يعود موضوع الأمازيغية مرة أخرى إلى دائرة الضوء بالمغرب، بعد إقرار الحكومة مطلع هذا الشهر لمشروع قانون لتفعيل تنصيص الدستور على الأمازيغية لغة رسمية إلى جانب العربية، بعدما تأخر عرضه على البرلمان قرابة خمس سنوات. ويرى ناشطون أمازيغون أن قرار "ترسيم" الأمازيغية (جعلها لغة رسمية في البلاد) الذي أقره الدستور المعدل في 2011، تأخرت الحكومة كثيرا في عرض مشروع قانونه التنظيمي (قانون مكمل وشارح للدستور) على البرلمان، حيث أملوا في عرضه للمصادقة خلال السنة الأولى لهذه العهدة التشريعية (2011-2016). غير أن مشروع القانون التنظيمي لم يعرض إلا في نهاية العهدة التشريعية للبرلمان، التي لم يبق منها سوى نحو شهر ونصف فقط، إذ من المقرر تنظيم انتخابات برلمانية جديدة، في السابع من أكتوبر 2016. فمع إقرار مشروع الحكومة باعتبار الأمازيغية لغة رسمية ثانية بالبلاد إلى جانب العربية، بداية هذا الشهر، خرج مسؤولون سياسيون وناشطون أمازيغيون، منتقدين هذا المشروع، ومعبرين عن تخوفهم مما اعتبروه "ترسيما شكليا" لا يرقى إلى ما أقره الدستور. ويحدد مشروع القانون التنظيمي الذي أقرته الحكومة مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وكيفيات إدماجها في مجالات الحياة العامة ذات الأولوية، وخصوصا في قطاعات التعليم والثقافة والقضاء والإعلام والإدارة والبرلمان والبلديات، وذلك "لكي تتمكن من القيام مستقبلا بوظيفتها، بصفتها لغة رسمية"، وباعتبارها "لغة رسمية للدولة، ورصيدا مشتركا لجميع المغاربة بدون استثناء"، حسب الدستور. كما أقرت الحكومة مشروع قانون تنظيمي (نص عليه الدستور) يتعلق بإحداث "المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية"، سيُعنى باقتراح التوجهات العامة للدولة في مجال اللغة والثقافة، وحماية وتنمية اللغتين العربية والأمازيغية، وباقي اللهجات الأخرى، وتيسير تعلم اللغات الأكثر تداولا في العالم. لكن مشروع القانون التنظيمي الذي يحدد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، لم يمر دون أن يثير الكثير من الانتقادات، خصوصا من طرف الناشطين الأمازيغيين. وحدد المشروع الحكومي 15 عاما كأجل أقصى لإدماج اللغة الرسمية للبلاد في جميع مناحي الحياة العامة، موضحا أنه "يعتمد على التدرج في تفعيل الطابع الرسمي، من خلال ثلاثة مراحل زمنية، منها ما هو قريب يمتد على 5 سنوات، ومدى متوسط يمتد على 10 سنوات، ومدى بعيد يمتد على 15 سنة"، وهو ما اعتبره ناشطون أمازيغ وفاعلون سياسيون أنه "لا يرقى إلى مستوى تنصيص الدستور على رسمية اللغة الأمازيغة إلى جانب العربية". ويتحفظ ناشطون أمازيغيون، على المدة الطويلة التي أقرتها الحكومة لإدماج الأمازيغية، والتي حددها مشروع القانون التنظيمي ب15 سنة، يضاف إليها 5 سنوات استغرقتها الحكومة في إعداد المشروع، ليصبح المجموع 20 سنة، معتبرين أنها مدة طويلة، وتعكس "عدم جدية الدولة" في ترسيم الأمازيغية، بحسب تقديرهم. واعترف امحند العنصر، الأمين العام لحزب "الحركة الشعبية" المشارك في الحكومة، الذي يصف نفسه بالحزب المدافع عن البادية والأمازيغية، بصعوبة إصدار مثل هذه القوانين التي وصفها ب"الجمرة"، عازيا الأمر إلى "ارتباطها بموضوع حساس جدا ومطلب أساسي لمكون هام من المجتمع". وقال في مؤتمر صحفي، قبل أيام، إن مشاريع القوانين التي أصدرتها الحكومة "غير مرضية"، وطالب البرلمان بأخذ الوقت الكافي من أجل مناقشة هذه المشاريع قبل التصديق عليها، رغم اقتراب عهدة الحكومة الحالية على الانتهاء مع انتخاب برلمان جديد في أكتوبر/ تشرين الثاني المقبل. ويلزم التعديل الدستوري الذي أُقر في 2011 الملك على تعيين رئيس الوزراء من الحزب الفائز بأغلبية مقاعد البرلمان. لكن "العنصر" بالمقابل نفى أن يكون هناك تراجع في الإرادة السياسية أو الشعبية لترسيم اللغة الأمازيغية في البلاد، وفقا لما نص عليه دستور 2011، مقرا في الوقت نفسه بأنه "لا يمكن تجاهل مخاطر تعطل مراحل عرض مشروع قانون الأمازيغية على البرلمان". وفي هذا السياق عبر "عبد الله بادو"، رئيس الشبكة الأمازيغية للمواطنة (غير حكومية) عن رفض المنظمة التي يقودها للتصور المؤطر للقانونين التنظيميين، اللذين جاءت بهما الحكومة. وأوضح "بادو" للأناضول، أن هذا التصور "لا يطمح إلى تحقيق التغيير الجوهري المنشود على مستوى السياسة اللغوية والثقافية، ويرهن مستقبل الأمازيغية بترسيم شكلي وغير عادل يكرس التمييز، وفق أجندة زمنية مرتبكة". واعتبر أن هذا التصور "يؤكد على عدم جدية الدولة في تقديم الإجابة السياسية الكفيلة بإنصاف الأمازيغية، وترجمتها في خطوات واضحة وذات أساس واقعي وعقلاني". وأشار إلى أن "طريقة تعامل الحكومة مع الملف ومع الحركة الأمازيغية مازال محكوما بنوع من التعالي والعنجهية، حيث عمدت إلى نهج إقصائي في إعداد مسودات مشاريع القوانين التنظيمية". ووصف "بادو" المشروع الحكومي بكونه "يكرس التيه التشريعي"، وأن الأجندة المقترحة الذي تضمنها "غير مقنعة ولا تنبثق عن رؤية استراتيجية لتدبير ملف الأمازيغية وإشكالات إرساء الثنائية اللغوية الرسمية بالبلاد". وقال إن الحكومة "تتعاطى بسطحية مع مسألة الإدماج الحقيقي والمنصف للأمازيغية لغة وثقافة وحضارة". أما عبد الحفيظ اليونسي، رئيس الرابطة المغربية للأمازيغية (ينتمي لحزب العدالة والتنمية الحاكم)، فاعتبر أن تنصيص الدستور في 2011 على الأمازيغية كلغة رسمية ووطنية "مسألة هامة جدا في التاريخ المغربي المعاصر"، موضحا أن "ترسيم الأمازيغية يعني أن تصبح لغة الدولة والإدارة والإعلام، وأن اعتبارها لغة وطنية تعني أنها ملك لجميع المغاربة وليس فقط للناطقين بها". وقال اليونسي للأناضول، إن "تنصيص الدستور على ضرورة إقرار رسمية اللغة الأمازيغية عبر قانون تنظيمي، تقره الحكومة ويصادق عليه في المجلس الوزاري الذي يرأسه الملك، ثم يعرض على البرلمان، يعني أن هذه القضية تتدخل فيها مؤسسات دستورية متعددة في الدولة وليس فقط الحكومة". ووفي معرض تفسيره للوقت الذي يستغرقه تفعيل قرار ترسيم الامازيغية، أوضح أن هذا "يعكس تدبير الدولة للقضايا الخلافية داخل المجتمع"، مضيفا أن "سلوك الدولة في هذا الإطار يتميز بالحذر، حيث تأخذ الوقت الكافي لإنضاج القرارات، وتسعى إلى بناء إجماع معلن أو ضمني، حول القضايا الخلافية". وقال اليونسي إن "منتقدي مشروع القانون التنظيمي الذي جاءت به الحكومة لا يذهبون حد رفضه بل أقصى ما يطالبون به هو تعديل بعض مقتضياته، وهذا في حد ذاته نوع من الإجماع الضمني على منهجية تدبير الدولة لملف الأمازيغية". وشدد رئيس الرابطة المغربية للأمازيغية على أن "الدولة باعتمادها لهذه المنهجية في تدبير القضايا المجتمعية الخلافية وخصوصا المرتبطة بالهوية يتجه الوجهة الصحيحة"، معتبرا أن "قضايا الهوية تحسم بالتوافق المستند إلى المرجعية الوطنية والبحث المستمر عن التعايش المشترك، بدل منطق الأغلبية والتغلب والاحتراب الداخلي". ويعطي مشروع قانون ترسيم الأمازيغية الأولوية لتعميم استعمالها في البرلمان، والإدارة والقضاء والإعلام، حيث ستتم المراسلات الإدارية باللغة الأمازيغية إلى جانب العربية، كما يحق للنواب طرح أسئلتهم بالأمازيغية، ويمكن للناس التقاضي بهذه اللغة، وتخصص الدولة حصة في الإعلام الرسمي بالأمازيغية. إلا أن هناك استفهامات بشأن مصير المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية (مركز استشاري وبحثي وترجمة خاص بتطوير اللغة الأمازيغية)، حيث يرى نشطاء أن مشروع القانون التنظيمي لا يشير إلى إبقاء أو إلغاء هذه المعهد الذي تم إنشاؤه في 2003، ولعب دورا مهما في حسم بعض القضايا الخلافية على رأسها كتابة الأمازيغية بأحرف "التيفيناغ" (الحروف الأمازيغية القديمة) بدلا من كتابتها بالأحرف العربية أو اللاتينية. وينص دستور المغرب لسنة 2011 في فصله الخامس لأول مرة على أنه "تظل اللغة العربية اللغة الرسمية للدولة. وتعمل الدولة على حمايتها وتطويرها وتنمية استعمالها. تعد الأمازيغية أيضا لغة رسمية للدولة، باعتبارها رصيدا مشتركا لجميع المغاربة بدون استثناء". و"الأمازيغ" هم مجموعة من الشعوب المحلية، تسكن المنطقة الممتدة من واحة سيوة (غربي مصر) شرقا، إلى المحيط الأطلسي غرباً، ومن البحر المتوسط شمالاً إلى الصحراء الكبرى جنوبا. ولا توجد أرقام رسمية تحدد أعداد الناطقين بالأمازيغية كلغة أمّ في المغرب، غير أنهم يتوزعون على ثلاث مناطق جغرافية (منطقة الشمال والشرق، ومنطقة الأطلس المتوسط، ومناطق سوس في جبال الأطلس) ومدن كبرى في البلاد، فضلا عن وجودهم في الواحات الصحراوية الصغيرة. *وكالة أنباء الأناضول