كما عودتنا القنوات الإذاعية و التلفزية خلال كل شهر رمضان، يحتدم السباق فيما بينها على استقدام بعض الأطباء و الأخصائيين في عدد الأمراض لتقديم خدمة هي في الحقيقة بالغة الأهمية للمستمعين و المشاهدين، و إعطائهم نصائح قصد تسهيل عملية الصوم، و تجنب بعض التأثيرات الجانبية التي يمكن أن تحدث، خصوصا لمن يعانون مشاكل في التنفس أو أمراض القلب أو السكري...، و للأمانة فإن أغلب هذه البرامج تكون مفيدة و مجدية، خصوصا عندما يتعلق الأمر بتقديم إرشادات للصائم، و كيفية تعامله مع حرارة الصيف، و تحمله للعطش، و طريقة تناوله للمياه و كميتها، و اختياراته للوجبات الخفيفة و المفيدة، إلى غير ذلك من النصائح التي تسطر تحت عنوان "رمضان و الصحة" أو " أو صحتك في رمضان" أو ما شابه ذلك، في بلد تغيب عنه الصحة أو تكاد. و الملاحظ أن مثل هذه البرامج و محاورها ليست إلا تكرارا لما سبق، و لا تواكب التدهور الاجتماعي الذي يعرفه المجتمع أمام تفاقم العديد من المشاكل، و على مستويات مختلفة، و ما ينتج عنه ذلك من آثار سلبية على صحة المواطن، و أنا أعني جيدا ما أقوله، لأننا فعلا نعاني تدهورا خطيرا في حياتنا الاجتماعية، و هذا واضح للعيان و بدون مقدمات، و كنت أود لو أن ضيوف مثل هذه البرامج تطرقوا إلى بعض الظواهر السيئة التي حتما تتسبب في أمراض على المستويين النفسي و الجسدي، و التي في نظري تتقاسم فيما بينها معضلة التلوث بمفهومه الواسع، و الذي استفحل في هذه الأيام و تشعب بكل ألوانه – التلوث البشري، السمعي، البصري، الهوائي..- و زاده استفحالا الكم الهائل من الأزبال التي أغرقت جل أحياء المدينة، حتى صار الناس يفكرون في وضع الكمامات على أفواههم وأنوفهم تجنبا للروائح الكريهة، و تفاديا للإصابة بأمراض هي غالبا محتملة في ظل هذا الجو الحار، فكان على المختصين ضيوف البرامج الرمضانية و مقدميها التطرق إلى هذا الموضوع لما له من انعكاسات خطيرة على صحة الناس، و الطرق الواجب اتباعها لتفادي ما يمكن أن يحدثه من أضرار، عوض الحديث عن وجبات غذائية لا يعرف منها المواطن المغربي إلا القليل مما سمحت له به أجرته الهزيلة، و إذا كان - بعض- الفقهاء قد اجتهدوا وحرَّموا على الصائم التِّطَيُّب أو استنشاق العطور، فما حكمهم ياترى في استنشاق روائح الأزبال الكريهة فترة الصيام؟
"رمضان بنكهة الأزبال" هذا هو العنوان الذي يناسب الوضع الحالي للمدينة، بعد أن عمدت شركة "التبذير" المفوض في قطاع النظافة "طيك ميد"- نعم التبذير و ليس التدبير- إلى ترك عدد من الأحياء خارج نطاق خدمة جمع النفايات، حتى صار الوضع أقرب ما يكون إلى عقوبة جماعية، بعد أن انتفضت الساكنة ضدها و ضد أمثالها من الشركات الأجنبية، و المسؤولين عن تسيير الشأن المحلي ممن لهم بها علاقات غير مفهومة. و بالفعل تحولت طنجة إلى مطرح كبير للنفايات، و تجمع لأسراب الحشرات، و هي التي كانت بالأمس " أعزكم الله " مرشحة لاحتضان المعرض الدولي إكسبو2012 العام المقبل، و كانت القمامات من بين أسباب فشلها في ذلك إلى جانب المراحيض العمومية. و لا تستغربوا هذا الصمت المريب الذي يلتزمه من هم على رأس المؤسسات المسؤولة عن تسيير شؤون المدينة، كون قماماتهم تفرغ في حينها و تنظف بالماء و الصابون و تكنس الشوارع المارة بفيلاتهم و تغسل، في حين تتراكم الأزبال في أحياء غيرهم ممن لا يصلحون إلا للتصفيق في المهرجانات و الخطابات و التصويت في الانتخابات. إن المعضلة الكبرى التي تعاني منها في هذه المدينة، و التي سببت في ضياع بهجتها و جماليتها، هي وصول أناس لا ينتمون إليها و لا يعيرونها أدنى اهتمام، فكيف لهم أن يفكروا في غير مصالحهم الذاتية، و الاهتمام بكل ما من شأنه أن يخدم أهلها؟ و حتى لا يتهمني أحد بالعنصرية فإني أقول أننا عندما نقول أهل طنجة فإننا لا نقصد هنا أن " طنجة كانت قد تزوجت بطنجو أو طنجي و أنجبت منه طنجويون" أبداً، بل إننا نقصد بالطنجاوي كل من أقام على تراب هذه المدينةن و عاش بين أهلها الطيبين، و شرب من مائها، و استنشق هوائها، فسكنته و سكنها، و صار يُفرحه ما يُقدمها، و يُتعسه ما يؤخرها و يضر بمصالح أبنائها، فأين هؤلاء من أولائك؟ إن مجرد التفكير في عملية تفويض تدبير قطاع كالنظافة لشركة أجنبية، يصيب صاحبه بأزمة نفسية، لأن العملية لا تتعدى أن تكون تغيير الإسم من بلدية طنجة إلى شركة "طيك ميد" مع اقتناء بعض المعدات التي يمكن لأي كان اقتناؤها، و أما العمال و المسيرون و الأطر الإدارية فهم مغاربة، لتُحصر عملية التفويض تلك في التدبير، و هذا إن دل على شيء فإنما يدل على أننا نشهد على أنفسنا بعدم حسن تدبيرنا لأمورنا، و في أمس الحاجة إلى عقلية أجنبية تسيرنا، في الوقت الذي نشهد فيه بكفاءة العديد من الأطر أبناء هذا البلد، الذين تخرجوا من مدارس عليا، و الذين يعتبرون المسيرين الفعليين للعديد من أمثال هذه الشركات الأجنبية، التي تعرف جيدا كيف تعتمد سياسة " فْزِيتُو قْلِيهْ " فلا تحتاج بذلك سوى إلى عقل أجنبي بحاسوب، لتجني أرباحا طائلة بذكاء، ومن سخاء من أوكل الناس إليهم أمورهم، فصاروا يبذرون هنا و هناك. ألم يكن المبذرون إخوان الشياطين؟ و كان الشيطان لربه كفورا.