"الهدوء الذي يسبق العاصفة"، مثل دارج لا ينطبق على عاصفة رياح الشرقي التي تعرفها مدينة طنجة من آن إلى آخر، على اعتبار أنها كثيرا ما تهب في عز هدوء ساعات الصباح الأولى، لتستبق بذلك الحركة الدؤوبة والنشيطة التي تعيشها "مدينة البوغاز"، خلال باقي ساعات اليوم. وتشكل ظاهرة "رياح الشرقي"، حالة جوية لها طابع خاص على مستوى منطقة طنجة، والعهدة على العديد من العارفين بأحوال ومناخ هذه المنطقة المطلة على مضيق جبل طارق، حيث يعتبرها البعض جزء لا يتجزأ من خصوصيات المدينة والمنطقة بشكل عام. وتشرح نشرات صادرة في مناسبات عديدة عن مديرية الأرصاد الجوية، أسباب ظاهرة "الشركي"، في كونها ناجمة عن تمركز المرتفع الآصوري في المحيط الأطلسي المجاور للمغرب وشبه الجزيرة الأيبيرية، ما يدفع بكتل هوائية جافة وحارة قادمة من الشرق عوض أن تكون رطبة ومنعشة من عرض المحيط. غير أن سكان طنجة، كثيرا ما ظلوا يربطون هذه الحالة الجوية ب"الغضب الإلهي"، بالنظر لتزامنها مع أيام السبت والآحاد، بالإضافة إلى هبوبها لمدة طويلة خلال فصل الصيف، وهي فترات زمنية يراها الكثير من أفراد الفئات المحافظة في المجتمع الطنجي، بأنها "مناسبات لإتيان صور شتى من المنكر والرذائل". ويسجل الأستاذ والكاتب عثمان بن شقرون، وهو أحد العارفين بخصوصيات مدينة طنجة، أن "رياح الشرقي ظاهرة خاصة بمنطقة طنجة والبوغاز.. وهي رياح جعلت من هذا المفترق إقامتها الأبدية، منذ أن أمر الله السديم أن يصبح نظاما". ولا يحدد بن شقرون، في حديث لجريدة طنجة 24 الإلكترونية، موعد هذه الظاهرة الجوية الخاصة بمنطقة طنجة، ولكنها يمكن أن تنبعث في أي فصل من الفصول، يكفي أن يكون حقل تساوي الضغط ملائما لها، سواء استقرت الضغوط المرتفعة فوق إسبانيا، أو سواء صعد الضغط الصحراوي المنخفض على المغرب. ويميز بن شقرون، بين نوعين من رياح "الشرقي"، فهناك الرياح الشرقية الشمالية، وتكون أخف استحمالا من التي تهب من الجنوب الشرقي حيث تكون محملة بالشحنات الكهربائية. الأمر الذي يسبب تهييجا للمزاج حيث تبعث على الاسترخاء والنوم. كما أن لهذه الظاهرة الجوية، وفق المتحدث، مساوئ على غرار تسببها في تجفيف الماء من الجسد وتبعث على الاختناق في التنفس. ويؤكد الأستاذ بن شقرون، الكثير من معتقدات ساكنة مدينة طنجة، حيال ظاهرة الشرقي، "فهي رياح رياح ملقحة ومطهرة في نفس الآن. حينما تهب الرياح الشرقية على طنجة تختفي كل أشكال البعوض والذباب". كما أن هناك تأثيرات عديدة وقوية لرياح الشرقي على مزاج ساكنة طنجة تتمظهر في جز كبير منها في الأهمية التي يولونها في أحاديثهم. بل أن العديد من الساكنة قديما كانت تربط هبوب الرياح أحيانا بغضب إلهي على ظلم أو معصية. يورد بنشقرون في حديثه مع الجريدة. وتعيش منطقة طنجة، منذ نهاية الأسبوع الماضي، على وقع هبوب رياح الشرقي القوية، وتتوقع تقديرات ضمنها نشرات مديرية الأرصاد الجوية، أن تستمر هذه الحالة الجوية خلال الأسبوع الجاري.