له نكهة خاصة بخلاف اليوم، اذ كانت العادات شبه مقدسة إلى درجة قص أطراف شعر كل بنت و امرأة ووضع الكحل، وشراء "الدربوكات" من سوق كان يقام فقط لأيام عاشوراء ويسمى "العاشور" . نوسطالجيا ممزوجة بتحسر تصيب أبناء الأحياء الطنجية بوعكة حنينية لعاشوراء زمان، فيكون الدواء والحد من تفاقمها سوى زيارة أحياءهم القديمة والتداوي بعبق الماضي ورائحة الأسلاف المدفونة تحت الجدران. وربما رائحة الأطعمة التي سحرت الأنوف بعطر المطابخ الذي كانت تغدق به السيدات الطنجيات البارعات في تخدير الحواس في البيوت وخارجها في كل يوم عاشوراء.