– المختار الخمليشي: ترسل شمس الظهيرة، أشعتها الحارة في اتجاه مياه المحيط الأطلسي، المتلاطمة أمواجه بجدران السور البرتغالي، المحيط بالمدينة القديمة في أصيلة، في حركة مد تسمح للعديد من شباب هذه المدينة الصغيرة بممارسة هواية القفز من أعلى قمة برج "القريقية" التاريخي. وفي هذا الفضاء، حيث يمتزج هدير الأمواج بأصوات نغمات فولكلورية شعبية من تراث فن "كناوة"، يجد العشرات من الشباب واليافعين، المنحدرين من مختلف أحياء مدينة أصيلة ، مكانا مناسبا لاستعراض مهاراتهم في القفز من علو نحو 15 مترا، دون أن تنتابهم أدنى رهبة من مشهد الأمواج المتلاطمة بالصخور والجدران، حين تكون أجسادهم تهوي نحوها. ويقول "عمر"، وهو فتى في السابعة عشر من العمر، في حديث ل"طنجة 24"، إن القفز من هذا البرج لا يدعو لأي نوع من الخوف ما دام أن القائم بهذا الأمر على دراية برياضة السباحة، إضافة إلى المعرفة الكافية بطبيعة المكان. وبنفس الثقة، يتحدث "صهيب" (21 سنة)، بعجالة، وهو يستعد للقفز من أعلى البرج صوب مياه البحر، قائلا "منذ كنا صغارا ونحن نمارس هذه الهواية، ولم يسبق أن عايشنا أن أي حادث أو مكروه". يقفز "صهيب" من أعلى البرج، في مشهد استعراضي أثار إعجاب وانبهار أعداد من المتواجدين في هذا المكان، قبل أن تتلقفه مياه البحر وتبتلعه للحظات معدودة، يظهر بعدها وهو يلوح بيديه تحية لأصدقائه ولمعجبي خطوته الشجاعة والجريئة. وينتصب برج "القريقية"، الذي يعتبر أعلى نقطة في مدينة أصيلة، على شكل لسان بارز وسط مياه المحيط الأطلسي، واستمد تسميته هذه "القريقية" لشبهه بمزلاج الباب، حيث يعتبر اسم "القريقية" مرادفا للمزلاج في لهجة سكان شمال المغرب القدامى. ويشكل هذا البرج آخر نقطة من السور البرتغالي، الذي جعل من مدينة أصيلة قلعة حصينة خلال فترة الاحتلال السالفة الذكر، حيث كان دوره لا يتعدى المجال الحربي، قبل أن يصبح اليوم مجالا مفضلا لهواة مغامرة القفز والسباحة، علاوة على كونه نافذة لعشاق المناظر الخلابة والأجواء الرومانسية، أمام مشهد غروب الشمس الجميل. فمع حلول فترة المساء من كل يوم، يقصد العشرات من زوار أصيلة الذين تغص بهم المدينة خلال فترة ذروة السياحة الصيفية برج "القريقية" للاستمتاع بلحظات الغروب الجميلة التي تمتزج فيها جمالية المنظر بجاذبية السور التاريخي، حيث يطلقون العنان لأبصارهم نحو الافق الذي تبدو من خلاله الشمس وهي تغوص في أعماق المحيط مؤذنة بانصرام يوم آخر من أيام هذه المدينة الجميلة. وتحرص "أسماء"، شابة في العشرينات من العمر، على التقاط صورة تذكارية أمام هذا المنظر الخلاب، لتخلد بها لحظات مرورها من هذه المدينة، بما تحمله من أجواء طبيعية ساحرة، ورحابة صدر سكانها، بحسب ما عبرت به في حديثها لصحيفة طنجة 24 الإلكترونية. ولا يقتصر سحر برج "القريقية" على لحظة الغروب، حيث يفضل أعداد من السياح، ساعات الصباح الباكر، للتمتع بمنظر شروق الشمس واستنشاق هواء البحر، انطلاقا من هذا المكان .. من ضمن هؤلاء الذين صادفتهم "طنجة 24" في هذا المكان، في أحد صباحات أصيلة، "لوثيا"، وهي سائحة إسبانية في منتصف العشرينات، كانت منهمكة في رسم لوحة تحاكي منظر البحر والشمس الذي أمامها. "تصوير هذا المنظر الخلاب باستعمال الأقلام والألوان يجعلك تحس بجماليته أفضل مما إذا استعملت آلة تصوير"، تتحدث "لوثيا"، عن صنيعها هذا، قبل أن تضيف بابتسامة تنم عن شعور جميل يختلجها "أصيلة مدينة جميلة بهدوئها ورونقها". وبرج "القريقية"، هو معلمة أثرية تم إنشاؤها خلال فترة القرن الخامس عشر الميلادي، عندما كانت مدينة أصيلة ترزح تحت الاحتلال البرتغالي منذ سنة 1471، حتى تحريرها على يد السعديين سنة 1589، حيث ما زال يشهد على الأهمية التي ظلت مدينة أصيلة تكتسيها من الناحية العسكرية، بالنظر إلى دور هذا البرج في المراقبة وفي عمليات التوسع الاستعماري في سواحل الشمال الإفريقي. وغير بعيد عن برج "القريقية"، ينتصب برج "القمرة"، كما هو معروف عند الزيلاشيين، بينما يعرفه السياح الأجانب، خاصة البرتغاليين، ببرج "دون سيباستيان"، نسبة إلى الملك البرتغالي المتطرف، الذي سقط في معركة "الملوك الثلاثة" التاريخية، بعد أن قضى آخر لياليه في هذا البرج الذي قام ببنائه بنفسه.