زاد الحكم الصادر، يوم الاثنين 30 شتنبر، في حق الصحافية هاجر الريسوني، بالسجن سنة نافذة، الصورة الحقوقية للمغرب سوادا في الخارج، إذ ظهر كما لو أنه بلد لازال يعتمد قوانين عتيقة تضرب في العمق حقوق الإنسان والحريات الفردية وحرية التعبير. كما أن صمت السياسيين حُيال قضية هاجر زاد، أيضا، من عزلتهم، وتهربهم من الخوض في القضايا المهمة والحساسة. هذا ما أكدته مختلف التقارير الإعلامية الدولية بعد النطق بالعقوبات الحبسية في حق هاجر الريسوني وخطيبها، والطبيب وكاتبته والممرض. وأثار انتباه صحيفة “إلباييس” غياب وامتناع السياسيين المغاربة من مختلف الأحزاب، أغلبية ومعارضة، ويمينا ويسارا، تقريبا، في الإدلاء بدلوهم في اعتقال هاجر والحكم الصادر في حقها؛ في المقابل، أشادت بالمحللين الذين عبروا عن مواقف علانية. وفي هذا تشير الصحيفة قائلة: “في الوقت الذي عبر فيه العديد من المحللين جهارا عن سخطهم إزاء سجن هاجر الريسوني، لم ينبس أغلب القياديين السياسيين في الأحزاب السياسية ببنت شفة حول القضية”. وهو الموقف الذي عبرت عنه وكالة الأنباء الإسبانية في مقال تحليلي حول قضية هاجر بجميع أبعادها، إذ توصل إلى خلاصة مفادها أن النقاش في المغرب حول تعديل القانون الجنائي الذي سمح باعتقال هاجر مصيره التأجيل تلو التأجيل، نظرا إلى استقالة الأحزاب عن القيام بالدور المنوط بها، بما في ذلك الأحزاب التي تسمي نفسها تقدمية وعلمانية، إذ إن نضالات الجمعيات الحقوقية النسائية وحدها لا تكفي. وعلى غرار حزب العدالة والتنمية، “يجب الاعتراف- وهذا تردده الجمعيات النسائية باستمرار- بأنه حتى الأحزاب التي تقول عن نفسها إنها “تقدمية” أو “علمانية” لم تضع نصب أولويتها الدفاع عن الحريات ولا حقوق النساء. وعليه، فالنقاش من أجل تعديل القانون الجنائي يؤجل مرة تلو الأخرى”. مع ذلك، ترى الوكالة أن قضية هاجر الريسوني خلقت نقاشا بين المدافعين عن حقوق الإنسان والنساء والحريات الفردية. وأعطى المقال المثل بما جرى في إسبانيا قبل أربعة عقود قائلا: “في 1976، مباشرة بعد وفاة الديكتاتور الإسباني فرانسيسكو فرانكو”، خرجت مجموعة من النسوة إلى الشارع في برشلونة يحملن لافتة دخلت التاريخ: “أنا أيضا زانية”، وبعد سنتين من ذلك اختفى الزنا من القانون الجنائي”، وتتابع: “أربعون سنة بعد ذلك، يعود النقاش نفسه في البلد الجار المغرب مع اختلاف بسيط: هذه المرة ليس في الشارع، بل في وسائل التواصل الاجتماعي”. فيما نقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن ابتسام الأشقر، المؤسسة المشاركة للحركة البديلة للحريات الفردية قائلة: “ندرك جيدا أن هذه مسألة سياسية، لكن كحركة نسوية، نشعر بالقلق إزاء الدوافع. غالبا ما تكون النساء ضحية قوانين التحرر”. ونقلت، أيضا، عن أحمد بنشمسي، مسؤول هيومن رايتس ووتش على تويتر “إنه ظلم صارخ، وانتهاك فاضح لحقوق الإنسان وهجوم مباشر على الحريات الفردية، إنه يوم مظلم للحرية في المغرب”. وأضاف “في المغرب، تنحصر الاعتقالات في حالات الإجهاض عموما بمن يمارسون ذلك ونادرا بالمرضى، بحسب ما ذكرت هيومن رايتس ووتش نقلا عن شفيق الشريبي، رئيس الجمعية المغربية لمكافحة الإجهاض السر ي”. بدورها، نددت منظمة العفو في بيان ب”ضربة مدمرة لحقوق المرأة في المغرب (…) يتعين على السلطات إلغاء العقوبة والأمر بالإفراج الفوري وغير المشروط عنها”. في حين اعتبرت مراسلون بلا حدود الريسوني “ضحية مضايقات قضائية ضد الصحافيين”. من جهتها، قالت وكالة الأنباء “رويترز” قضت محكمة مغربية يوم الاثنين بسجن صحافية لمدة سنة بتهمتي ممارسة الجنس خارج نطاق الزواج والإجهاض”، علما أن “الصحافية نفت التهمتين في قضية أثارت غضب نشطاء في مجال حقوق الإنسان قالوا إن التهمتين لهما دوافع سياسية”. وأشارت إلى أن “هاجر الريسوني تعمل لحساب صحيفة “أخبار اليوم” المستقلة التي تنتقد الدولة”. في السياق نفسه، أوضحت “إلباييس”، أيضا، أن هاجر ” تعمل في يومية “أخبار اليوم”، التي يقبع مالكها ومؤسسها توفيق بوعشرين في السجن منذ 2018″، وتابعت “هذه الجريدة هي أحد المنابر الأكثر انتقادا للدولة”. وتضيف “رويترز” أن منظمات حقوقية ترى أن محاكمة هاجر تأتي في إطار حملة على الصحافيين الذين ينتقدون الحكومة. من جهتها، تقول النيابة العامة “إن الطبيب الذي ترددت الريسوني على عيادته كان محل مراقبة من الشرطة للاشتباه بقيامه بعمليات إجهاض، والتي تعتبر في نظر القانون الجنائي جريمة”. صحيفة “القدس العربي” علقت بالبنط العريض على الحكم على هاجر قائلة: “قضية هاجر الريسوني تضع علامة استفهام على مستقبل المغرب في مجال الحريات والحقوق”. وسيرا على منوال “إيفي” و” إلباييس”، قالت إن هناك “نفورا بين المجتمع المدني والساسة”، مبرزة أن “الخوف من الناس ومن نظراتهم، قضية أخرى تضاف إلى قضية أوضحت النفور والشرخ البين بين الطبقة السياسية والمجتمع المدني في المغرب، وجعلته بينا للغاية، فكل منهم في واد”، ومع ذلك ترى الصحيفة أن “قضية الصحافية هاجر الريسوني، التي تقبع في السجن لارتكابها جرائم مزعومة كممارسة الجنس خارج إطار الزواج والإجهاض، وحّدت كل القطاعات المدنية بطريقة غير معروفة حتى الآن”. أما صحيفة “العربي الجديد”، فأبرزت أن المحكمة اختارت الحكم على هاجر بسنة سجنا نافذا، “رغم المواقف الوطنية والدولية المجمِعة على انعدام الأدلة على هذه التهم”.