إن استيعاب إشكالية تدبير السياسات العمومية في كل مجالاتها وبكل تعقيداتها، يندرج ضمن ما نسميه بالتجديد السياسي كمفهوم وظيفي في الديمقراطية الاجتماعية. وهو التصور الذي نعتبره أبعد ما يكون عن فهم وإدراك الحكومة الحالية والسابقة. وبعدم التفاعل مع ما يجري في الشارع اليوم من تظاهرات واحتجاجات، مشفوعة بملفات مطلبية ذات أبعاد اجتماعية، فالحكومة تؤكد عدم استيعابها للتحديات الجديدة التي أفرزها الحقل السياسي في سياق انفجار الطلب الاجتماعي، وتبتعد عن مسلك تعزيز أدوارها كفاعل سياسي في إنتاج سياسات عمومية ذات طابع اجتماعي، وتتجنب مبدأ الديمقراطية المواطنة والتشاركية بسدها الطريق أمام كل صيغ جديدة للمشاركة في تدبير الشأن العام، وتعدم إمكانية توسيع مجال المسؤولية السياسية للحكومة، وتسهم في تقليص صلاحيات المؤسسات المنتخبة، وتعمل على تبخيس الوظائف السياسية للتنظيمات الحزبية، وتزكي عملية إضعاف حضور المجتمع المدني وهيئات الحكامة… وبصم آذانها عما يرفع من أصوات مطالبة بالحقوق في أدنى مستوياتها، المتجسدة في أساسيات العيش الكريم، تفشل الحكومة مرتين: في المساهمة في بناء نظام سياسي ديمقراطي، وفي تحقيق العدالة الاجتماعية بأبعادها المختلفة. دون الحديث عن ضرورة تحقيق التوازن المطلوب بينهما. وها هي، بعجزها عن القيام بإعادة السياسات العمومية إلى صلب العملية السياسية الديمقراطية، وبعدم قدرتها على جعل السياسات العمومية تحتل فضاء النقاش العمومي من حيث إبداع حلول للمشاكل المجتمعية، تؤكد للمغاربة بشكل قاطع فشلها الذريع في مجال العمل على تأكيد الحضور المحوري للمسألة الاجتماعية في البناء الديمقراطي والمؤسساتي. فإذا كانت الوثيقة الدستورية قد قدمت جوابا على إشكالية المرجع في التدبير السياسي للمسألة الاجتماعية عبر تحديدها لمجمل المبادئ والقيم الموجهة لعملية إنتاج وصياغة وتقييم السياسات العمومية، فضلا عن إقرارها لهندسة الصلاحيات والاختصاصات وتحديدها لأدوار ووظائف السلط والمؤسسات المتدخلة في هذا المجال، فإن مضامين هذه السياسات العمومية تبقى اليوم مرتبطة بنموذج التدبير السياسي السيء للحكومة، وبطبيعة الاختيارات اللاشعبية واللااجتماعية لمكونات الأغلبية الحكومية، وكذا بتغييب الشرط السياسي الديمقراطي التشاركي؛ الذي هو دليل إرادة البناء المشترك وعنوان نجاحه في تحقيق تفاعل خلاق وتكامل في الوظائف والأدوار بين الفاعلين الأساسيين داخل المجال السياسي الوطني.