بعد مجيء دستور 29 يوليو1120، وما أتى به من مستجدات مهمة ومن ذلك "الجهوية المتقدمة" كقاطرة للتنمية المحلية، طفى من جديد موضوع اللامركزية ودورها في خلق عجلات التنمية المندمجة والمستدامة. ومن هنا تأتي هذه المقالة التي ستحصر موضوع علاقة اللامركزية بالتنمية في "الجماعة" (Commune)؛ كنواة للجماعات الترابية، وما يرتبط ذلك بالاستجابة لحاجيات المواطنين اليومية، والمختلفة، والمتعددة. هذه المساهمة تحاول أن تقيم حصيلة ديمقراطية القرب في مجال التنمية داخل الجماعة، وما إذا كانت هناك عراقيل تحول دون أن تنتج سياسة اللامركزية ثمارها في هذا المجال. ويسترعي القول بادئ ذي بدء، في خضم معالجة هذا الموضوع الهام، أنه من حق هذا المواطن، الذي هو كذلك دافع الضرائب أو المساهم الرئيس في المالية العامة، في أن يتلقى – مقابل ذلك – خدمات قرب في مستوى حقوق مواطنته ومساهمته في خزينة الدولة والجماعات. وهذا الحق بات يكفله له دستور المملكة. من هذا المنطلق يمكن القول إنها كثيرة هي انتظارات المواطن مما يعرف باللامركزية أو ديمقراطية القرب، وبالأخص من النخب المحلية داخل جماعته. وسوف يحاول هذا المقال الإجابة على بعض التساؤلات المتعلقة بدور ديمقراطية القرب في تنمية الجماعة: ماذا نعني بديمقراطية القرب؟ وماذا نعني بتنمية الجماعة؟ وما هي العلاقة بين هذين الأخيرين، أي ديمقراطية القرب والتنمية داخل الجماعة؟ وما هي نتائج ديمقراطية القرب على مستوى تنمية الجماعة؟ وأين هو الخلل في أن تكون المجالس الجماعية أداة فعالة في مجال التنمية؟ أولا- العلاقة بين ديمقراطية القرب والتنمية الجماعية: يمكن توضيح العلاقة بين ديمقراطية القرب والتنمية داخل الجماعة انطلاقا من تعريف معنى ديمقراطية القرب من جهة، ومعنى التنمية الجماعية من جهة ثانية، وتسليط الضوء على اختصاصات المجلس الجماعي في هذا المضمار من جهة ثالثة. * معنى ديمقراطية القرب: إن ديمقراطية القرب هي شكل من أشكال اللامركزية (Décentralisation)، وسمة من سمات النظام الديمقراطي، والتي من خلالها يتم التخفيف من مركزية القرار داخل العاصمة، وما يرتبط بذلك من بطء وعدم ملائمة وبيروقراطية، ومنح سلطة القرار فيما يتعلق بالشأن المحلي – أو على الأقل جزء منه – لمؤسسات منتخبة من لدن الساكنة المحلية. وتعتبر ديمقراطية القرب إحدى الآليات الناجعة في إشراك الساكنة المحلية في عملية اتخاذ القرار والاهتمام بالشأن المحلي. كما أنها القلب النابض والأذن الصاغية لما يرنو إليه سكان جماعة من الجماعات، سواء داخل المدن أو القرى. فهي إدارة انبثقت من إرادة الساكنة المحلية، ووجدت من أجل هذه الأخيرة. وبالتالي فإن ديمقراطية القرب تغدو بذلك قريبة من هموم وانشغالات المواطن المحلي، وتهدف إلى تحقيق التنمية التي يتوخاها هذا الأخير. وتأخذ ديمقراطية القرب في المغرب شكل الجماعات الترابية (Collectivités territoriales). وتعد الجماعة النواة الأولى، والوجه الأساس لهذه الديمقراطية. فأول انتخابات نظمها المغرب، بعد الاستقلال، كانت هي الانتخابات الجماعية. كما يتم انتخاب المجلس الجماعي بالاقتراع العام المباشر – على خلاف مجلس العمالة أو الإقليم –، وصلاحياته مرتبطة بالحاجيات الأساسية لساكنة الجماعة. علاوة على أنه هو الأقرب من المواطنين – مقارنة بباقي الجماعات الترابية الأخرى –، وفي احتكاك دائم ومباشر مع انشغالاتهم اليومية. وقد عرف المشرع الدستوري الجماعات الترابية في الفصل 135 من الدستور بالقول: " الجماعات الترابية للمملكة هي الجهات والعمالات والأقاليم والجماعات. الجماعات الترابية أشخاص اعتبارية، خاضعة للقانون العام، تسير شؤونها بكيفية ديمقراطية. تنتخب مجالس الجهات والجماعات بالاقتراع العام المباشر.". أما فيما يتعلق بالجماعة فقد عرفتها المادة 2 من القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات، تطبيقا للفصل 146 من الدستور، بالقول: " تشكل الجماعة أحد مستويات التنظيم الترابي للمملكة، وهي جماعة ترابية خاضعة للقانون العام، تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال الإداري والمالي.". * معنى التنمية الجماعية: كما تمت الإشارة إلى ذلك – أعلاه – فإن هدف ديمقراطية القرب هو تحقيق التنمية الجماعية. وتعني هذه الأخيرة جميع المشاريع والإنجازات التي تلزم الحياة اليومية، وتهدف إلى خلق حياة كريمة للمواطن داخل النفوذ الترابي للجماعة التي ينتمي إليها سواء بحكم المسكن أو بحكم العمل – أو كلاهما. وهنا يمكن الحديث عن البنية التحتية (شبكات الطرق، وسائل النقل والمواصلات، الشبكات المائية والكهربائية، قنوات الصرف الصحي، الإنارة العمومية، (…إلخ.))، والإنجازات السوسيو-اقتصادية (الحضانات ورياض الأطفال، المدارس، المنتزهات الطبيعية، الملاعب وأماكن الترفيه، المكتبات، دور الثقافة، التهيئة العمرانية، تشجيع الاستثمار، دعم الأنشطة الاقتصادية، خلق فرص الشغل، (… إلخ.)). إن ديمقراطية القرب – بهذا المعنى السالف الذكر – تسعى إلى تحقيق التنمية التي تتوق إليها الساكنة المحلية، والوفاء بالوعود التي قطعتها النخب المحلية المنتخبة على عاتقهم أمام الناخبين؛ فهي ديمقراطية على قرب من المواطن وفي الإنصات الدائم لمتطلباته.
* اختصاصات المجلس الجماعي في التنمية الجماعية: تم تمتيع الجماعة بالمغرب، منذ اعتماد الميثاق الجماعي ل 30 شتنبر 1976، بصلاحيات خدمات القرب؛ ومن ذلك ما يتعلق ب "التجهيز". وتطورت هذه الصلاحيات بتطور السياسة اللامركزية (Décentralisation) التي اعتمدتها الدولة. وهكذا منحت التعديلات التي لحقت بالميثاق الجماعي – السالف الذكر – سنتي 2002 و2009 اختصاصات ذاتية للجماعة وأخرى قابلة للنقل من الدولة إلى هذه الأخيرة. وتتعلق هذه الاختصاصات بتجهيز الجماعة بالبنية التحية وبالمراكز الصحية والمستوصفات وتنمية الأنشطة الاجتماعية والاقتصادية، وتزويد الساكنة بما تحتاج إليه في حياتها اليومية ومن ذلك الماء الصالح للشرب والكهرباء والنقل الجماعي، وتشجيع الاستثمار، وخلق فضاء عمل مناسب للمقاولات والأنشطة الفلاحية والسياحية، والتهيئة العمرانية، وبناء دور الشباب، والمساهمة في جميع المشاريع التنموية داخل الجماعة في حدود ما تسمح به ميزانيتها. وقد نصت جميع القوانين المتعاقبة على تنظيم الجماعات أن كل اختصاص، سواء أتعلق الأمر بالتسيير (دفع رواتب الموظفين على سبيل المثال) أو التجهيز (القيام بمشاريع تنموية)، يجب أن توفر له الموارد المالية الملائمة؛ والتي هي على ثلاثة أنواع: موارد مالية ذاتية للجماعة، وموارد مالية ترصدها لها الدولة، وحصيلة الاقتراضات، ومن جملة ما سبق ذكره حصيلة الضرائب أو حصص ضرائب الدولة المخصصة للجماعة، والموارد المرصودة من الدولة لفائدة هذه الأخيرة، وحصيلة الضرائب والرسوم المأذون للجماعة في تحصيلها، وحصيلة الأجور عن الخدمات المقدمة والاستغلالات والأتاوى. وبعد تبني دستور 29 يوليو 2011، ارتقى القانون المتعلق بالجماعة من مستوى قانون عادي (loi ordinaire) إلى مستوى قانون تنظيمي (loi organique) الذي يأتي في المرتبة الثانية، من حيث هرمية القواعد القانونية، بعد القانون الأسمى أو الدستور. هذا الارتقاء يعكس الأهمية التي أعطاها المشرع الدستوري للجماعات باعتبارها إحدى آليات ترسيخ الديمقراطية وتحقيق التنمية المحلية. وقد تمخض عن ذلك إصدار الظهير الشريف رقم 85-15-1 بتاريخ 7 يوليو 2015 بتنفيذ القانون التنظيمي رقم 14-113 المتعلق بالجماعات، والذي حاول أن يوضح أكثر الاختصاصات الذاتية للجماعة، والاختصاصات المنقولة من الدولة إلى المجلس الجماعي، وأضاف إلى ذلك نطاق آخر من الاختصاصات وهي "الاختصاصات المشتركة"، أي أنها اختصاصات تتقاسم مسؤوليتها الجماعة والدولة في نفس الوقت بشكل تعاقدي، إما بمبادرة من الدولة أو بطلب من الجماعة. ثانيا- نتائج ديمقراطية القرب على مستوى تنمية الجماعة: لقد تمكنت المجالس الجماعية، بما في ذلك في أكثرية المناطق القروية، بتعاون مع السلطات العمومية بإدخال الماء الصالح للشرب والكهرباء إلى جماعاتها، وإن تم ذلك بوثيرة بطيئة؛ بحيث أن العديد من الجماعات، وخصوصا النائية منها، ظلت خلال عقود من الزمن محرومة من الماء الصالح للشرب والكهرباء، وكانت كجزيرة معزولة عن العالم الخارجي (لا ماء ولا كهرباء ولا وسائل الاتصال). إلى جانب ذلك – ورغم الخصاص الذي ستتم الإشارة إليه فيما بعد -، فقد كانت هناك إنجازات فيما يتعلق بتعبيد الطرق، وعقد اتفاقيات بين العديد من الجماعات وشركات خاصة من أجل توفير خدمات القرب التي تحتاج إليها الساكنة المحلية كالماء والكهرباء وحافلات النقل الحضري وجمع النفايات وبناء ملاعب القرب للشباب وخصوصا في الجماعات الكبرى للمملكة كالرباطوالدارالبيضاء وطنجة. بيد أن مردودية المجالس الجماعية المنتخبة – عموما – لا زالت دون المستوى من أجل النهوض بالجماعات التابعة لها وتطويرها. فقد أبانت أكثرية الجماعات سواء عن عدم كفاءة أو عن عدم قدرة في التسيير وفي خلق فضاء محلي جميل، تحلو معه حياة المواطنين، وفي خلق سبل التنمية الترابية: مثال ذلك: 1) فشل "التدبير المفوض" لبعض المرافق العمومية، التي يعتبر إحداها بمثابة مرفق عمومي استراتيجي وحساس لا يجوز خصخصته، ومن الخطأ الجسيم تفويض تدبيره لشركات أجنبية (الشركات المتعددة الجنسيات) لما في ذلك من مساس بالسيادة الوطنية، وتحديدا ما يتعلق ب "توزيع الماء الصالح للشرب والكهرباء" على المواطنين. نفس الفشل عم قطاع النقل العمومي الحضري. فالتدبير المفوض في هذين المثالين يتخلله العديد من الخروقات، ومن التجاوزات، ومن سوء التدبير، وضعف المراقبة، وقبل ذلك اختيار الشخص المفوض له اختيارا سليما، وحسن التفاوض معه، وإلزامه بدفتر تحملات يراعي الجانب السوسيو-اقتصادي من جودة الخدمات وأثمنة في متناول القدرة الشرائية للمواطن وما يخدم القطاعات المنتجة. وارتباطا بفشل التدبير المفوض في مرافق توزيع الماء والكهرباء والنقل العمومي الحضري يمكن استحضار النقطتين الأساسيتين التاليتين: – اختلالات وخروقات في الخدمات المقدمة من لدن العديد من الشركات التي فوضت إليها الجماعات تدبير وتوزيع الماء الصالح للشرب والكهرباء كريضال بالرباط ونواحيها وأمانديس بشمال المملكة وليديك بالدارالبيضاء. ولعل معطيات فترة حالة الطوارئ الصحية التي تعيشها بلادنا في الوقت الراهن بسبب انتشار فيروس كورونا المستجد لإحدى الأمثلة الحية لذلك. فقد عمدت هذه الشركات الأجنبية إلى مضاعفة فاتورات الاستهلاك مرات عديدة، ولجوئها إلى معايير غير قانونية وطرق غامضة في ذلك، بشكل لا يعكس الاستهلاك الحقيقي للمواطنين ولا يراعي قدرتهم الشرائية ولا يأخذ بعين الاعتبار الأزمة المالية الخانقة التي تمر منها الأسر المغربية بسبب التداعيات السوسيو-اقتصادية للجائحة. ولعل غياب المراقبة والمحاسبة اللازمتين من لدن المجالس الجماعية والسلطات العمومية المخول لها ذلك سهل على هذه الشركات التمادي في خروقاتها وتجاهل شكايات المواطنين. ومثال صارخ آخر، الفيضانات التي تعم الكثير من الشوارع والأزقة بعد تهاطل الأمطار نتيجة غياب أو قلة بالوعات الصرف الصحي وعدم صيانة شبكاتها كالفيضانات التي عرفتها عدد من مدن المملكة ذات التدبير المفوض بعد التساقطات المطرية الأخيرة والتي أبانت عن هشاشة البنيات التحتية لتلك المدن وفي مقدمتها العاصمة الاقتصادية للمملكة الدارالبيضاء؛ – غياب وسائل النقل الحضري في هذه الجماعات أو أنها في حالة مهترئة وتعاني من الاكتظاظ نتيجة قلتها وعدم انتظام مرورها وتغطيتها لجميع الأماكن؛ الشيء الذي يدفع بفئة عريضة من الساكنة للتنقل من أماكن سكناهم إلى مكان عملهم سواء مشيا على الأقدام أو باستعمال وسائل نقل لا توفر شروط الكرامة الإنسانية والسلامة الطرقية بما في ذلك داخل مدينتي الرباطوالدارالبيضاء (أي أغنى جماعات المملكة). وإذا كانت هاتين المدينتين قد عرفت إنشاء خطوط للترامواي، فإن هذا الأخير لم يخفف إلا الجزء اليسير من معاناة الساكنة المحلية؛ 2) الافتقار لمقومات العيش الكريم: على سبيل المثال، هشاشة البنيات التحتية (ظاهرة الفيضانات بعد تساقط الأمطار المشار إليها أعلاه، ضعف شبكة الطرق المعبدة أو أنها في حالة رديئة، إلخ.)، غياب المستوصفات أو أنها تفتقر للأطر والتجهيزات الضرورية، غياب الحضانات الجماعية، غياب أو قلة دور الشباب والمكتبات، عدم الاعتناء بالمناطق الخضراء وأماكن دفن موتى المسلمين، ضعف النظافة وانتشار النفايات في الشوارع والأماكن العمومية، غياب المواكبة الاجتماعية للفقراء والمعوزين. ثالثا- أين الخلل في أن تكون المجالس الجماعية أداة فعالة في مجال التنمية؟ انطلاقا من التجارب السابقة لتسيير الجماعات يمكن إبراز بعض الجوانب التي تحول دون أن تكون المجالس الجماعية أداة فعالة في مجال التنمية المحلية، وهي كما يلي: – إن العنصر البشري هو الحلقة الأهم في كل استراتيجية للتنمية. ودون وضع العنصر البشري في المقدمة فإنه يستحيل التفكير في إمكانية خلق تنمية حقيقية ومستدامة داخل الجماعات. والواقع أن الجماعات بالمغرب تعاني من مشاكل حقيقية في هذا الشق؛ والناجم بالأساس عن عدم استثمار مواردها البشرية استثمارا جيدا وعقلانيا وقلة الأطر ذات الكفاءة والديناميكية اللازمتين (مثلا، نسبة كبيرة من أعضاء مجالس الجماعات هم سواء أميون أو من ذوي التعليم المحدود). هذا المعطى لا يساعد على حسن استغلال الوسائل التي أتاحها القانون، وعززها دستور المملكة الأخير، للجماعات في مجال التنمية كتحفيز الاستثمار، ومساعدة المقاولات، وإنشاء شركات للتنمية المحلية، وتكوين مجموعة الجماعات، والتكافل بين الجماعات (مساعدة الجماعات الغنية للجماعات الفقيرة)، وحسن إبرام الاتفاقيات والعقود مع القطاعين العام والخاص وما يعقب ذلك من متابعة، ومحاسبة، ومعاقبة – إن اقتضى الأمر ذلك. – عدم تطبيق برامج الانتخابات الجماعية وبلورتها في برامج عمل الجماعة أو استراتيجيات تنمية براغماتية وواضحة المعالم. وهذا الأمر له علاقة بعدم نضج ديمقراطية القرب. فالبرامج الانتخابية شيء وتدبير شؤون الجماعة بعد ذلك شيء آخر؛ بحيث أن هذه البرامج لا تعدو أن تكون برامج لجلب أصوات الناخبين ولا تكرس – في حقيقة الأمر – على أرض الواقع، أو لا تتم بلورتها إلى خطة عمل من أجل النهوض بالجماعة على المستويات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والبيئية والرياضية وفق ما تتوخاه أو تحتاج إليه الساكنة؛ – هيمنة الخلافات والصراعات الحزبية والشخصية بين أعضاء المجالس الجماعية، وأحيانا بسط رئيس الجماعة سلطة كاملة على تدبير شؤون هذه المجالس مع إقصاء معارضيه من المستشارين الذين ينتمون لأحزاب سياسية أخرى. والمشكل الحقيقي هنا ليس في التنوع أو الاختلاف في التركيبة السياسية لمجالس الجماعات، ولكن في غياب استحضار هؤلاء الأعضاء لفكرة "خدمة الصالح العام" وهيمنة الخلافات الضيقة على عملية اتخاذ القرار، وبالتالي تفويت الفرصة من أجل اتخاذ القرار السليم الذي من شأنه تنمية الجماعة؛ – العديد من الجماعات تعاني من تبذير المال العام، بل واختلاس هذا الأخير من لدن البعض كذلك، وغياب روح المواطنة، وعدم القيام بالمسؤوليات وربط المسؤولية بالمحاسبة والحكامة الجيدة في تدبير الشأن المحلي. وفي مثل هذه الحالات فإن العديد من أعضاء مجالس الجماعات لا يظهرون للساكنة ولا تقوم جماعاتهم بأي مشروع تنموي إلا بعد اقتراب موعد الانتخابات (ترصيف الشوارع، تبليط الأزقة، مد قنوات التطهير، إلخ.)؛ – وصاية/رقابة شديدة للسلطة المركزية على برامج عمل الجماعات، ومداولاتها، وقراراتها بشكل يعيق اتخاذ القرار الناجع وتنفيذه فيما تحتاج إليه ساكنة الجماعات من تنمية. فمجلس الجماعة لا يمكنه اتخاذ قرار أو تنفيذه إلا بموافقة السلطة المركزية أو من يمثلها داخل النفود الترابي للجماعة (عامل العمالة أو الإقليم)؛ – ضعف ميزانية العديد من الجماعات، وخصوصا الجماعات النائية، والصعوبات العملية التي تواجهها الجماعات في استخلاص الضرائب والرسوم التي أقرها القانون لها من أجل تنميتها؛ وتجدر الإشارة هنا أن مجلس الجماعة لا يتحمل وحده مسؤولية التنمية على مختلف المستويات، خصوصا إذا كانت ميزانيتها متواضعة أو غير كافية. فالعمالة أو الإقليم والسلطة المركزية، أي الدولة، يتحملون كذلك جانب مهم فيما يخص تنمية الجماعة؛ خصوصا أن مواردها أكبر بكثير من موارد الجماعات وعلى الأخص الجماعات النائية التي تعجز ميزانيتها عن القيام بأي مشروع تنموي وتعيش ساكنتها الفقر، والعزلة، والتهميش. وخلاصة القول إنه لإنضاج ديمقراطية القرب فإن هناك حاجة ماسة إلى النخبة المحلية المؤهلة والأمينة والغيورة على الشأن المحلي، وتوضيح المسؤوليات في عملية اتخاذ القرار، وتفعيل المقتضيات الدستورية والقانونية المتعلقة بالجماعات ومن ذلك على سبيل المثال ما يتعلق ب "التدبير الحر"، واشراك الساكنة والفاعلين المحليين في عملية اتخاذ القرار، والجهوية المتقدمة التي لها علاقة وطيدة بتنمية الجماعة، والحكامة وربط المسؤولية بالمحاسبة.