بعد الشعائر الدينية والطقوس الروحانية لعيد الأضحى، ما فتئت المأدبات والولائم تستحوذ على اهتمام ربات البيوت الطنجية خاصة والمغربية عامة، لتأخذ طابعا عائليا هاما، ويصير بعضها تقليدا يغدو خرقه إحراجا اجتماعيا كبيرا. هي أكلات مبرمجة بعد نحر الأضحية، لها جذور متوارثة ألفتها الأسر الطنجية يوم العيد، وحافظت على طريقة طهيها. "الكبد المشوي" على الفحم الهادئ ودخانه المنتشر، وكأنه يشارك أهل البيت فرحة العيد، هو أول وجبة صباحية عيدية تتقاسمها العائلة ويعطيها البعض طابعا دينيا، وافطارا للذي صام الأيام العشر لذي الحجة. حركة البيت لا تهدأ، الكل على قدم وساق في التنظيف والإعداد ليلتئم شمل الأسرة على مائدة الغذاء التي أُعدت لها وجبة الكبد والقلب والكلي المطبوخة ب "التقلية" وهي مزيج من الثوم والقزبر والمعدنوس والفلفل والكمون والملح وورق سيدنا موسى و الزيت. يحل الليل، وقد هدّأت نسماته الروحانية من تعب المحتفين وأنعشتهم مرة أخرى، ليكونوا على موعد مع وجبة قد لا يحلو أكلها إلا في عيد الأضحى، وهي "العلاوة" الجهاز الهضمي للأضحية، الذي يجهز بالثوم والفلفل والكمون والزيت، ليأخذ الأولوية في ضم الأسر على مائدة واحدة. يرسل اليوم الثاني وماضته الهادئة، والممزوجة بروائح الشواء وكؤوس الشاي المنعنعة المنبعثة من البيوت، إلى أن تأتي وجبة الغذاء، التي تتربع على موائدها صحون الكسكس بالرأس و الأطراف والتي تم شواءها في اليوم الأول من العيد، ليتم تقديمها مع البصل والزبيب. وعلاوة على هذه الأكلات الرئيسية، تأخذ أكلات أخرى خفيفة شعبيتها على موائد عيد الأضحى، ك "المخ بالتقلية" و"الطحال المشوي" بالتوابل، هذا بالاضافة الى أكلة " الكوطليط المشوي"، المكونة من قطع القفص الصدري للأضحية و التي تجهز ببهارات أعدت خصيصا للشواء، ناهيك عن وجبة "المروزية" وهي أرقى الوجبات الطنجية إذ يستدعى لها المقربون والأحباب، وتطبخ بتوابل و بهارات خاصة بها، مع السكر أو العسل والزبيب وتقدم مرشوشة باللوز. لا يذكر عيد الأضحى بطنجة إلا و تذكر هذه الوجبات المتوارثة عبر الأجيال بفن طهيها وطريقة إعدادها، فهل ستظل هذه "الشهيوات" والمكأولات سيدة موائد عيدنا، وتتحدى الوصفات الموجودة في الكتب الحديثة الخاصة بفن الطهي؟ وتلك التي تستحوذ على حيز كبير من المواقع الالكترونية ؟ أم أنها ستندثر باندثار أهلها؟