لم تعد طنجةوالعرائش كما كانتا في السابق.هذه هي الخلاصة التي خرجت بها فعاليات ثقافية من المدينتين، خلال ندوة "المدينة بعيون مبدعيها"،أشرف على تنظيمها منتدى الفكر والثقافة والإبداع،واحتضنتها إحدى القاعات،بالمكتبة الوسائطية بقلب عاصمة البوغاز في إطار مهرجان بصمات فنون المدينة. طنجة الماضي،كانت مدينة حاضرة فيها بقوة، مظاهر الثقافة والجمال والهندسة المعمارية المتناسقة.وتجد في كل ركن من المدينة الدولية،ما يُذكّر بالمعاني الجميلة.أما العرائش فكانت تحفة فنية،لا يخلو أي مكان منها،من لمسة إبداع، تستنشق منه نسمات الجمال والحب.لكن كل هذا تغير فجأة بعد مرحلة الاستقلال،ي ُقر مثقفو المدينتين. يقول الرسام التشكيلي الفقيه الركراكي في مداخلته،"طنجة كبرت بشكل كبير" و"لم أعد أستطيع أن أواكب هذا التقدم والكبر في الحجم".لا يستطيع الركراكي استيعاب ما جرى،وما نتج عنه من نشوء أحياء هامشية.هناك ناطحات سحاب،"أما طنجة، فإن كل عمارة تنطح أخرى". ويختم الركراكي بالقول " لست ضد تنمية البلاد، ولكن يجب إحترام الجغرافيا والبيئة". أما المسرحي الزبير بوشتى، فاعتبر أن إغلاق مسرح سيرفانتيس، خلق في نفوس الطنجاويين حنينا للاستعمار،لأنه بنى بنايات معمارية ثقافية كثيرة.وتأسف كذلك لواقع التنمية في عروس الشمال، "التي لا تشمل بناء الإنسان". وأضاف "نحن نرى كيف أن أجمل القاعات الثقافية،هي تلك الموجودة في مقرات البعثات الأجنبية والدبلوماسية".وسخر من أن المؤسسات الثقافية التي تبنيها الدولة المغربية حاليا، تستهدف فقط التسويق الأجنبي، ولا تستهدف الفنان المغربي. الكاتب المختار الشاوي، تساءل فيما إذا كانت طنجة، لا تزال قادرة على جلب المبدعين، كما كانت تفعل في السابق. محذرا من أن جغرافيا المدينة سابقا،كانت تساعد على الإبداع، أما الآن فالبناء العشوائي الجديد،يمنع الأفق ويحد من تفجير ملكات الإبداع لدى الجيل الجديد.وأكد للحضور على أن طنجة في حاجة للبحر والفن لتتنفس وتبدع. من جانبه،لم يفوت المبدع عبد الرحيم الإدريسي الفرصة، لتذكير الحضور بأنه إذا تم قلب الرؤية وطرح السؤال بشكل عكسي،فيمكننا أن نقول "كيف ترانا طنجة ؟ "،لأن طنجة "تحتاج إلينا" لأن المثقف بكل مكوناته يبحث عن مأسسة الأفكار والتصورات.وإعتبر ان الإنسان يجب أن يكون محور كل خطة لإنتاج التنمية الثقافية والفنية،ودعا المثقفين للتفاعل مع المسؤولين للبحث عن سبل لتقدير الخطاب والتدبير التنموي في المدينة. أما الشاعر محمد عابد من مدينة العرائش، فذكر أن علاقته بمدينته، تقتصر فقط على "مدينة العرائش الجميلة"،أما حاليا فهو "في خصام مع العرائش بواقعها الحالي". ويبرر عابد ذلك بأنها أصبحت "غريبة عليّ، ولم أعد أتعرف على العرائش التي عشتها وعشقتها في السابق". في الماضي كانت تفوح منها رائحة مسك الليل ينبعث من حدائقها،ورائحة سمكها الطري،ولا يتذكر عابد بأن للعرائش بحر، سوى حينما يسمع بغرق شخص في سواحلها . أما عزيز قنجاع، مثقف من مدينة العرائش، فذكر بأن الإحساس بالحنين للماضي،هو طبيعة إنسانية، وسبق أن كتب كتاب عن ذلك،من بينهم إبن الخطيب نفي كتابه "الإحاطة في أخبار غرناطة"، أو كتاب إبن أبي زرع، "روض القرطاس في أخبار مدينة فاس"،ومعجم المراكشي عن مدينة مراكش،يقول قنجاع "كل هؤلاء تحدثوا في كتبهم عن الأمجاد الماضية لمدنهم بحنين كبير،ويتحسرون على التغييرات التي طرأت عليها". ويضيف "المستقبل الآن هرب منا، لأننا نعيش سرعة كبيرة في حركة الإنسان" و"نعجز في ضبط" وختم قائلا ما نعيشه حاليا هو تاريخ إنتقالي مُنْفلت منا" . وذكّر قنجاع بمقولة ابن خلدون في مقدمته حينما كتب،"ومن الخطأ الخفي في التاريخ، الذهول عن تبدل الأحوال، في الأمم والأجيال، بتبدل الاعصار ومرور الأيام وأهل الملك والسلطان، إذا إستولوا على الأرض فلابد أن ينزعوا إلى عوائد من قبلهم، ويأتي جيل من بعدهم، ويأخذ من عوائده وعوائدهم، فيكون أشد مخالفة لعوائد الجيل الأول، ويستمر الأمر بالمخالفة،حتى ينتهي إلى المباينة بالجملة". أما المخرج العرائشي محمد الشريف الطريبق،فذكر بأن التغير الذي تعيشه مدينة العرائش،ومدن أخرى مجاوة، أفقدها النظرة الجمالية.وزاد قائلا "أصبح ملزما التركيز على لقطات محددة ومؤطرة، بشكل يخفي معالم المدينة".وهذا راجع إلى انتشار مظاهر القبح في مدننا،من بينها العدد الهائل من اللوحات الإشهارية. ويضيف الطريبق،بأن المدن تحكي قصصا عن مختلف مراحلها التاريخية،وتأسف لوجود ما أسماها "ثقافة الممحاة "،"ففي كل 10 سنوات، يتم هدم ومسح الفترة الزمنية السابقة،وهكذا تُمسح المعالم الثقافية ذات البعد الجمالي". وكشف المخرج الطريبق أنه حاليا،حينما يسعى لتوظيف موروث ثقافي معماري، يتحدث سواء عن العرائش أو طنجة،فيضطر للذهاب إلى مدن جنوبالبرتغال وإسبانيا،ليلتقط مشاهد يوظفها في أفلام تتحدث عن مدن مغربية،"لأن هذه الدول حافظت على موروثها،الذي يمتد إلى القرون الخوالي"، بينما "لم نستطيع نحن الحفاظ على المعمارالتاريخي". والمشكل الآخر حسب الطريبق،هو أن المدن القديمة،" أصبحت مليئة بمحلات بيع الحواسيب وأدوات الهواتف النقال، وأبوابها حديدية،أذهب عنها الجمالية".