– وكالات: أثبت المغرب أن بإمكانه التضحية بالكثير من مصالحه الاقتصادية، وعلاقاته الدبلوماسية إذا مُست قضية "الصحراء"، وأنه لا يمكنه التساهل فيما يعتبره أبناؤه "القضية الأولى" لبلادهم، جاعلاً منها خطًا أحمرًا. آخر فصول قصة "القضية الوطنية الأولى"، كانت يوم الخميس الماضي، حين أعلنت الرباط قرارها بمقاطعة الشركات السويدية، بسبب ما اعتبرته دعماً للحكومة السويدية ل"جبهة البوليساريو"، واعتزامها الاعتراف بما يسمى "الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية". وكانت ولاية الدارالبيضاء أعلنت، الإثنين الماضي، إلغاء افتتاح أول مركز تجاري كبير لشركة "ايكيا" السويدية، لصناعة الأثاث بالمغرب، كان مقرراً في اليوم التالي. وعللت الولاية هذا الإلغاء، لكون "الشركة لا تتوفر على شهادة المطابقة، التي تمنحها المصالح الإدارية المختصة"، قبل أن يتضح أن المنع تم بسبب خطط السويد الاعتراف ب"الجمهورية الصحراوية" التي أعلنتها من جانب واحد "جبهة البوليساريو" عام 1975، والتي تنازع المغرب الشرعية على إقليم الصحراء، وتعتبرها الرباط "جمهورية وهمية". في اليوم نفسه (الإثنين)، استدعى رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، رؤساء الأحزاب السياسية المغربية من الأغلبية والمعارضة لاجتماع وُصف ب"الهام والطارئ"، كان محوره "تقديم بعض الهيئات السياسية السويدية في الحكومة ومجلس النواب، مقترح قانون للبرلمان السويدي، يرمي إلى تبني مواقف معادية ضد شرعية حق الشعب المغربي الثابت في وحدته الترابية"، بحسب بيان لحزب "التقدم والاشتراكية" المشارك في الحكومة. وأشار بيان سابق لحزب الاتحاد الاشتراكي المعارض، حصلت الأناضول على نسخة منه، أن اجتماع بنكيران بالأحزاب، "يهدف إلى التعبئة من أجل مواجهة مخطط حكومة السويد، بالاعتراف بالبوليساريو". واعتبر الحزب أن "المواجهة الصارمة لهذا المخطط، من طرف الشعب المغربي ودولته، هي الرسالة الذي ينبغي أن تُبلغ لحكومة السويد، وباقي القوى السياسية في هذا البلد، للتأكيد على ثبات الموقف المغربي، وإجماعه في مواجهة أية محاولة لتمزيق كيانه والمس بوحدته الترابية", من جهته، استنكر حزب "العدالة والتنمية" الذي يقود الائتلاف الحكومي، تطورات الموقف السويدي من القضية الوطنية، معتبراً "كل مساس بالوحدة الوطنية (يشكل) عدواناً على المغرب وسيادته". وكانت الخارجية المغربية، استدعت الثلاثاء الماضي، سفيرة السويد لدى الرباط، إيريكا فرير، للاحتجاج على اعتزام حكومة بلادها، الاعتراف بما يسمى "الجمهورية الصحراوية الديمقراطية". وكانت المتحدثة باسم وزارة الخارجية السويدية، آنا ايكبروغ، قالت في تصريحات صحفية، إن المعلومات التي وردت حول منع شركة "ايكيا"، هي أن المركز التجاري لا يملك جميع الرخص المطلوبة في المغرب، مضيفة أن "الأمر ليس له أية صلة بسياسة السويد فيما يخص الصحراء". وتصرف المغرب إزاء ما اعتبره مشاركة سويدية في "مخطط لتمزيق كيانه"، ليس طارئاً في سلوكه الدبلوماسي، فقبل أكثر من 30 عاماً، وتحديداً في 1984، قرر الانسحاب من منظمة "الوحدة الأفريقية"، التي تعرف الآن ب"الاتحاد الأفريقي"، بسبب اعترافها ب "الجمهورية الصحراوية" ممثلاً لما وصفته ب"الشعب الصحراوي". ومن يومها ظل المغرب يعتبر العهد الذي بينه وبين الدول الأفريقية "قضية الصحراء"، فمن اعترف ب "الجمهورية الصحراوية"، فقد خرج من دائرة أصدقائه. وظل الموقف من "مغربية الصحراء" بمثابة الميزان الذي تقاس به درجة العلاقة بين المغرب وباقي الأطراف الدولية. ولم يقتصر الأمر على بعض الدول الأفريقية، أو الدول التي توصف ب "الضعيفة"، بل إن المملكة دخلت في مواجهة دبلوماسية مع الولاياتالمتحدةالأمريكية عام 2013، رغم أنها تعتبر من حلفائها في المنطقة، لأن الخارجية الأمريكية في مسودة مبادرة لها دعت إلى توسيع مهمة بعثة "المينورسو" لتشمل مراقبة حقوق الإنسان في "إقليم الصحراء". وأعلنت الرباط رفضها المبادرة، على اعتبار أن الصحراء تمثل جزءًا من التراب المغربي، وأن توسيع مهمة البعثة تحريف لمهمتها الأصلية وهي مراقبة الالتزام بقرار إطلاق النار بين المغرب وجبهة "البوليساريو", وفي نهاية المطاف خلا ل القرار الأمريكي الذي قُدم إلى مجلس الأمن من أية إشارة إلى توسيع مهمة البعثة، وخرج قرار الأممالمتحدة كذلك خالياً من هذه النقطة. كما ظلت علاقات المغرب مع دول أمريكا الجنوبية فاترة، وصلت إلى حد القطيعة الدبلوماسية، بسبب اعتراف هذه الأخيرة بالجبهة، ودعمها لها، واحتضانها لقيادتها ونشطائها وطلابها، ولم تغير المملكة من سياساتها تجاه بعض هذه الدول إلا بعد سحب اعترافها ب "الجمهورية الصحراوية". لكن إذا كانت قضية الصحراء خطًا أحمرًا عند المغرب، فإن مراقبين يعتبرونها بمثابة "مكبل" أو "ذراعاً مؤلمة" في علاقات الرباط الخارجية، ومواقفها من مجموعة قضايا عربية وإسلامية ودولية، حيث تكون دائماً في جانب الدول الداعمة لها في "شرعية مغربية الصحراء"، حتى لو لم تكن هذه المواقف على هوى الشعور القومي أو الديني للمغاربة. وفي سياق تفسيره للسلوك السياسي المغربي، قال خالد شيات، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة وجدة (شرق)، في حديث لوكالة الأناضول التركية، إن الموقف الرسمي للمغرب "يعكس موقفاً مغربياً عاماً من القضية". واعتبر أن "قضية الصحراء عند المغاربة ليست فقط قضية سياسية، بل قضية كرامة، وشعب، وأمة، وحق، ودفاع أبناء البلدعن مغربية الصحراء شئ ثابت وليس فيه مزايدات". لكنه مع ذلك، رأى شيات أن هذا الموقف "لا يعني أن الدبلوماسية المغربية لم تخطئ في طريقة دفاعها عن هذه القضية العادلة"، مضيفاً: "المغرب فقد الكثير خصوصاً في بداية الأزمة، لاسيما وأنه اعتبر أن قضية الصحراء بمثابة محرار يقيس به علاقته بالدول خاصة التي اعترفت أو دعمت البوليساريو، فكان موقف الرباط هو سحب السفراء، أو القطيعة الدبلوماسية مع هذه الدول، بل والانسحاب من منظمات إقليمية". ودعا شيات، السلطات المغربية إلى "التعامل بذكاء أكبر في دفاعه عن قضية الصحراء، خصوصاً مع الدول العريقة في الديمقراطية مثل الدول الإسكندنافية، التي للرأي العام فيها تأثير كبير على الفاعل السياسي". وأضاف أن "تعامل المغرب في بعض الحالات، كما في حالة السويد، يعطي انطباعاً كأن المغرب يقايض مواقف سياسية بمصالح اقتصادية"، معتبرًا أن "هذا السلوك يكرس حالة من عدم الفهم لطبيعة القضية والصراع حولها".