في الأشهر الماضية، تميزت العلاقات المغربية الإسبانية باستقرار مشوب بالحذر، سرعان ما تأثر سريعا، على وقع قضايا ذات حساسية مفرطة للجانبين، أبرزها ملفا مدينتي سبتة ومليلية، ثم قضية الصحراء. والثلاثاء، استدعت الرباط سفيرتها لدى مدريد كريمة بنيعيش، للتشاور، بعد أن استدعتها الخارجية الإسبانية، احتجاجا على تدفق حوالي 6 آلاف مهاجر غير نظامي من المغرب إلى سبتة، الإثنين، قبل أن يتجاوز العدد لاحقا 8 آلاف، بحسب مدريد. ويأتي استمرار هذا التوتر بين الرباطومدريد، على خلفية استضافة إسبانيا "إبراهيم غالي"، زعيم جبهة "البوليساريو"، للعلاج من فيروس كورونا، بهوية مزيفة. وشهدت العلاقات بين البلدين نموا مضطردا في السنوات الأخيرة، بلغ ذروته بمجالات الاقتصاد والتعاون الأمني والاستخباراتي. وظلت لسنوات، الملفات الخلافية "مؤجلة إلى حين"، في ظل بقاء إسبانيا الشريك التجاري الأول للمغرب. وتسارعت الأحداث في ظل تأجيل الحوار الاستراتيجي بين البلدين. النظرة التقليدية ويرى سعيد الصديقي، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس (حكومية)، أن "إسبانيا، لم تغير نظرتها التقليدية اتجاه المغرب، رغم موقعها المتقدم، كشريك اقتصادي وتجاري مهم للمملكة". وأضاف الصديقي : "الأزمة الحالية بين البلدين، تعكس طبيعة العلاقات بينهما، المتسمة بالتوجس والشك وعدم الثقة". وتابع: "الأزمة تتكرس وتتجدد، لعدة عوامل، أبرزها الإرث الاستعماري الثقيل". وأضاف الصديقي: "يمكن أيضا الحديث عن استمرار احتلال إسبانيا لأراضي وجزر مغربية على الساحل المتوسطي، وعدم الاتفاق على ترسيم الحدود البحرية بين البلدين". وزاد: "موقع إسبانيا كشريك للمغرب، لا ينعكس على سياستها الخارجية في القضايا السياسية". العصا من الوسط ويذهب الصديقي في تحليله للأزمة الراهنة بين البلدين، إلى القول بأن "إسبانيا ظلت تمسك العصا من الوسط فيما يتعلق بقضية الصحراء، دون تقديم أي إشارة من شأنها المساهمة في حل المشكلة". وتحدث الخبير في العلاقات الدولية، عن "ازدواجية موقف إسبانيا من ملف الصحراء". وقال: "إسبانيا لا تسعى إلى إيجاد حل لقضية الصحراء، خشية أن يدفع ذلك المملكة إلى التفكير بجدية في المطالبة باسترجاع كل أراضيه وجزره المحتلة من قبل إسبانيا، في البحر الأبيض المتوسط". ودعا الصديقي، القوى السياسية الإسبانية، إلى "التحرر من نظرتها التقليدية الموروثة عن مرحلة الاستعمار". وزاد: "السياسيون الإسبان، يحتفظون بنظرتهم تجاه المغرب، باعتباره تحديا وربما تهديدا محتملا". الإخلال بالالتزامات ويرى إسماعيل حمودي، أستاذ العلوم السياسية، بجامعة سيدي محمد بن الله بفاس (حكومية)، ، بأن "إسبانيا هي من أخلت بالتزاماتها اتجاه المغرب، وبمقتضيات معاهدة حسن الجوار". وسجل حمودي، أن "المغرب علق تنفيذ بعض التزاماته نحو الشريك الإسباني، بعدما أخل هذا الأخير بالتزاماته، ما أدى إلى تدفق المهاجرين باتجاه سبتةالمحتلة". وتابع: "القضية سياسية في جوهرها، وليست حقوقية حتى يجعل البعض من قضية القاصرين الذي عبروا إلى سبتة، مطية لقلب الحقائق". وزاد: "التركيز على قضية القاصرين أو على الوضع الاقتصادي والاجتماعي في الشمال، يدعم الموقف الإسباني، على حساب حقائق موضوعية، أبرزها ما يتعلق باستقبال إسبانيا لزعيم البوليساريو". استفزازات متكررة ويعتقد حمودي أن "السلوك السياسي لبعض وزراء الحكومة الإسبانية، يظهر أن الدولة الإسبانية غير جادة في تنفيذ التزاماتها، التي تنص عليها اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الموقعة بين حكومتي البلدين". وتوقف حمودي عند "استضافة وزير في الحكومة الإسبانية لقيادي في جبهة البوليساريو بصفته وزيرا في حكومة البوليساريو". وتابع: "عقب الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء في ديسمبر/كانون أول الماضي، اتسم الموقف الإسباني من القرار الأمريكي بالغموض، ليطرح السؤال عن جدية الجارة الشمالية للمملكة، في التقدم نحو دعم مقترح الحكم الذاتي".