تشهد الساحة المغربية، منذ أسابيع جدلا حادا حول تجريم الإجهاض، على خلفية ضجة أثارها حكم قضائي بسجن الصحافية هاجر الريسوني، لمدة سنة؛ لإدانتها بالإجهاض. وتشكل قضية هاجر دافعا جديدا للمطالبين بإلغاء تجريم الإجهاض نهائيا، على حساب الرافضين. هذا النقاش المحتدم، في وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، يأتي بعد جدل مماثل سنة 2015، حيث شكل ملف الإجهاض خلافا كبيرا بين اليساريين والإسلاميين، إذ يطالب التيار الأول بإنهاء التجريم نهائيا، وهو ما يرفضه الإسلاميون. التباين الحاد بين التيارين استدعى تدخل الملك محمد السادس، حيث أمر في مارس 2015، كلا من وزير العدل والحريات آنذاك، مصطفى الرميد، ووزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، أحمد التوفيق، والرئيس السابق للمجلس الوطني لحقوق الإنسان إدريس اليزمي، ب"دراسة موضوع الإجهاض، بالتنسيق والتعاون مع المجلس العلمي الأعلى". وخلصت اللجنة الملكية إلى تحديد 3 حالات يُسمح فيها بالإجهاض، وهي: "عندما يشكل الحمل خطرا على حياة الأم أو على صحتها، والحمل الناتج عن اغتصاب أو زنا المحارم، والتشوهات الخلقية الخطيرة والأمراض الصعبة التي قد يُصاب بها الجنين". مشروع قانون مجمد وفي ماي 2016، صادقت الحكومة، برئاسة عبد الإله بنكيران حينها، على مشروع قانون حول تقنين الإجهاض، وأحالته على البرلمان، تمهيدا لإقراره، لكنه ما يزال في البرلمان منذ أكثر من ثلاث سنوات. وتفاعلت هيئات مدنية وسياسية مع النقاش الدائر حول الإجهاض، على خلفية قضية هاجر الريسوني. ودعا حزب "التقدم والاشتراكية"، في بيان يوم 11 سبتمبر الماضي، إلى معالجة جذرية لموضوع الإجهاض، ضمن مراجعة شاملة للقانون الجنائي المعروض على مجلس النواب. وشدد على ضرورة مراعاة "التقدم المهم الذي حققته بلادنا على مستوى المنظومة القانونية المتشبعة بحقوق الإنسان في مفهومها الكوني، وتكريس الحقوق الفردية والشخصية للمواطنات والمواطنين". وعبر المجلس الوطني لحقوق الإنسان، في بيان يوم 9 سبتمبر الماضي، عن أمله بأن يشكل التداول العام للقضية "نقطة تحول لإنهاء تردد الفاعلين السياسيين بخصوص ملاءمة الإطار التشريعي لبلدنا مع أحكام الوثيقة الدستورية والمواثيق الدولية، وتكييف هذا الإطار مع الممارسات المجتمعية". قضية مفتعلة اعتبر المعطي منجب، محلل سياسي، أن "النقاش حول رفع تجريم الإجهاض تثيره قضية محرجة بالنسبة للرأي العام ولا علاقة لها بالموضوع". وأضاف منجب أن "الصحافية هاجر الريسوني اعتُقلت بسبب قضية مفتعلة.. والنقاش بحد ذاته صحي". واستطرد: "الملف (هاجر الريسوني) الذي أثار قضية الإجهاض مفتعل، وهو استهداف لحرية رأي، وليس قضية إجهاض". واستبعد منجب إلغاء تجريم الإجهاض: "لا أظن أن هناك أغلبية في البرلمان ستمرر مشروع قانون أكثر ليبرالية وأكثر احتراما لحرية وحقوق المرأة من الموجود حاليا". وأعرب عن اعتقاده بأن الأمور ستبقى كما هي في مشروع القانون المعروض على البرلمان، لاسيما وأن لجنة ملكية هي التي صاغته. تكريس للتمييز فيما دعت خديجة الرياضي، ناشطة حقوقية، إلى تعديل فصول القانون الجنائي المتعلقة بالإجهاض، لرفع التجريم والسماح للنساء بالإيقاف الإرادي للحمل. وتابعت الرياضي: "هذه المسألة تهم المرأة، ولا يمكن أن تفرض عليها أن تكون أمّا وهي غير مستعدة لذلك وليس لها الإمكانيات اللازمة". وزادت بأن "أرقام الجمعيات المختصة بالإجهاض في المغرب مقلقة، وتقدر عدد حالات الإجهاض يوميا بحوالي 800". ومضت قائلة إنه "في حالات كثيرة يتم الإجهاض في شروط غير صحية.. المتضرر الأول من تجريم الإجهاض هن النساء الفقيرات غير القادرات على السفر إلى الدول الأوروبية لإجراء عملية الإجهاض، وهذا القانون يكرس التمييز بين النساء حسب الانتماء الطبقي". وانتقدت الرياضي ما أسمته "توظيف الدولة للفصول التي تمس حرية الأشخاص في القانون الجنائي واستعمالها سياسيا لتشويه سمعة الصحافيين والنشطاء والمناضلين، الذين ما يزال ينظر إليهم بشكل محافظ". ودعت منظمات دولية، بينها "العفو الدولية" و"هيومن رايتس ووتش" و"مراسلون بلا حدود"، إلى إطلاق سراح الصحافية الريسوني، متهمة السلطات باستخدام القوانين لتخويف الصحافيين، بحسب بيانات منفصلة. وأوقفت السلطات هاجر برفقة خطيبها وطبيب متخصص في أمراض النساء واثنين من مساعديه. ويجرم القانون المغربي الإجهاض، وتتراوح عقوبته بين 6 أشهر و5 سنوات سجنا، ولا يقتصر فقط على المرأة التي أُجهضت، بل يعاقب أيضا كل من قام بفعل الإجهاض. واعتبرت هاجر توقيفها "خطوة سياسية، ومعاقبة لها على مقالاتها المنتقدة للسلطات"، بحسب فريق الدفاع عنها. فيما قالت النيابة العامة، في بيان، إن توقيف هاجر لا علاقة له بمهنتها، وإنما يتعلق ب"أفعال تعتبر في نظر القانون الجنائي جرائم، وهي ممارسة الإجهاض".