بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فإن من نعم الله على عباده، أن يوالي عليهم مواسم الخيرات ، فما أن انقضى موسم الحج المبارك، إلا وتبعه شهر كريم هو شهر الله المحرم، الذي هو من أعظم شهور السنة . شرف الله هذا الشهر بيوم عظيم ، هو اليوم العاشر منه ، فقد ورد في السنة المطهرة الحث على صوم عاشوراء (كما سيأتي ) وهو اليوم العاشر من شهر المحرم على الصحيح ، وهو مقتضى الاشتقاق والتسمية ،مأخوذ من العشر ، فكان أظهر في اليوم العاشر ، بل يلزمه ، ويختص به . الإخوة والأخوات : ميز الشرع هذا اليوم العظيم بفضائل جليلة ، وخصه بمعاني سامية ينبغي أن نحرص عليها ، ونستحضرها ونتمثلها، ومن أجلها: – أنه أفضل أيام شهر الله المحرم الذي هو أحد الأشهر الحرم . فعن الحسن أنه قال: " إن الله افتتح السنة بشهر حرام ،وختمها بشهر حرام، فليس شهر في السنة بعد شهر رمضان أعظم عند الله من المحرم". – أنه يوم من أيام الله المشهودة. لارتباطه بأمور عظيمة . ففيه حصل نصر مبين لأهل الإيمان ، وأظهر الله فيه الحق على الباطل؛ حيث نجّى الله فيه موسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام وقومه، وأغرق فرعون وقومه . – أنه يوم كان معظما قبل الإسلام .كما ورد في الحديث الصحيح . – أنه يوم كانت الجاهلية من كفار قريش، وغيرهم، واليهود ، يصومونه ، وجاء الإسلام بصيامه متأكداً، ثم بقي صومه أخف من ذلك التأكد. – أنه يوم رغب الشرع الحكيم في صيامه في شهر صيامه أفضل الصيام بعد رمضان . الإخوة والأخوات : صيام عاشوراء من السنن المطلوبة ، والشعائر المحمودة ، ندب الشرع إليه ، وحث عليه ، أخرج الإمام مالك في الموطأ من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت : " كان يوم عاشوراء يوما تصومه قريش في الجاهلية ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه في الجاهلية ، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة صامه وأمر بصيامه ، فلما فرض رمضان كان هو الفريضة ، وترك يوم عاشوراء ، فمن شاء صامه ومن شاء تركه"بمعنى أنه لا حق بسائر الأيام التي لم يمنع صومها ، ولا وجب. وعن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال : " أمر النبي صلى الله عليه وسلم رجلا من أسلم ، أن أذن في الناس : " أن من كان أكل فليصم بقية يومه ، ومن لم يكن أكل فليصم ، فإن اليوم يوم عاشوراء " رواه البخاري. وفي الموطأ من حديث حميد بن عبد الرحمن بن عوف، أنه سمع معاوية بن أبي سفيان، يوم عاشوراء، عام حج، وهو على المنبر، يقول: " يا أهل المدينة! أين علماؤكم؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول لهذا اليوم: " هذا يوم عاشورا، ولم يكتب عليكم صيامه ، وأنا صائم. فمن شاء فليصم، ومن شاء فليفطر" . وهو في الصحيحين أيضا . وفي الصحيحين وغيرهما من حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: "قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء ، فقال: ما هذا؟ قالوا: هذا يوم صالح ، هذا يوم نجى الله بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى، قال: فأنا أحق بموسى منكم فصامه صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه". الإخوة والأخوات : كان من هدي نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم تحري صيام عاشوراء والحرص عليه ، ففي الصحيح من حديث عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما قال : " ما رأَيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم يتحرى صيام يوم فضله على غيره إِلا هذا اليوم ، يوم عاشوراء ، وهذا الشهر يعني شهر رمضان" ومعنى " يتحرى " أي يقصد صومه لتحصيل ثوابه . وهو فعل السلف الصالح رضوان الله عليهم ، فعن الربيع بنت معوذ رضي الله عنها قالت : " أرسل النبي صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار: " من أصبح مفطراً فليتم بقية يومه، ومن أصبح صائماً فليصم " قالت: فكنا نصومه بعد ، ونصوّم صبياننا ، ونجعل لهم اللعبة من العهن، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذاك حتى يكون عند الإفطار." رواه البخاري . وكان الخلفاء الراشدون يهتمون به ، فهذا الخليفة الفاروق أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه – فيما رواه الإمام مالك في الموطأ – : " أرسل إلى الحارث بن هشام:أن غدا يوم عاشوراء. فصم وأمر أهلك أن يصوموا". وهذا أمير المؤمنين سيدنا علي رضي الله عنه : " كان يأمر بصوم عاشوراء " أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه بطرق . بل كان بعض السلف يصومون يوم عاشوراء في السفر، منهم ابن عباس وأبو إسحاق السبيعي والزهري، وكان الزهري يقول: " رمضان له عدة من أيام أخر، وعاشوراء يفوت " الإخوة والأخوات : بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما في صيامه من الثواب الكبير والأجر العظيم . ففي صحيح مسلم من حديث أبي قتادة رضي الله عنه ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله ". وعن أبي سعيد رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من صام يوم عرفة غفر له سنة أمامه وسنة خلفه، ومن صام عاشوراء غفر له سنة". فما أحوجنا عباد الله – في ظل في هذه الظروف الصعبة التي تمر بها بلادنا جراء هذه الجائحة وباء كوفيد 19- أن نغتنم هذا الموسم المبارك بفعل الطاعات من صيام وغيره ، فإن صالح الأعمال ، واللجوء إلى مالك الملك ذي الجلال والإكرام في وقت الشدة من أعظم أسباب تفريج الكربة ، وفي الأثر – وفيه كلام لكن الاستشهاد به في هذا المقام سائغ ، مع توافر أدلة الشرع في الحث على استباق الخيرات – : " إن لربكم في أيام دهركم نفحات ، فتعرضوا له لعله أن يصيبكم نفحة منها ،فلا تشقون بعدها أبدًا". اللهم تقبل منا الصيام ، وسائر الطاعات . اللهم احفظ بلدنا من كل شر ، ومن كل سوء ، ومن كل بلاء . اللهم ارفع الوباء عنا وعن الناس أجمعين .