واشنطن بوست – سيلفي بيغار (ترجمة محمد سعيد أرباط): متجاهلة تحذيرات الفنيقيين القدماء، أبحرت بين أسطورة أعمدة هرقل، الجبال التي تحيط بمضيق جبل طارق، وكنت على متن باخرة تربط بين اسبانيا والمغرب في أقل من ساعة، وكنت أستمتع بمذاق هلالية اشتريتها من مقهى الباخرة وأنا أتأمل التاريخ الغني الذي تستعرضه أمامي تدفقات المياه. عندما عبر العرب المضيق سنة 711 م، وسعوا امبراطوريتهم الاسلامية داخل شبه الجزيرة الايبيرية، وأسموها الأندلس، ثم اسقروا هناك 7 قرون، ولذلك فإن التأثير العربي جد محسوس هناك. وقد اخترت أن أبدأ السبعة أيام من جولتي في جنوب غرب جزيرة الاندلس، من طنجة حيث استقبلني عبد العزيز بنعلي الدغالي المرشد الذي سيقودني لزيارة المدينة قائلا بالاسبانية والفرنسية معا،"بويناس دياس"، "بونجوغ". بسبب موقعه الاستراتيجي، ميناء طنجة كان لمدة طويلة مفتاحا للتجارة، ومن 1923 إلى سنة 1956 (ما عدا من سنة 1940 و 1945 التي احتلت طنجة من طرف الديكتاتور الاسباني فرانشيسكو فرانكو)، كانت طنجة منطقة دولية تجتذب المبدعين مثل بول بولز وتينسي ويليامز. إضافة إلى تنوع لهجات طنجة، فإنني انجذبت إلى تعدد اللغات التي كنت أسمعها حيثما ذهبت في المدينة القديمة، في هذا المكان حيث السقوف المسطحة التي تنتشر كالتلال، والقراميد الخضراء التي تشع فوق سطوح المساجد، وفي السوق، والالوان الكثيرة التي تكثر مثل قوس قزح على الواجهات الصخرية القديمة للمنازل. سألت بائع التوابل المفضل عند مرشدي الدغالي " ماذا يوجد عندك ولا يوجد عند الاخرين؟" أجاب " جميعنا نبيع الأشياء نفسها" ثم أضاف ضاحكا" الاختلاف يوجد في الناس فقط". أهل طنجة نشيطون وصاخبون أكثر من أي وقت مضى، ففي الخمس السنوات الاخيرة، رصد الملك المغربي موارد ضخمة لتحديث المدينة، ولذلك رأيت بجانب المآذن ترتفع رافعات البناء عالية في السماء. لهثت في كل مكان أبحث عن الجمال والتاريخ فبدا لي أن كل شيء يتساقط أمام عمليات التحديث، ولذلك في الصباح عدت إلى طريفة في اسبانيا، إذ أنني لم أكن أجري وراء المستقبل في طنجة، بل كنت أبحث عن الثقافة القديمة التي بدأت تختفي تحت عمليات التحديث.